استأنفت الندوة الإقليمية التقييميّة الثالثة أشغالها في الجزء الثاني من حصة اليوم الأول بالإستماع إلى كلمة تمهيديّة ألقاها الأخ المولدي الجندوبي الأمين العام المساعد المسؤول عن القطاع العام، وضع من خلالها الندوة في إطارها، معرّجا بشكل خاص على ما وقع تداوله من أخبار حول نيّة الحكومة تخصيص عدد جديد من مؤسسات القطاع العام خلال سنة 2010. وأضاف الأخ المولدي الجندوبي، أنّ القسم راسل الوزارة الأولى والوزارات المعنيّة طالبا ما يلزم من توضيحات في الموضوع، لكنّه لم يتلقّ اي ردّ رغم مرور عدة أسابيع، وخلص إلى أنّ الأمر أصبح يستدعي إهتماما خاصا من الإتحاد بمختلف هياكله بالموضوع، اهتماما يتمثل أولا وأخيرا في التصدّي لهذا التيار الجارف الزاحف على القطاع العام، القاضي فيه على فرص عمل الآلاف من أبناء شعبنا، ومعرّض المسرّحين منه إلى العيش على الكفاف، فضلا عن كونه غير مؤمّن للتنمية المزعومة من وراء الخصخصة. وتخلّص الأخ المولدي للحديث بعد ذلك عن أوجه النضال المطلوب في باب التصدّي للخصخصة وعن أساليبه وآلياته وتوقيته، فقال أنّ الامر يتطلّب ودون أيّ تأخير الاسراع بعقد هيئة إدارية وطنيّة لبحث الموضوع من جميع جوانبه وتقرير أشكال النضال المستوجبة من أجل وقفه على صعيد آخر، استعرض الأخ المولدي الجندوبي أرقاما كثيرة مرتبطة بعمليات التخصيص، فأشار إلى عدد المؤسسات التي شملها التخصيص حتى الآن، وعدد العمال الذين تضرروا من العمليّة، وعدد المؤسسات المعروضة للتخصيص هذا العام، وهي أرقام سبق لنا أن تعرضنا لها في الملف الخاص بالموضوع الذي نشرناه في العدد الماضي مساهمة منّا في إسناد ندوة القسم ودعمها بآخر المعطيات وتوفير معلومات إضافية تساعد النقابيين على مزيد الفهم والادراك. الأخ المنصف الزاهي الأمين العام المساعد المسؤول عن الوظيفة العموميّة، شارك في النقاش بكلمة أشار في مستهلها إلى أنّ التصدي للخصخصة لا يقتصر على الشعارات بل يتعداه إلى الفعل منبها الى انقلاب المفاهيم عند البعض حيث أن من أسس للتعاضد وطبّقه وأفشله هو اليوم يؤسس للخصخصة ويحاول تطبيقها وتنفيذها غير عابئ بما ينجر عنها من كوارث. ولأنّنا كناقبيين أصحاب مبادئ، يقول الأخ المنصف، فمن واجبنا ان نناضل ضد الخصخصة بشتى أنواع النضال، ذلك ان الخصخصة ترمي إلى القضاء على مواطن الشغل مقابل خدمات ومكاسب وفيرة تقدمها لرأس المال. وأضاف الأخ المنصف الزاهي، إذا كنا نحترم أنفسنا، فعلينا ان نقاوم الخصخصة، فهي بمثابة المرض الذي يجب أن نقاومه حتّى لا يفتك بنا، وأوضح اننا كلنا معنيون بالموضوع، فلا أحد في مأمن من الأضرار الكثيرة التي تتسبب فيها الخصخصة، فلقد أذابت القيم الانسانية وكرست مفهوم الربح فقط عند اصحاب رأس المال. ودعا الأخ المنصف الزاهي في خاتمة كلمته الى تعميق التفكير في الموضوع والى الاسراع بالتحرك عبر الحوار أوّلا ولكن أيضا عبر الاضراب