في البداية نودّ أن نشير إلى أنّ هذا الحوار هو أوّل تصريح يدلي به السيد الحبيب الشغال للصحافة منذ إنقضاء تلك الفترة. والحقيقة أنّ الحديث معه كان مطوّلا. فعلى مدى اللّقاءات الثلاثة التي جمعتنا به، أفادنا السيد الحبيب الشغال بمعطيات عن عديد الجوانب السياسية الخارجة عن نطاق الإتحاد والمرتبطة به كالإنقسام الحاصل داخل السلطة وخفايا لقاءات السيد أحمد المستيري بالطلبة سرّيا، فضلا عن تقييم الزعيم الحبيب عاشور لتلك الخلافات ورفضه مساندة المستيري بالإضافة إلى الدعم الكبير الذي قدّمه لإتحاد الطلبة ماديا وسياسيا. ولكنّنا اقتصرنا على الجوانب المتعلقة بالإتحاد العام لطلبة تونس كي نتقيّد بموضوع الملف واخترنا لذلك مقتطفات من الحديث الذي دار معه ومن أجوبته على الأسئلة التي قدّمناها له. ❊ السيد الحبيب الشغال، عشتم مؤتمر قربة 71 الذي رافقه جدل كبير حول شرعيته فهلا أفدتنا عن تلك الفترة؟ أعلم جيّدا ما يروج عن مؤتمر قربة 71 فالبعض يعتبرونه إنقلابا وما إلى ذلك ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما. فمؤتمر قربة 71 من أكثر المؤتمرات ديمقراطية في تاريخ الإتحاد. فقد جرت انتخابات نوّاب المؤتمر التي أشرف عليها المكتب التنفيذي برئاسة الأخ صغير داود. وكنت أشرف على العديد من هذه الانتخابات في الفروع بمختلف الكلّيات والمدارس بين أفريل وماي 1971، في جوّ ديمقراطي. ناهيك أنّ لجنة النيابات بالمؤتمر لم تتلق أي شكاية وهذا من القليل النادر في مؤتمرات الإتحاد بما في ذلك المؤتمرات التي لم تشهد حضور أي معارض. وكنّا في المكتب التنفيذي مطمئنين على نتائج هذه الإنتخابات التي أفرزت أغلبية دستورية ممّا جعلنا نقرّر عقد المؤتمر 18 بجزر قرقنة حتّى نطمئن على سير أشغاله وخاصة انتخاب الهيئة الإدارية بأقل ضغط ممكن من المسؤولين. لكنّنا فوجئنا، بعد أن أعددنا كلّ الوثائق تحت عنوان قرقنة، بقرار من وزير الشباب والرياضة، السيد الطاهر بلخوجة يقضي بتحويل مكان المؤتمر إلى مدينة قربة. ولفهم ما حصل داخل المؤتمر، يجب العودة إلى الوضع السياسي العام في البلاد ففي الفترة السابقة للمؤتمر شهدت البلاد عدّة أحداث سياسية أبرزها سجن الوزير أحمد بن صالح وإنهاء تجربة التعاضد في 1969 وهو ما أثر على الحزب الإشتراكي الدستوري الذي انقسم داخليا فانعكس ذلك الإنقسام على طلبته. كما شهدت الجامعة عديد التحركات ضدّ زيارة وزير الخارجية الأمريكية »روجرس« وضد عديد الإجراءات. وخلقت هذه التحركات جوّا من التشنّج بين الإتحاد والحزب، وصل حدّ التراشق بالتهم بين رئيس الإتحاد عيسى البكوش ومدير الحزب محمد بن عمارة على أعمدة الصحف. هذا الخلاف أنتج ضغطا ضدّ عيسى البكوش ممّا أجبره على تقديم إستقالته قبل 6 أشهر من موعد المؤتمر. وكما قلت سابقا، دخلنا المؤتمر ونحن نملك الأغلبية