ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهذه الأسباب نرفض خصخصة القطاع العام
نشر في الشعب يوم 03 - 04 - 2010

إنّ العلاقة بين الخوصصة والإستثمار في النظام الاقتصادي الرأسمالي علاقة بديهيّة، إذ أنّ الهدف الرئيسي للخوصصة نظريا هو دعم الاستثمارات الخاصة المحلية وجلب المستثمرين الأجانب.
انطلقت عمليّات الخوصصة في تونس منذ 1987 في إطار برنامج الإصلاح الهيكلي (1986)، هذا البرنامج الذي يتضمّن خوصصة المؤسسات العمومية وانسحاب الدولة من النشاطات التنافسية ودعم القطاع الخاص.
ولتبرير الخوصصة، وقع اللجوء إلى ذريعة عدم جدوى القطاع العام وضعف مردوديته، بحيث أصبح هذا القطاع يمثّل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة لذلك وجب تغيير المعايير الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تحكم القطاع العام بمعايير جديدة تعتمد على السوق وعلى منطق الربح. ومن هنا نفهم لماذا جعلت الدولة من الخوصصة إحدى ركائز تعزيز القطاع الخاص ووسيلة مهمّة لتحسين جدوى الاقتصاد وقدرته التنافسية.
ويمكن تعريف الخوصصة كما يلي: »تكون هناك خوصصة عندما يقع نقل ملكية مؤسسة والتصرف فيها من القطاع العام إلى القطاع الخاص. هناك كذلك خوصصة عندما يفتح أمام الخواص قطاع أو نشاط تابع للقطاع العام«.
أهداف الخوصصة في تونس:
لقد حدّدت للخوصصة مجموعة من الأهداف أهمّها:
❊ الرفع من أداء القطاع الخاص وتدعيم الاستثمار الخاص من خلال تحسين القدرة التنافسية للمؤسسات وتعبئة رؤوس الأموال وتسهيل نقل التكنولوجيا.
❊ جلب الاستثمارات المباشرة الأجنبية.
❊ التخفيف من الأعباء المالية التي تتحمّلها الدولة وفي الآن نفسه توفير موارد مالية اضافية من شأنها أن تساعد الدولة على تمويل نفقاتها.
❊ تنشيط السوق الماليّة لتقوم بدورها المتمثّل في تعبئة المدخرات المالية لفائدة الاستثمار.
ولكي يقع تحقيق أهداف الخوصصة، لابدّ لهذه الأخيرة أن ترتكز على مبدأين أساسيين:
المبدأ الأول: ضرورة المحافظة على مصالح المجموعة الوطنية وذلك بالعمل على ألا تقتصر الخوصصة على مجرّد تحويل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، يجب العمل على تحقيق استمرارية المؤسسة والمحافظة على دورها الاقتصادي وكذلك الاجتماعي (المحافظة على مواطن الشغل).
المبدأ الثاني: ضرورة أن تتمّ الخوصصة في إطار الشفافية التامة، وهذه الشفافية لا تتوفّر إلاّ إذا جرت عمليات الخوصصة في مناخ تنافسي سليم يؤمّن فيه الإشهار اللازم (من خلال طلبات العروض) وتقيّم فيه المؤسسة من طرف خبراء من خارج الإدارة.
اختيار المشترين:
يتمّ اختيار المشترين حسب المعايير التالية:
المبلغ المالي المقترح لشراء المؤسسة العمومية.
برنامج الاستثمار المزمع إنجازه داخل المؤسسة.
عدد مواطن الشغل التي سيقع الإحتفاظ بها والتي سيقع خلقها.
نقل التكنولوجيا المتأتّية من الخوصصة.
أسواق التصدير التي سيقع اكتسابها.
هذه المعايير تضمّنها كرّاس الشروط، ومشتري المؤسسة العموميّة مطالب باحترام محتوى هذا الكرّاس، غير أنّ التجربة ما انفكّت تثبت أنّ ذلك صعب وأنّ الدولة كثيرا ما تقف عاجزة أمام عدم احترام كرّاس الشروط.
مراحل الخوصصة في تونس:
لقد وقع توخّي التدرّج في تنفيذ برنامج الخوصصة:
مرحلة التريث (1987 1991) والتي وقع خلالها اللجوء إلى تقنية التفريط في أجزاء من المؤسسة، ثمّ استعملت تقنيات البيع بالجملة للأسهم وفتح رأس المال للعموم.
أمّا المؤسسات التي شملتها الخوصصة في تلك الفترة فتنتمي إلى قطاعات التجارة والفلاحة والسياحة ونقل البضائع.