وغيره من أشكال النضال في مرحلة موالية. وفي الكلمة التي ألقاها بدوره، ذكّر الأخ رضا بوزريبة الأمين العام المساعد المسؤول عن التغطية الاجتماعيّة والصحة والسلامة المهنية بتجربة الخصخصة التي عاشها في الشركة الوطنيّة للسكك الحديديّة التونسيّة وقال ان العمليّة نابعة من اختيارات الدولة التي ارتأت في وقت ما ضرورة التخصيص أي بيع المؤسسات العموميّة، وحتى الرابحة منها قصد توفير ميزانيّة تستغلها لتنفيذ تنميّة مستدامة، ذلك أن الدّولة ولا سيما بعد التفكيك »الجمركي«، تراجعت مواردها، فلجأت الى التخصيص. وبهذا الصدد قال الأخ رضا بوزريبة نؤكد للجميع أنّ هذا البرنامج فشل فشلا ذريعا، بل زاد فانقلب إلى انعكاسات أخرى سيئة، ومنها ان 59.12٪ من المضمونين الاجتماعيين غادروا العمل في إطار التخصيص قبل السنّ القانونية اللازمة للحصول على التقاعد. وأبرز ان النقابيين أنفسهم لم يكن عندهم الوعي الكافي بالمسألة وأن الجميع يتحمل المسؤولية. وبخصوص الحلّ الواجب اعتماده، دعا الأخ رضا بوزريبة الى ابتداع خطّة نضاليّة ملائمة يعتمدها الإتحاد وكافة هياكله للحيلولة دون هذا الداء الفتّاك، وأيّد الدعوة الى عقد هيئة إدارية وطنية تخصص أعمالها للنظر في هذا الموضوع بالذات وتقرّر الإجراءات الواجب اتخاذها للمجابهة كما دعا إلى اعتماد خطّة نضالية واقعية والى إتخاد قرارات واضحة تقضي أولا وأخيرا بوقف الخصخصة مؤكدا على ضرورة النضال من أجل هذا الهدف بكامل الصدق. أمّا الأخ عبيد البريكي الأمين العام المساعد المسؤول عن التكوين النقابي والتثقيف العمالي، فقد أبرز ان التحرّك الفاعل والنضال الهادف هما وحدهما الكفيلان بوقف الخصخصة، ودعا في هذا الاطار الى إجراء حوار مجد وعميق يقع خلاله بحث الموضوع من جميع جوانبه. كما دعا بالمناسبة إلى تنظيم ندوة مختصة تحاول الإجابة على سؤال حارق مفاده إلى أي حدّ، ساهمت الخصخصة التي حصلت إلى حدّ الان في ارساء تنمية مستدامة، كما ذهبت الى ذلك الحكومة عند تشريعها للخصخصة؟ من جهة أخرى، ذكر الأخ عبيد البريكي أنّ قانون الشغل يدفع العامل للمغادرة وبالتالي عاود الحديث عن ضرورة التعمق في دراسة الظاهرة واقترح البدء بعمليّة تقييم علمي من خلال دراسة يجب أن توضع للغرض وذلك حتى تتمكن من إيقاف تيار الخصخصة. واستعرض الأخ عبيد البريكي في معرض حديثه مكاسب البلاد من أقطاب اقتصادية مشغّلة أقيمت في عدة جهات ولاحظ ان نمط التنمية الجديد استند الى الخصخصة التي كان من نتائجها أنّها قلصت من فرص العمل، فأدت الى خطإ تاريخي من واجبنا أن ننبّه إليه. وقال الأخ عبيد البريكي أن الآفاق أصبحت الآن مسدودة بعد بيع المؤسسات وأكد أنّه لا حلّ للتشغيل، وللتنمية إلاّ بالتمسك بالقطاع العام. مجمل هذا الحديث فتح شهيّة النقاش لدى عدد كبير من الحاضرين تداولوا على أخذ الكلمة في هذا الموضوع بالذات، فنادى البعض بتعليق ملصقات ولافتات