مثّل السيد عادل كعنيش الطلبة أصحاب الميولات القومية داخل مؤتمر قربة 1971 وأُنتخب عضوًا في الهيئة الإدارية للإتحاد. ورغم عدم إنتمائه للطلبة الدساترة، فقد شارك في أعمال المؤتمر الذي لا يعتبر أنّه تعرّض إلى انقلاب. ❊ السيد عادل كعنيش، شاركتم في مؤتمر قربة 1971 ووقع انتخابكم عضوًا للهيئة الإدارية رغم رفض الأغلبية لنتائج المؤتمر فكيف تقيّمون تجربتكم؟ وهل من إيضاحات حول تلك الفترة؟ أوّلا لم تكن المجموعة التي رفضت نتائج المؤتمر أغلبية وانّما مجموعة من الدستوريين الغاضبين مسنودين باليسار. ثانيا انّ قراءة ما حصل في مؤتمر قربة 71 يستوجب العودة إلى الظروف السياسية العامة التي سبقته وأحاطت به. ففي سنة 1969 تمّ إلغاء تجربة التعاضد بصفة نهائية وحُوكم أحمد بن صالح صحبة مجموعة من رفاقه وهو ما أثر على الأوضاع داخل الحزب الإشتراكي الدستوري الذي انقسم داخليا وظهرت صلبه عديد القوى المتنافرة ممّا أثر على الطلبة الدستوريين. ومن ناحية أخرى، فإنّ انتقاد رئيس الإتحاد السيد عيسى البكوش الذي فاز في مؤتمر المهدية في أوت 1969 بعض رموز الحزب وانعكاس الخلافات داخل الحزب أدّى إلى الضغط عليه فقدّم استقالته وعوضه محمد الصغير داود. وقام الإتحاد بتنظيم الإنتخابات القاعدية لمؤتمر قربة 1971 في كنف النزاهة والديمقراطية. ثمّ إنّ الخلاف الحاصل في الحزب سيلقي بظلاله على الطلبة الدستوريين الذين دخلوا المؤتمر برؤى مختلفة خاصّة في مسألة علاقة الإتحاد بالحزب إذ رأى شقّ أوّل ضرورة استقلاليّة الإتحاد عن الحزب حتى يعبر بكل عمق عن ضمير الطلبة في حين أنّ الشق الثاني كان يعتبر أنّ الإتحاد هو من القوى الحيّة في البلاد التي تعمل بتنسيق مع الحزب بإعتباره ضمير الأمّة. هذا الإختلاف أدّى إلى تعميق الهوة بين أجنحة الإتحاد فهناك الجناح الذي بقي وفيا في علاقته مع إدارة الحزب والجناح الثاني الليبيرالي الذي كان يدعو إلى مزيد من الديمقراطية فالتقى في ذلك مع الاشتراكيين الغاضبين ليكونوا كتلة غاضبة دخلت في علاقة صدام مع الشق الأوّل وانسحبت من المؤتمر لمّا تأكدت أنّها لن تكوّن الأغلبيّة. وسط هذه الخلافات كانت المعارضة غير معنية بالأمانة العامة أو الرئاسة لأنّها تعتبر أنّ الخلاف الداخلي للحزب لا يعنيها كما أنّ أهدافها كانت محصورة في الحصول على بعض المقاعد داخل الهيئة الإدارية وتمرير مقترحاتها في اللوائح خاصة السياسية والإجتماعية. كما عرفت هي نفسها انقساما بين اليساريين وأصحاب الميولات القومية. وجذور هذا الإنقسام تعود إلى الخلاف الحاصل حول تقييم الوضع في السودان بعد تدخل الرئيسين القذافي والسادات لصالح الرئيس جعفر النميري وإعادته للحكم بعد أن انقلب عليه أبوبكر عوض اللّه الذي أعدم تبا لذلك. وبما أنه كان شيوعيا فقد حرص الشيوعيون في تونس على أن يصدر الإتحاد لائحة للتنديد بممارسات القذافي وأنور السادات وكان هذا سبب الخلاف بين الشيوعيين وأصحاب الميولات القومية داخل المؤتمر وإلتحق أصحاب الميولات القومية مع الدستوريين للتصدّي لهذه اللائحة ممّا عزّز من عدد المؤتمرين المساندين لقائمة الهيئة الإدارية الموالية لإدارة الحزب ووقع انتخاب السيد الحبيب الشغال رئيسا للإتحاد، خاصّة وأنّه كان يُحظى بتزكية الحزب. ❊ هل يعني هذا أنّ الأغلبية كانت للدساترة الموالين لإدارة الحزب؟ نعم والحقيقة أيضا أنّ الدستوريين بمختلف رؤاهم كانوا أغلبية في حين كانت المعارضة أقليّة وحتى مع خروج الدستوريين الغاضبين عن إرادة الحزب الحاكم وتحالفهم مع المعارضة فإنّهم لم يشكلوا أغلبية مطلقا وإنّما كانت الأغلبية للدستوريين دون أدنى شك ولكن البعض من الغاضبين قدّموا قراءات مغلوطة عن واقع المؤتمر. ❊ ماذا عن عريضة ال 105 التي أمضيت من قبل أغلبية رافضة لنتائج المؤتمر؟ هذه حكاية أخرى وقع التلاعب فيها بالحقائق فأنا نفسي أمضيت العريضة ثمّ ترشّحت للهيئة الإدارية ووقع انتخابي، فهل يعني ذلك أنّي أمضيت عريضة ترفض شرعية انتخابي؟ لا. لكن المسألة أن الأغلبية في المؤتمر أرادت أن تنهي أشغال المؤتمر نظرا لأنّ النقاشات المطولة جعلت أشغال المؤتمر تتواصل على مدى تسعة أيّام عوضا عن الأربعة أيّام المبرمجة ممّا أرهق المؤتمرين فصاغوا عريضة طالبوا فيها بإلغاء كلّ التنقيحات على لائحة السياسة العامة وقبول مشروع اللائحة المقدمة من طرف لجنة الإعداد في بداية المؤتمر ووضع حدّ لأشغال المؤتمر والإعلان عن اختتامه والشروع بصفة فورية في انتخاب الهيئة الإدارية وتمّت الموافقة على هذه اللائحة. وهنا احتجّ الدساترة الغاضبون على هذه الإجراءات، وبعد النقاشات توصلنا إلى حلّ وسط يقضي بصياغة لائحة أخرى تطالب باستكمال أشغال المؤتمر وأمضى عدد منّا هذه اللائحة الاّ أنّ قاعة المؤتمر رفضتها فمررنا مباشرة للإنتخابات. وحضرت كلّ الإتجاهات هذه الإنتخابات كما ترشّح لها الجميع منذ البداية الاّ أنّ بعض العناصر من الشقّ الثاني كانوا يراقبون الإنتخابات فلمّا أدركوا أنّ أكثر المؤتمرين قد صوّتوا وبالتالي فإنّ النتائج لن تكون لصالحهم، قاطعوها وروجوا وقائع مغايرة للحقيقة محرضين بعض الطلبة على عدم الإعتراف بالهيئة الإدارية المنتخبة. ❊ كيف تفسّرون إذن حركة فيفري 1972؟ بعد إنتهاء أشغال المؤتمر وانتخاب هيئة إدارية متنوّعة ضمّت العديد من الليبراليين كمنير الباجي وفتحي الطرابلسي وعُمر بن محمود رغم عدم التوافق معهم وعدد من أصحاب الميولات القوميّة. وإزاء هذه الوضعية اختار عدد من الغاضبين وخاصة اليساريين تحريض الطلبة على عدم الإعتراف بنتائج المؤتمر ومع عدد من المسائل الأخرى ذات الطابع السياسي والخارجة عن الجامعة وهو ما أدّى إلى الفوضى وإلى تعطيل الدراسة بالكامل في المركب الجامعي واستدعى الأمر إغلاق الجامعة بكل مؤسساتها ولم تستأنف الدروس الاّ في أفريل 1972. ❊ ألا يعكس تجاوب الطلبة مع الشقّ الآخر عدم شرعيتكم خاصّة مع غيابكم عن الساحة؟ لا مطلقا، فلم نكن غائبين كما يدعي البعض حيث نجحت الهيئة الإدارية الجديدة في تحقيق عديد المطالب حيث أدّت جهودنا إلى دفع تعريب التعليم وأنشئ أول قسم عربي سنة 1972، كما عالجنا عديد الملفات النقابية للطلبة كالمنح والمبيت ونظام الخراطيش. إلاّ أنّه وللحقيقة فإنّنا لم نستطع فعل الكثير لسببين هامين: أوّلا لم تكن الإدارة لصفنا كما كان متوقعا بل عملت ضدّ مجرى الأحداث، حيث حطّت من المنحة الجامعية من 35 دينارا شهريا الى 25 دينارا، وهو ما أدّى إلى موجة من الغضب استعملت للهجوم على الهيئة الإدارية الاّ أنّنا أعدناها عن طريق التفاوض بعد جهد كبير. وأدّى عدم تقديم يد المساعدة من طرف الوزارة الى النيل من قدرتنا على خدمة مصلحة الطلبة خاصة مع حملة التشكيك التي مُورست ضدّنا. ثانيا: إنّ الإنقسامات داخل الحزب بين المجموعة التي كانت موالية للمرحوم الهادي نويرة والليبيراليين المتعاطفين مع السيد أحمد المستيري انعكست داخل المكتب التنفيذي الذي عرف انقسامات غير مسبوقة وهو ما أضعف من أدائه. ورغم كلّ ذلك، فإنّ الاتحاد واصل انفتاحه على الطلبة وسعى الى التوفيق بين جميع الأطراف الاّ أنّ محاولاته لم تنجح أمام تعنّت الدساترة الغاضبين وتعطيلهم بناء المنظمة عبر خلق الإشكالات وترويج الإدعاءات المغرضة. ❊ كيف تقيّمون الوضع الحالي للمنظمة؟ للأسف الشديد فقد تلاشت المنظمة الطلابية تماما. فبعد أحداث ما بعد مؤتمر قربة وحملات التشويه والصراعات الطلابية، غابت المنظمة تماما وفشلت كلّ الجهود في إرجاعها إلى سالف عهدها عندما كانت مدرسة تزوّد البلاد بأفضل الطاقات والكفاءات. ❊ ماذا تقترحون لإعادة إحيائها؟ من الضروري إعادة النظر في قضيّة التمثيل الطلابي ويبدو أنّ إحياء هذه المنظمة العتيدة بنفس المؤسسات التي عرفتها في الخمسينات أصبح أمرا صعبا للغاية ويكون من الأنسب التفكير في تكوين إتحادات طلابية في مستوى كلّ جامعة، خاصة وأنّ عدد الطلاب التونسيين يناهز ال 400 ألف طالب. وربّما يمكن تجميع هذه الإتحادات الطلابية في مستوى كلّ جامعة في هيكل وطني يترأسه بالتناوب كلّ مرّة رئيس من الإتحادات الفرعية.