أمّا المرحلة الثانية فقد انطلقت مع بداية المخطّط الثامن (1992 1995) حيث بدأ التفكير في خوصصة نشاطات تعتبر عادة استراتيجية بواسطة اللزمة وعلى أساس احترام كرّاس الشروط وقد شملت ميادين إنتاج الكهرباء والتطهير والإسمنت والبنوك والتأمين وكذلك السوق الحرّة في المطارات التونسية.
المرحلة الثالثة بدأت منذ 1996 وخلالها عرفت الخوصصة نسقا سريعا لأنّها أصبحت تشمل المؤسسات الرابحة .
والجديد خلال هذه المرحلة هو أنّه منذ بداية 2001، وقع توخّي أسلوب جديد حيث يقع الإعلان مسبقا عن المؤسسات التي سيقع خوصصتها مع تحديد التقنيات التي سيقع استعمالها في عمليّات الخوصصة.
الأسئلة التي تطرحها الخوصصة في تونس:
تتمثل إشكالية الخوصصة في تونس في كونها تطرح العديد من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها بسهولة وبصفة نهائية.
فالخوصصة تعني التفريط في المؤسسات العمومية لفائدة القطاع الخاص وذلك يعني فقدان الدولة لإحدى الركائز التي يقوم عليها دورها التعديلي في النشاط الاقتصادي فالخوصصة، إذن تؤدي الى تقليص هامش تحرك الدولة والى إضعافها.
لذلك فإنّ الخوصصة تمثل تكلفة اقتصادية واجتماعية لا بدّ للمجموعة الوطنية من تحملها علاوة على ذلك،، فإنّ الخوصصة إذا اقتصرت على مجرّد نقل للملكية من القطاع العام الى القطاع الخاص، فإنّ انعكاساتها ستكون حتما سلبيّة لأنّ ذلك يعني ان الخواص الذين اقتنوا المؤسسة سيستحوذون دون سواهم على جميع المنافع المتأتيّة من الخوصصة.
إنّ الخوض في إشكالية الخوصصة في تونس يؤدي بصفة مباشرة إلى محاولة الاجابة على مختلف الاسئلة التي تدور حول الخوصصة وهذا لا يمكن ان يتمّ إلا بارتباط وثيق مع الاهداف التي أوكل تحقيقها الى العولمة.
فما هي هذه الأسئلة وكيف يمكن الإجابة عليها؟
1 لماذا يتعرّض القطاع العام للهجوم؟
إنّ أهم ما يعاب على القطاع العام:
انعدام التصرف المجدي: وهو ناتج عن غياب المعايير العلمية للتصرف والمقاييس الصحيحة للمردودية والسياسات المجدية للاسعار.
كما أن الاستثمار يتمّ في كثير من الاحيان دون الاعتماد على الجدوى الاقتصادية لأنّ تمويل هذا الاستثمار لا ينجز عن طريق السوق المالية وإنّما عن طريق التداين العمومي.
غياب الدوافع لدى مسيري المؤسسات العمومية، فهؤلاء لا يتعرضون لضغوطات من أجل تحسين نتائج المؤسسات التي هي في عهدتهم، ولا يمكن لهم في نفس الوقت مواجهة الضغوطات السياسية والفردية ومراكز القوى داخل السلطة التي كثيرا ما تُمارس عليهم.
انعدام المنافسة: وهو ما ينتج عنه عدم التحكم في مكونات التكلفة وكذلك عدم تحسسين الجودة.
هذه هي أهمّ الانتقادات التي تقدم لتفسير ضعف الجدوى الاقتصادية الذي تشكو منها المؤسسات العمومية غير ان المتأمل في هذه الانتقادات يدرك بسهولة أنها ترتكز بصفة كليّة على النتائج المالية للمؤسسات العمومية دون اعتبار الأهداف غير الاقتصادية التي كثيرا ما تحدد لهذا الصنف من المؤسسات، فإذا كان سبب وجود هذه المؤسسات هو تحقيق جملة من الاهداف الاجتماعية، فكيف يمكن ان نحكم عليها من خلال معايير أخرى؟
إنّ معالجة مسألة القطاع العام يجب أن تنطلق من الواقع وهذا الواقع يتمثل في كون الدولة أصبحت غير قادرة على تحمّل الاعباء المالية الناجمة عن النتائج الهزيلة للمؤسسات العمومية. كما أن الواقع يتميّز بعدد الاهداف داخل المؤسسات العموميّة فهذه الأخيرة، بوصفها أداة تدخل للدولة، تتعرض لشتّى الضغوطات بصفة متواصلة وتكون أهدافها في أغلب الاحيان متناقضة بحيث تطالب المؤسسات العمومية بتحقيق الأرباح من جهة وتحقيق الاهداف الاجتماعية من جهة أخرى وبعبارة أخرى لا يمكن أن نطالب المؤسسة العمومية بأن تكون في نفس الوقت ذات جدوى اقتصادية (الربح) وذات دور اجتماعي كالمحافظة على عدد كبير من الأجراء ومقاومة البطالة ودفع أجور مرتفعة واتباع سياسة أسعار منخفظة، إلخ...