دون أي قلق على النتائج. إلاّ أنّ الصراع بين الدساترة عاد من جديد داخل قاعة المؤتمر وهو ما دفع رئيس اتحاد الشباب السيد محمد بن أحمد إلى الإجتماع بكافة الدساترة والإتفاق على عدم تمثيل الطلبة الشيوعيين في الهيئة الإدارية مقابل تعزيز قائمة الدساترة ببعض القوميين. وهكذا دارت أشغال المؤتمر في كنف الديمقراطية وكان النقاش مفتوحا ولم تكن هناك مشاكل تذكر سوى بعض الخلافات حول اللوائح وهو أمر طبيعي. ❊ طيب، إذا كان الطلبة الدساترة أغلبية داخل مؤتمر قربة 1971، فكيف جمع الرافضون لنتائج المؤتمر 105 إمضاءا في العريضة التي ترفض إنهاء أشغال المؤتمر وتعتبر أنّه لم ينه أشغاله؟ ما لا يقوله الجميع هو أنّني صائغ تلك العريضة والمؤتمرون الذين أمضوها لم يكونوا رافضين لنتائج المؤتمر فهذا إدعاء غير صحيح والحقيقة هي أنّ أشغال المؤتمر تجاوزت المدّة الزمنية المحدّدة حيث كان من المقرّر أن تدوم أشغال المؤتمر 4 أيّام إلاّ أنّها تجاوزت 9 أيّام وهو ما خلق تململا وإرهاقا وسط المؤتمرين. وفي الجلسة الصباحية لليوم العاشر من المؤتمر (19 أوت) تقدّم بعض الطلبة بلائحة تدعو إلى إنهاء الأشغال وإلى إقرار اللائحة السياسية العامة كما أعدّتها لجنة الإعداد والحفاظ على قانون الإتحاد والشروع في الإنتخابات. وكان رئيس الجلسة المرحوم محمد صالح بالقاضي وصوّتت أغلبية الحاضرين لفائدة هذه اللائحة. واستاء البعض ممّن لم يشاركوا في هذه الجلسة لعدم إتمام لائحة السياسة العامة وكان من بينهم نوّاب اليسار ونوّاب ينتمون إلى تيّار المستيري وتيار أحمد بن صالح. وبحثا منّي عن حلّ وفاقي رأيت أن نتقدّم بعريضة أخرى نطالب فيها بإستكمال النقاش على أن يقع إمضاؤها من كافة النواب دون استثناء، وقد قمت شخصيا بصياغة العريضة التي أمضاها عدد محترم من النوّاب بمن في ذلك الدساترة والمستقلّون. ولكن 70٪ من النوّاب رفضوا امضاء العريضة وتواصلت الأشغال كما قرّرتها الجلسة الصباحية أي المرور إلى الانتخابات وترشّح 57 نائبا للهيئة الإدارية وأتحدّى أن ينكر أحد أنّ الإنتخابات جرت وأنا نفسي أنتخبت رئيسا للإتحاد أمام أعين كلّ الغاضبين وهم أقلية. وقد أنتخب الإخوة عبد الملك العريف ومحمد شكري ومحمد صالح بالقاضي في مكتب الإقتراع. المهم أنّ العريضة التي يذكرها البعض لا تتطابق مع النص الأصلي فعندما صغتها كنت أرمي إلى استئناف أشغال المؤتمر وبالتالي السماح بمزيد النقاشات تعميقا للممارسة الديمقراطية وليس لرفض نتائج المؤتمر. فهل من المعقول أن يدعو أعضاء الهيئة الإدارية المنتخبة في مؤتمر قربة إلى رفض النتائج أي الهيئة التي يمثّلونها. وألاحظ هنا أنّ السيد عبد الجليل التميمي لم يتفطّن في إحدى نشرياته إلى أنّ العريضة التي نشرها ماهي إلاّ نصّ تتبعه مجموعة أسماء وكان عليه أن ينشر الوثيقة الأصلية بإمضاءاتها إن وجدت. وأعتقد أنّ ناشر الدراسة حول مؤتمر قربة لا يملك النسخة الأصلية للعريضة ذلك أنّ نصّها يختلف على ما نشر كما تختلف الإمضاءات. ❊ لماذا غبتم كمكتب تنفيذي عن الأحداث التي شهدتها الجامعة في العودة الجامعية اللاحقة للمؤتمر وخاصة في حركة فيفري 72؟ فهل تمّ عزلكم؟ ليس صحيحا. لم نغب عن الساحة ففي نوفمبر 1971، أشرفت بمعيّة أعضاء المكتب التنفيذي على اجتماع عام بالمركب الجامعي وعرضت فيه نتائج مؤتمر قربة ولم يعترض أحد على نتائج هذا المؤتمر الاّ طالب واحد بالتلميح وليس بصفة مباشرة وهو الأخ خالد قزمير وكان من الدستوريين (تحمّل مسؤولية والي القيروان في فترة لاحقة) كما ذهبت إلى باريس حيث أشرفت على اجتماع عام حضره كلّ الأطراف ولم يعترض أحد على نتائج المؤتمر بل صارت الأمور على ما يرام. كما أنّنا أنجزنا الانتخابات القاعدية الجديدة وتمكّنا من تجديد كافة الهياكل عدى ثلاثة فروع في كلّية الآداب. وتمكنا أيضا من إعادة المنحة الجامعية إلى مستواها بعد قرار الحطّ من قيمتها إلى 25 دينارا شهريا وأذكر أنّ كلّ الطلبة تمتّعوا بالمنحة بإستثناء أبناء الأُسر المترفة طبعا، اضافة الى مشاكل السكن والنشاط النقابي وكانت سنة مليئة بالنشاط. ❊ ماذا عن حركة فيفري؟ ولماذا تحرّك الطلبة ضدّ نتائج المؤتمر أي ضدّكم؟ حركة فيفري 1972 هي أهم التحركات التي عرفتها الجامعة إلاّ أنّ أصل الحركة ليست نتائج المؤتمر إنّما جاءت نتيجة عدّة أحداث سياسية أخرى أهمّها محاكمة »سيمون للوش« المعارضة التي تنتسب إلى »حركة آفاق« اضافة إلى عدّة مشاكل أخرى، وبعد طردها من تونس حوّلت قيادة التحرّك المطالب إلى المطالبة بإنهاء أشغال المؤتمر 18. وقد حضرت شخصيا تحركات فيفري 72 وتدخلت، وكنّا نعتبر أنّ كلّ ما يحصل هو خلاف داخل الطلبة وإختلاف في الرؤى ولم نعتبر قيادة حركة فيفري خصوما بل على العكس فقد دعونا إلى إنجاز مؤتمر استثنائي وهنا يمكن الرجوع إلى الجرائد خاصة جريدة »الصباح« التي نشرت رؤيتنا في تلك الفترة. وتجدر الإشارة أنّنا لم نطبّق رأي الحزب فقد كان القادة ينتقدون الحركة ويعتبرونها مزايدات في حين لم ننتقدها مطلقا ولم نجرّمها وبعد ذلك قمنا بعديد الاجتماعات للوفاق وكنّا نريد إيجاد حلّ لأنّنا نريد لجميع الطلاب الإنتماء للإتحاد. ولكن الطرف الآخر قدّر عكس ذلك وأراد الذهاب بعيدا إلى ما لا تتحمّله منظمة طلابيّة في تونس. ❊ ماذا عن برنامج 73؟ قلت لك إنّ الحزب الاشتراكي الدستوري عرف قبل المؤتمر في قربة 1971 عديد الخلافات بين رفاق الوزير أحمد بن صالح وبين الموالين للسيد أحمد المستيري ولبورڤيبة كما عبّر أحمد المستيري عن مطالب جديدة تنادي بجرعة من الديمقراطية للبلاد في إطار رؤيته الليبرالية المعروفة. وشكل صحبة الموالين لبن صالح كتلة داخل الحزب ضدّ الهادي نويرة. ما حصل هو أن من أشرف على الطلبة الدساترة داخل مؤتمر قربة هما محمد بن عمارة الذي كان مديرا للحزب ومحمد بن أحمد وهما قريبان من أحمد المستيري. لذلك فقد اعتقد الهادي نويرة انّ المكتب التنفيذي موال للمستيري فجعل منّا خصوما، كما اعتقد المستيري أنّنا من الموالين للهادي نويرة فعاملنا على أساس نفس الإعتقاد. والحقيقة أنّنا لم نكن موالين لا لهذا ولا لذاك. ومن أجل موقفنا الرافض للزج بالإتحاد في مشاكل الحزب والدولة، تعرّضنا للكثير من المضايقات، خاصة بعد تولّي »مزالي« وزارة التربية القومية فقد كنّا في خلاف حادّ معه نظرا لتصريحاته المسيئة لقيادة الإتحاد حيث وصف مسؤولي الاتحاد بالإنتهازيين الذين يريدون خدمة مصالحهم فغيرنا موقفنا منه نتيجة ذلك. فأشغل الحركة الموجودة في الجامعة لدعم برنامج 1973 (الذي هو في الأصل عمل موازي للإتحاد) من أجل ضرب المكتب التنفيذي، وأعطى تعليمات مكتوبة بإجراء الإنتخابات تحت اشراف العمداء ولكن خارج أطر الإتحاد. وهكذا أصبح النوّاب المنتخبون في »الهياكل النقابية المؤقتة« معارضين، وأصبحت تلك الهياكل فضاءًا لهم. ❊ أشرتم في حديثكم إلى خلاف بين الإتحاد والسلطة فهل يعني هذا أنّكم كنتم تخوضون معركة الإستقلالية؟ عندما دخلنا الجامعة كنّا كباقي الزملاء نحمل الفكر الإشتراكي ونحلم بمستقبل زاهر لتونس والحقيقة أنّ الطلبة قريبون من الطبقات الشعبية ويميلون لنصرة الحق ويدافعون على الضعفاء ولم نكن راضين تماما عن أداء السلطة وبرامجها إلاّ أنّ الفرق بيننا وبين اليسار وبعض الأطراف الأخرى كالقوميين والبعثيين أنّنا قرّرنا أن ننتمي إلى الحزب الإشتراكي الدستوري وأن نمارس أفكارنا من الداخل، فقد كنّا نرفض فكرة معاداة النظام أو العمل ضدّه. لذلك ستجد أنّنا اختلفنا في عديد المواقف مع السلطة من ذلك مثلا الإضراب الذي نظمناه في كلية الحقوق والمظاهرات ضدّ زيارة »روجرس« (وزير الخارجية الأمريكي) كما نصّت لوائح المؤتمرات على موقف معاد للأمريكان ومساند للفيتنام وللمقاومة الشعبية. ودعونا إلى استقلالية الإتحاد في أكثر من مناسبة أهمّها ما حصل في بنزرت سنة 1965 حيث كنّا بصدد إنجاز مؤتمر الجامعة الوطنية للطلبة الدستوريين وقرّرنا حلّها لأنّنا رأينا أنّه من غير المعقول تواجد منظمتين الإتحاد العام لطلبة تونس والجامعة المذكورة وقلنا بضرورة توحيد الإطار. وعندما قرّر الديوان السياسي تعيين أعضاء الهيئة الإدارية دخلنا في إعتصام للمطالبة بعدم تدخل النظام في الإنتخابات وبعد النقاشات تمّ الإتفاق على اختيار الكاتب العام من طرف الديوان السياسي في حين يقع انتخاب باقي أعضاء الهيئة الإدارية وكان محمد بن أحمد هو آخر كاتب عام يعيّنه الحزب وترك بعد ذلك شأن الطلبة للطلبة. والحقيقة أنّ شعبة طلبة باريس كانت وراء هذه التوجهات التحرّرية. ❊ كيف قبلتم إذن البند الذي ينصّ على عمل الإتحاد بتعاون وثيق مع الحزب؟ ذلك البند جاء قبل جيلنا ولم نكن نحن من صاغه وعلى العموم كطلبة دساترة لم يكن يمثّل لنا مشكلاً باعتبار أنّ جلّ المنظمات كانت تعمل بتعاون مع الحزب كما أنّنا اعتبرناها مسألة شكلية لا تمسّ من استقلالية الإتحاد. ثمّ لابد من تنسيب الأمور ووضعها في إطارها التاريخي فتلك الفترة، عرفت نظام الحزب الواحد أي أنّ منع الديوان السياسي من التدخل في انتخاب الهيئة الإدارية يعدّ مكسبًا لا يُستهان به كما أنّ المنظمة لم تكن تطرح على نفسها معاداة النظام أو الدخول في صراع مباشر معه. ويمكن أن أؤكد أنّ الفترة التي قضيتها على رأس المنظمة لم تشهد تدخلا في تسيير شؤونها من السلطة، فقد رفض المكتب التنفيذي مثلا إصدار برقيّة تندّد بالمستيري بعد خلافه مع بورڤيبة وطرده من الحزب. ❊ إسمح لي أن أعود لأسألك عن موقفكم بعد حركة فيفري وأثناءها وكيف تعاملتم مع الواقع؟ بعد المؤتمر وإلى حدود شهر فيفري صارت الأمور بشكل عادي وواصل الإتحاد عمله. بعد ذلك وقعت بعض الأحداث السياسية في البلاد وتحوّلت إلى الجامعة كما ذكرت سابقا. المهم أنّنا اعتبرنا حركة فيفري جزءا من الحركية السياسية ومن المعروف أنّ مثل هذه الحركات ظرفية ولا تعني في مطالبها الاّ مجموعة صغيرة من الطلبة أو المجموعات السياسية التي تحركها. لذلك واصلنا نشاطنا. وكما قلت لم نندّد بالحركة كما فعل الحزب وباقي المنظمات بل قمنا بعديد المساعي لإعفاء بعض الناشطين من التجنيد. وفتحنا بعد ذلك باب الحوار معهم وكنت أرى أنّ الإتحاد مدرسة للديمقراطية ويحتمل التنوّع والإختلاف. لذلك سعيت لأن يضمّ كلّ الطاقات وأنا من دعا اليسار إلى النقاش في المقر وإيجاد حلول الاّ أنّنا لم نتمكّن من تحقيق نتائج وذلك لأنّنا لم نكن مدعومين من قبل السلطة ناهيك أنّ عديد الطلبة الدساترة المنتمين للإتحاد أطردوا بسبب نشاطهم النقابي. وأذكر منهم طلبة سيدي الظريف الذين أطردوا بحجّة ممارسة العمل النقابي في مدرسة مموّلة من طرف الأممالمتحدة. وهناك أمثلة عديدة تثبت أنّنا لم نكن نهادن النظام وأنّنا تعاملنا كطلبة وكنّا نرفض المصادمات في ما بيننا، فنحن مع الخلاف وهو ظاهرة صحية. أمّا ما قطع الحديث وإمكانية التوصّل إلى حلّ فهو تدخل محمد مزالي وزير التربية آنذاك، الذي ناصب الإتحاد العداء واستغل التشكيك في المكتب التنفيذي وأحداث فيفري ودعا إلى انتخاب النوّاب تحت إشراف الإدارة خارج الإتحاد وكنت قد قابلت بعض أعضاء اللجنة الجامعية المؤقتة منهم توفيق الشماري ولخضر لالة لإعلامهم بأنّه من غير المعقول خلق هيكل نقابي طلابي خارج الإتحاد في الوقت الذي تفتح فيه المنظمة بابها، والظاهر أنّ اليسار آنذاك كان يحمل برامج سياسية تتجاوز الجامعة. وربّما قدّروا أنّ الفرصة مواتية لإنشاء هيكل خاص