تعلن رفض الخصخصة في كافة مقرات الإتحاد ومكاتبه وعلى سياراته، وإلى تشريك منظمات المجتمع المدني في الموضوع ودعا آخرون الى الدفاع عن موقع الاتحاد كشريك فعلي في نقاش نموذج التنميّة وخاصة منه جانب الخصخصة، وإلى تشريك القواعد النقابيّة والعماليّة في كلّ ما يتعلق بالموضوع، وإلى إقامة تجمعات إحتجاجيّة في كافة مقرات الإتحاد وإلى مقاومة المناولة في المستشفيات. ونبّه البعض إلى أن التفاوض في كل ما يتعلّق بالخصخصة مخالف لقوانين الإتحاد ودعوا الى الدفع لتنظيم حملات انتداب واسعة في القطاع العامّ وإلى عقد هيئة إداريّة وطنيّة وهيئات جهويّة وقطاعيّة لدرس مختلف جوانب الموضوع والخروج منها بقرارات ترتقي الى مستوى تطلعات الشغالين في مؤسسات عموميّة مزدهرة قادرة على تأمين الشغل اللائق لطالبيه وضمان تنميّة مستدامة للبلاد. وفي بقيّة فعاليات الندوة، استمع المشاركون لعرض كان منطلقا لتقييم ما تمّ انجازه خلال الجولة السابعة من المفاوضات ومن خلال العرض والنقاش، تمّ تثميبن ما انجز على المستوى الترتيبي انطلاقا من البلاغ المشترك الذي مثّل برنامجا وخطة للمفاوضين إضافة إلى تأكيده على تحسين القدرة الشرائيّة حيث من خلال هذه المفاوضات تمّ: إلزام الطرف المقابل بتطبيق ما تمّ الإتفاق عليه في المفاوضات السابقة. تسويّة وضعية المتعاقدين وفق التشريعات وإتفاقية المؤسسة. إلزام سلط الإشراف في القطاع العام بتطبيق ما إتفق عليه المتفاوضون تأكيدا لقيمة الحوارالإجتماعي ومصداقيّة الوفود التفاوضيّة (فيما كان التطبيق سابقا يبقى معلقا بمصادقة سلطة الاشراف). عدم تذليل الإتفاقات (كما كان الشأن سابقا) بالتنصيص على عدم المطالبة بزيّ عنصر من عناصر التأجير خلال السنوات الثلاث المواليّة. تعزيز أسس العمل اللائق بإعتباره مضمونا يغطي كلّ جوانب العلاقات الشغلية والحماية الاجتماعيّة. كما كانت الندوة مناسبة للوقوف على السلبيات رغم الاعداد الجيّد للمفاوضات، وقد اتسم النقاش بالثراء والجديّة في الطرح والالتزام المسؤول مما أفضى الى التوصيات التالية: العمل على دعم الشغل القارّ حفاظا على ديمومة القطاع العام بإعتباره استثمارا ضامنا للتعديل الاقتصادي والاجتماعي، مع التأكيد على ضرورة التصدّي للأشكال الهشّة كالتشغيل بالمناولة والاشكال المشبوهة من وساطات ونحوها ضمانا للمساواة بين المواطنين بمناسبة فتح المناظرات الخارجية، وجعل التناظر الصيغة الوحيدة للإنتداب. العمل على التقريب في سلّم الأجور بين القطاعات الثلاث وتقليص الفوارق بين الاصناف بحكم أنّ المفاوضات تستهدف دعم القدرة الشرائية لاجراء يعيشون نفس الظروف المعيشيّة. الدعوة إلى اعتماد مؤشر أسعار حقيقي وواقعي بديلا عن مؤشر الأسعار الرّسمي الحالي الذي أصبح بعيدا كلّ البعث من واقع سلّة المستهلكين. الاستعداد بمشروع نقابي قائم على دراسات وأسس علميّة لطرح ملف الجباية بصفة تخفف العبء