كم أبهجنا الصدى الطيّب الذي لقيه ملفّنا الفارط حول التجربة السّجنيّة لدى أصدقائنا وقرّائنا، وقد أردناه مساهمة متواضعة في « ترميم» الذاكرة الوطنيّة عبر إنصاتنا للذين اكتووا بنار هذه التجربة، وها قد وُجدنا مدفوعين دفعا إلى تخصيص جزء ثان حول كتابة السجن التي هي بالأساس كتابة الحريّة. ومن المبهج أيضا أن يتزامن صدور هذا الجزء الثاني من الملف مع صدور كتاب الصديق محمد صالح فليس معزّزا المكتبة التونسيّة بعد كتاب جلبار النقاش، وفتحي بلحاج يحيى، في انتظار صدور مجموعة عمّار منصور الشعريّة التي كتبت على لفافات السجائر. (من آخر السجن طارت كف أشعاري. يقول محمود درويش) وكذلك كتاب أحمد بن عثمان حول نفس التجربة، كما أنّ صديقنا محمد معالي بدأ يتحفّز لنشر مذكراته بعد الحفاوة التي استقبلت بها شهادته المنشورة في العدد الفارط. ونؤكد بمناسبة هذا الجزء الثاني من الملف مدى حاجتنا إلى مثل هذه الكتابات الشّاهدة على فترة هي من أخصب الفترات في تاريخ تونس المستقلّة. وكم كان بودّنا أن ننصت أيضا إلى بعض الجلاّدين أو نكتفي على الأقل بنشر بعض ما جاء في رائعة فاضل الجعايبي / جليلة بكّار »خمسون« إلاّ أنّ موانع قانونيّة حالت دون ذلك. وليسمح لنا الصديق فتحي بلحاج يحيى أن نقتبس جملته الرشيقة »إن غرّدنا ولم نُبلّغ فلنا نشوة التّغريد«.