بهم. وهكذا أصبحت الجامعة رهينة الصراعات السياسية وانقسمت إلى ثلاثة أجزاء أو فضاءات طلابية، الطلبة الدساترة في منظمتهم واليسار في الهياكل النقابية المؤقتة ونحن في الإتحاد وهو ما فتح الباب أمام ظهور الإسلاميين في ما بعد. وعندما انقطع أمل الإتحاد في الوحدة وتجاوز الأزمة، عقدنا عديد المؤتمرات وكنت قد تخرجت من الجامعة ولا أعرف الكثير من التفاصيل اللاحقة. ❊ كيف ترون الواقع داخل المنظمة وماذا تقترحون؟ للأسف تحوّل الإتحاد إلى منظمة للصراع السياسي مع السلطة تحت غطاء الإتحاد وهو ما مسّ من طبيعة الإتحاد المعني أولا وأخيرا بالدفاع عن مصالح الطلبة كما أثر في جماهيرية المنظمة ولم تعد شأنا عاما يهمّ كلّ الطلاب ولم يعد لها ذاك البريق والوزن الوطني كما كانت سابقا. ولتجاوز هذه الوضعية هناك عديد الحلول والحلّ الأقرب هو في انفتاح الإتحاد على كل الطلاب وإعادة هيكلة المنظمة لكي تستوعب مئات الآلاف من الطلاب كأحداث اتحادات بكلّ الجامعات مستقلّة في التسيير والإهتمام بشؤون الطلاب وتجتمع هذه الإتحادات في الإتحاد العام لطلبة تونس الذي ينظر في القضايا الكبرى والوطنية دون أن ينجرّ إلى صراعات مع النظام لأنّه ليس حزبا وان اختلف معه في بعض المسائل التي تهمّ الطلبة. ❊ ماذا عن طلبة الحزب الحاكم؟ إنّ عدم اشراكهم في الإتحاد يفقده ميزتين أولا يصبح الإتحاد غير جامع لكافة الطلاب عبر إقصاء جزء هام منهم، ثانيا يعلن موقفا مُعاديا للسلطة ممّا يجعله غير مؤهل لبناء شراكة فعلية معها. وهنا لابدّ من مراعاة خصوصيّة بلادنا فنظامنا السياسي قائم منذ عقود وله تاريخه ووزنه داخل المجتمع لذلك يصبح من العبث محاولة تحقيق المطالب النقابية خارج الإتفاق معه خاصة وأنّ المسؤولين في الدولة يقبلون بعقلية الشراكة ولنأخذ مثال اتحاد الشغل الذي نجح في تحقيق شراكة مع السلطة ممّا مكّنه من خدمة مصالح الشغالين. صحيح أنّ الإختلافات موجودة وهذا أمر طبيعي ولكن المهم هو أنّ إتحاد الشغل قادر على حلّ مشاكل العمّال لأنّه بنى شراكة مع السلطة. وهو ما يعكس أنّ المسؤول في تونس مستعد للتعاون طالما وجد أفكارا جيّدة وحُججًا مقنعة وبالنسبة للطلبة الدساترة لا أرى ضرورة في الحديث معهم أو نقاش دخولهم إلى المنظمة وإنّما أرى أنّ على المسؤولين في الإتحاد الآن فتح الباب للجميع وهو واجبهم دون طرح المسألة بشكل سياسي فإنّ قرّروا الدخول يمكن ساعتها ايجاد أرضية واسعة للتفاهم حول مشروع لهيكلة الإتحاد ومشروع ميثاق وقانون داخلي يقع قبوله في مؤتمر بمشاركة الجميع، المهم الآن أن على الإتحاد الانفتاح على الطلبة والعودة إلى طابعه الأصلي وهو الدفاع عن مصالح الطلاب أساسا. ولا يمنعه ذلك من إبداء رأيه في جميع المسائل الوطنية لكن دون ن يتحوّل هذا الرأي إلى برنامج سياسي كما هو الحال بالنسبة للأحزاب.