عن الأجراء وتحقق العدل الإجتماعي في مختلف قوى الإنتاج في مجال الجباية، كما يتعيّن تحسين السلم الجبائي اعتمادا على مؤشر التضخم. مواصلة تحقيق هامش من الحريّة للمتفاوضين من أجل تحقيق مكاسب هامّة على الصعيدين الترتيبي والمالي. التصدّي لإطالة آجال المفاوضات والعمل على تحقيق معادلة بين الزمن المخصص للتفاوض والنتائج المرجوة منه. تثمين الجهود المبذولة في مجال ترسيم المتعاقدين والدعوة الى مواصلتها، والتصدّي لكل الاشكال المتاحة لانتصاب المناولة في المؤسسات العمومية. العمل على ضمان التوازن بين الزيادات في الأجور والزيادات في الاسعار والتعديل الآلي للاجور في صورة تسجيل نسب تضخّم تفوق الزيادات المتفاوض في شأنها. الحرص على تخليص الخدمات المسداة من قبل الصندوق الوطني للتأمين على المرض مما تردّت فيه من سلبيات ما فتئت تحدّ عند التطبيق من المنافع المرجوّة رغم ما شهدته الأجور من خصم لفائداته. تأمينا للأمن الغذائي الوطني والدّور الذي بعثت من أجله الضيعات الفلاحية الدولية، وبالنظر الى واقعها الحالي ومعاناة عمّالها من الاستغلال والفارق الهامّ بينهم وبين عمّال القطاع الصناعي من حيث الأجر ومدّة العمل، دعا المشاركون الى إتخاذ الاجراءات الكفيلة بالضغط على الاطراف المتدخّلة (إتحاد الفلاحين، وزارة الفلاحة والدواوين) إلى التفاوض حول واقع شركات الاستثمار الفلاحية وواقع العلاقات الشغلية فيها. الدعوة الى التشريك الفعلي للقواعد في الاعداد للمفاوضات وردم الهوّة التي لا تزال قائمة بينها وبين المفاوضين تأمينا للاعلام والمتابعة المستمرّة لسير التفاوض وضمانا للتعبئة في صورة تعثرها وتدعيما للانتساب للاتحاد لقاء المكاسب المتأتيّة. مراجعة المنح الخصوصية وبالخصوص منحة الصّابة المقدرة ب 10٪ التي لم يقع مراجعتها منذ 1957 وتعميم هذه المنحة على كل الانتاج. مراجعة المنح العائلية مراجعة قاعدة احتساب الاداء على القيمة المضافة. مراجعة الاجر الادنى الصناعي والفلاحي بما يضمن المقدرة الشرائية. التزام الوفود التفاوضية بالرّجوع للقواعد فيما يخصّ نتائج التفاوض والى سلطات قرارها قبل امضاء اتفاق في الغرض. العمل على مزيد إحكام التنسيق بين المفاوضين والقسم المركزي وفيما بين مختلف الوفود التفاوضية وإحكام التضامن بينها عبر مجمع المنشآت العمومية ولجنة دعم التفاوض في القطاع العمومي. التصدّي لكلّ الاجراءات التي تستهدف فكّ التعبئة أثناء التفاوض كالتسبقة على التفاوض في الأجور التي شكلت نموذجا في الصدد. العمل على جعل هذه المناسبات التقييمية تقليدا وسنّة يتمّ العمل بها إثر كل جولة تفاوضيّة. هذا وقد أدركت الندوة أهدافها بفضل حرص الاتحاد المحلي بطبرقة على تيسير ظروف انعقادها وبفضل حسن الاعداد وتوفير كلّ مستلزمات نجاحها وبفضل المستوى النوعي للنقاش ومساهمة الاخوة الكتاب العامين للجامعات والاتحادات الجهوية في إثرائها.