وخلاصة القول، فإن المؤسسات العمومية تعيش صعوبات ماليّة ليس لانها عمومية بل لانّ سوء التصرف هو الذي يحكمها وبالتالي فإنّ التعامل معها يجب ان يكون على النحو التالي:
❊ إذا كان الهدف من المؤسسات العمومية هو تحقيق الربح، فيجب إخضاع هذه المؤسسات الى طرق تصرف علمية من شأنها أن تجعل منها مؤسسات ذات جدوى اقتصادية عالية، ويمكن ان تكون حتى مؤسسات رائدة على غرار المؤسسات العمومية في البلدان المتقدمة.
❊ إذا كان مبرر وجود المؤسسات العمومية هو خدمة مجموعة من الاهداف الاجتماعية، فيجب الإقرار بضرورة أن تتحمل الدولة التكاليف المالية لهذا الاختيار وأن لا يقع التعامل مع هذه المؤسسات بمنطق الربح البحت.
2 هل ستخفف الخوصصة من الضغوطات المالية على الدولة؟
بلغت الموارد المالية المتأتية من الخوصصة منذ 1987 والى حدود 31 مارس 2001 مبلغ 1406 مليون دينار منها 67٪ في شكل استثمار مباشر أجنبي و85٪ من هذا الاخير منحصر في مواد البناء (الإسمنت).
إن المتأمل في تطور الموارد السنوية للخوصصة من جهة وعجز الميزانية (❊) من جهة أخرى يلاحظ أن الخوصصة ساهمت في تخفيف الاعباء المالية التي تتحملها الدولة وبالتالي ساعدت على التخفيض من عجز الميزانية.
من خلال هذا نلاحظ أنه منذ أن ارتفع نسق الخوصصة في سنة 1995، هناك انخفاض في عجز ميزانية الدولة كلّما كان هناك ارتفاع في مداخيل الخوصصة وأحسن مثال على ذلك هو سنتي 1998 و2000، خلال هاتين السنتين وقعت خوصصة معامل الإسمنت الأربعة، مما وفّر:
سنة 1998: خوصصة معملي »جبل الوسط« و»النفيضة« مقابل 409 م.د.
سنة 2000: خوصصة معملي »قابس« و»جبل الجلود« بمبلغ 362م.د
وهو ما نتج عنه انخفاض معتبر لنسبة عجز ميزانية الدولة (1.3٪ سنة1998 و2.4٪ سنة 2000).
يمكن كذلك الوقوف على انخفاض العجز من جراء تحسن موارد الخوصصة، ما يمكن ان نستنتجه أنّ موارد الخوصصة لسنة 1999 كانت ضعيفة لذلك كانت نسبة عجز الميزانية مرتفعة (3.6٪) خلافا لسنة 2000 التي تتميز، كما وقع ذكره، بموارد هامة من الخوصصة وهو ما أدى الى انخ فاض في نسبة العجز (2.4٪).
إذا لم يقع اعتبار موارد الخوصصة، فإنّ نسبة العجز سترتفع (3.7٪ عوضا عن 2.4٪ لسنة 2000).
إنّ ما يجب ملاحظته هو أنّه بالرغم من التأثير الإيجابي للخوصصة على ميزانية الدولة، فإنّ هذا التأثير يجب تقييمه بكلّ تحفظ وذلك للأسباب التالية:
❊ الموارد الماليّة المتأتية من الخوصصة ليست منتظمة على مرّ السنين وبالتالي لا يمكن الاعتماد بصفة متواصلة على الخوصصة للتخفيف من أعباء الدولة المالية.
❊ المؤسسة المخوصصة، باستثناء بعض المؤسسات الكبرى (معامل الإسمنت)، هي مؤسسات صغيرة ومتوسطة، لذلك فإن مداخيل خوصصتها ليست مداخيل ضخمة.
❊ الخوصصة تسبقها عادة عمليات إعادة هيكلة وتطهير مالي للمؤسسات المزمع خوصصتها وهو ما يكلف الدولة نفقات تكون في بعض الأحيان باهضة وقد تتجاوز أحيانا مداخيل خوصصتها.
❊ التحويلات بعنوان مرابيح المؤسسات العمومية تشهد انخفاضا ملحوظا، فالخوصصة جزء من برنامج شامل لتحرير الاقتصاد التونسي. وهذا البرنامج تولدت عنه ضغوطات على الميزانية العامة للدولة نتيجة تقلص الموارد الجبائية من جراء تفكيك المعاليم الجمركية على الواردات وكذلك نتيجة »الانخفاض المنتظر للمقابيض غير الجبائية بسبب التراجع المتواصل في عائدات النفط وتقلص التحويلات بعنوان مرابيح المؤسسات العمومية التي سيقع فتح رأسمالها للخواص« (انظر مشروع المذكرة التوجيهية للمخطط العاشر وزارة التنمية الاقتصادية جويلية 2001، ص 6).
3) هل تؤدي الخوصصة الى تحسين الجدوى الاقتصادية؟
هناك جدوى اقتصادية عندما يقع تحقيق مستوى معين من الانتاج بتكلفة أقل.
لا يمكن للخوصصة ان تحسن الجدوى الاقتصادية إلا إذا صاحبها تدعيم للمنافسة فبفضل المنافسة ستكون المؤسسة المخوصصة مجبرة على تحسين أدائها والرفع من مردوديتها، وذلك لا يتم الا اذا توصلت المؤسسة الى انتاج سلع ذات جودة عالية وسعر تنافسي.
علاوة على هذا الشرط، فإن الخوصصة تعتبر قادرة على الرفع من الجدوى الاقتصادية للمؤسسة لأسباب ثلاثة:
المساهمون الخواص، بوصفهم معنيون مباشرة بنتائج المؤسسة، كثيرا ما يمارسون ضغوطات متواصلة على المتصرفين في المؤسسة، وذلك بمطالبتهم بتوفير كل المعلومات حول الأوضاع المالية للمؤسسة.
وجود البورصة هو في حدّ ذاته عامل إيجابي لأن البورصة تعطي الفرصة لمن يهمهم الامر لاقتناء الأسهم وشراء المؤسسة في نهاية الامر. كذلك يمكن بواسطة البورصة إقرار إفلاس المؤسسة في حالة الانعدام المتواصل لكل مردودية اقتصادية.
وجود المتصرفين على رأس المؤسسة ليس بصفة نهائية، بل يمكن التخلي عنهم بسهولة وهذا ما يجعلهم حريصين كل الحرص على تحقيق نتائج طيبة للمؤسسة.
من ناحية أخرى، لابد من الاشارة الى عاملين من شأنهما أن يحدّا من الجدوى الاقتصادية للمؤسسة وهذان العاملان هما:
❊ مواصلة الدولة لتملّك جزء من الأسهم داخل المؤسسة المخوصصة. هذا العامل يؤدي في أغلب الأحيان الى ازدواجية في الاهداف داخل المؤسسة (أهداف اجتماعية للدولة وأهداف اقتصادية بحتة للخواص) والى انعدام استقلالية القرارات. وهو ما من شأنه ان يؤثر بصفة سلبية على الجدوى عن طريق عمليات البيع العمومية (OPV)، فإن رأس مال المؤسسة سيكون موزعا على عدد كبير من المساهمين وهؤلاء، بحكم تشتتهم، لا يمكنهم ممارسة رقابة فعّالة ومتواصلة على المتصرّفين، وهو ما يمكن أن يؤدي الى وضعية تكون فيها الأهداف التي حددها المتصرّفون تختلف عن الاهداف المرجوّة من طرف المساهمين.
❊ وخلاصة لذلك يمكن القول بأن وجود مناخ تنافس هو شرط أساسي لتحسين الجدوى الاقتصادية للمؤسسة المخوصصة والدولة هي الوحيدة القادرة على توفير هذا المناخ. وهو أمر مهم لأن انعدام المنافسة سيؤدي حتما الى امكانية استحواذ المالكين الجدد للمؤسسة، دون سواهم، على جميع منافع الخوصصة على حساب الاطراف الاقتصادية الاخرى وهنا فرصة للتأكيد على الدور المهم الذي تقوم به الدولة في صيرورة الخوصصة.
4) ما هي انعكاسات الخوصصة على الأسعار؟
كثيرا ما تعتبر الخوصصة عامل تخفيض في الأسعار، فالخوصصة اذا ما تمت في اطار تنافسي، ستحقق الجدوى الاقتصادية وذلك بدوره سيخفض من تكاليف الانتاج وهو ما سيترتب عنه انخفاض في الاسعار غير ان هذا الانخفاض لا يتحقق بصفة آلية وذلك لأن انخفاض التكلفة لا يؤدي بالضرورة الى انخفاض في الاسعار. فهذا الانخفاض يمكن ان يستحوذ عليه المالكون الجدد للمؤسسة للرفع من أرباحهم. لذلك، يمكن للخوصصة أن تساهم في تحسين مردودية المؤسسة دون أن تؤدي الى الرفع من مستوى العيش.
إن البحث عن أكبر نسبة من الأرباح من طرف المالكين الجدد للمؤسسة المخوصصة ينتج عنه في أغلب الأحيان ارتفاع في الأسعار. إن أحسن مثال على ذلك هو خوصصة معامل الاسمنت في تونس والتي ستؤدي، بداية من ماي 2002 الى ارتفاع في سعر الإسمنت.
فعندما وجّه الى الرئيس المدير العام لمعمل إسمنت النفيضة السؤال التالي: هل غايتكم الاقتراب من سعر الإسمنت المعمول به في منطقة البحر المتوسط؟ كانت إجابته كما يلي:
»يجب الاقتراب من سعر حوض المتوسط الذي يتأرجح بين 55 و 57 دولار للطن الواحد في حين أن السعر المعمول به في تونس هو 35 دولار يجب الوصول الى السعر المتوسطي بصفة تدريجية ولا يجب إرباك المستهلك التونسي الذي يمكن ان يظن أن الخوصصة تؤدي الى ارتفاع كبير في الاسعار«. (انظر مجلة الاقتصادي المغاربي، عدد 291 من 4 الى 18 جويلية 2001 ص: 29).
5) ما هو تأثير الخوصصة على الاستثمار الخاص؟
لقد حدد للخوصصة هدف أساسي هو المساهمة في الرفع من أداء القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار.
غير ان ما يجب ملاحظته هو أن الخوصصة، بالرغم من نسقها التصاعدي وتنوّع القطاعات التي شملتها وشمولها للمؤسسات الرابحة، لم تؤد الى رفع حصة الاستثمار الخاص في الاستثمار الجملي.
إن ما يجب الإقرار به في نهاية الأمر هو أن الخوصصة لم تلعب الى حد الآن دور الحافز المهم لدفع القطاع الخاص نحو القيام بدور رئيسي في عملية التنمية الاقتصادية.
فالقطاع الخاص ظل لا ولا يزال يتعامل مع المؤسسات المخوصصة كفرص لتحقيق الربح السهل والمضمون.
6) هل دعمت الخوصصة جاذبية تونس للاستثمار المباشر الأجنبي؟
إن اجتذاب الاستثمارات المباشرة الأجنبية يشكّل إحدى أهداف الخوصصة. لكن هذه الأخيرة لم يكن لها تأثير إيجابي مباشر، بالصفة المرجوة، على حجم الاستثمار المباشر الأجنبي في تونس.
فإذا استثنينا سنتي 1998 و 2000 اللتين شهدتا خوصصة أربعة معامل اسمنت، الشيء الذي نتج عنه ارتفاع واضح ومهم في حجم الاستثمارات المباشرة الأجنبية، فإن بقية عمليات الخوصصة خلال السنوات الأخرى لم تجلب بصفة منتظمة استثمارا مباشرا أجنبيا معتبرا.
وهذا معناه ان عمليات الخوصصة لا تستحوذ كثيرا على اهتمام المستثمرين الأجانب. فمثلا بالنسبة للسبعة أشهر الاولى لسنة 2001، بلغ حجم الاستثمارات المباشرة الأجنبية في تونس 335 م.د منهم 64 م.د فقط متأتية من الخوصصة.
7) ما هي انعكاسات الخوصصة على التشغيل؟
يعتبر التشغيل من اهم المسائل التي تطرحها الخوصصة لأن هذه الاخيرة تتضمن، في أغلب الأحيان، تسريحات للعمال وطعن في الحقوق المكتسبة لهؤلاء. فالمشترون الجدد للمؤسسة العمومية، بحثا عن الربح، يخضعون التصرف في المؤسسة الى معايير السوق المرتكزة على الربح والمردودية والجدوى الاقتصادية. وهذا يتطلب التقليص من عدد العمال داخل المؤسسة ومراجعة الحقوق التي يتمتع بها العمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.