عاش السيد هشام الحاجي حياته الطالبية في الثمانينات وأنتمى للفكر اليساري، ساهم في إنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة. واصل بعد تخرّجه الإنخراط في الحياة السياسية في ظلّ حزب سياسي وهو الآن عضو مجلس نوّاب. السيد هشام الحاجي انتميتم إلى الجامعة التونسية في الثمانينات حيث شهدت عدّة أحداث فكيف ترون تلك المرحلة؟ إلتحقت بالجامعة مع مطلع الثمانينات عندما كانت تمثّل بؤرة من بؤر الحراك السياسي والمجتمعي الذي يتساءل حول مستقبل تونس بإعتبار أنّ بداية الثمانيات شهدت إنهيار تدريجي لمؤسسات الدولة مع ما يرافق ذلك من تشدّد قبضة القمع وتنامي إديولوجيا الإنعتاق مقابل ذلك. وقد شهدت تلك الفترة حضورا هامّا لليسار لمختلف، تشكيلاته وألوانه وكانت أغلب هذه التشكيلات وراء دفع الهياكل النقابية المؤقتة مطالبة في الوقت ذاته بإنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة وفي المقابل كان هناك تيّار إسلامي يحاول أن ينسف تاريخ الحركة الطلابية وما راكمه الإتحاد العام لطلبة تونس. سواء في معركة دحر الإستعمار المباشر أو في بناء الدولة الوطنية وفي المعركة الديمقراطية. ودعا هذا التيّار إلى تأسيس اتحاد مُوازٍ. فطبع الصراع بين الرؤتين تلك المرحلة. ترجم عبر توسّع الفكر الإشتراكي وتجميع الطلاب حول مطلب إنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة ليس من زاوية إستعادة هيكل وقع السطو عليه وإنّما من وجهة نظر أنّ إنجاز المؤتمر يعدّ إنتصارا لقيم الحداثة والديمقراطية والعقلنة. ❊ عشتم إنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة فماهي ظروف انجازه؟ وكيف تقيّمون تلك التجربة؟ هي تجربة إيجايبة كان لي شرف المساهمة بتواضع ضمن اللجنة التي دفعت نحو إعداد المؤتمر 18 خارق للعادة وهي تجربة ناجحة جدّا استعدنا من خلالها الإتحاد العام لطلبة تونس وأستطعنا أن نتجاوز 16 سنة من العطالة والتجاذب بين القوى الطلابية والسلطة السياسية. أمّا عن العوامل التي ساهمت في إنجاز المؤتمر فأعتقد أنّها حالة التوافق السياسي بين السلطة السياسية وبين مكوّنات الحركة الطلابية لأنّه يجب أن لا ننسى أنّه لولا قبول السلطة السياسية بفكرة عودة الإتحاد العام لطلبة تونس كنّا قد إضطررنا إلى الإنتظار لعدّة سنوات أخرى. وأنا لاأستطيع أن أستحضر تلك التجربة إلاّ بكثير من التأثّر فبعد سنوات من إنجازها يدرك المرء أهميّة المساهمة في إنجاز مهمّة تمثّل طموحات أجيال ولها دلالة معنوية كبيرة جدّا بقدر ما أشعر بالأسف لواقع المنظمة الطلابية الحالي بقدر ما أشعر بأنّ ما حركنا في تلك الفترة يمكن أن يحرّك الجيل الحالي من الشباب من أجل القيام بحركة مدروسة تخرج الإتحاد من حالة العطالة. وهنا أشير إلى أنّي لا أريد التدخل كثيرا في هذه المرحلة لأنّ لها خصوصياتها ولأنّي أحترم الطلبة المعنيين قبل غيرهم بمنظمتهم. ❊ ومع ذلك كيف تقيّمون الواقع الحالي للإتحاد؟ الواقع الآن مؤسف وهو مرتبط بتداخل عديد العوامل والمعطيات، بعضها مرتبط بأداء المنظمة وهياكلها وبعضها يرتبط بإنعدام الحوار مع السلطة السياسية وسلطة الإشراف التي أرى أنّها تتحمّل المسؤولية على ما يحصل في الإتحاد لأنّني أعتقد أنّه بقدر ما يقوم الشباب بأخطاء فعلينا ككهول رحابة الصدر اللازمة لنستمع إليه ولنصحّح أخطاءه ولنساهم في إصلاح ما يمكن إصلاحه وفي تمكين الإتحاد العام لطلبة تونس في أن يضطلع بالحدّ الأدنى من دوره المطلبي وهو دور مهمّ إلى جانب مهام أخرى على غاية من الأهمية. فالجامعة مستقبل المجتمع ومرآته، داخلها تتكوّن النخب وكما تتكوّن هذه النخب اليوم كما ستتولّى في ما بعد توجيه الأمور. ❊ ماهي الحلول والإقتراحات للخروج من حالة العطالة؟ لابدّ من حوار واسع يشمل أمرين. أوّلا تقييم الثقافة الشبابية وإعادة تشكيل ثقافة أخرى لأنّ المفاهيم التي ارتكزت عليها حركة فيفري 1972 لم تعد تتطابق كثيرا مع واقع المجتمعات اليوم. وأنا لا أتحدّث هنا عن موت الإيديولوجيات لأنّي أؤمن بأنّ هذه المقولة مخادعة ولكن لنقل اليوم أنّ الإيديولوجيات أصبحت أنساقا منغلقة ومنحت المجال للأفكار لذلك لابدّ أن نفكّر مليا في المحتوى الفكري للثقافة الشبابية بشكل عام وفي أفق يساري جديد، يعني الجامعة جزء من المجتمع والحركة الطلابية لا يمكن لها أن تتطوّر إلاّ بالحوار مع مكونات المجتمع وبرفض القطيعة. كما أرى ضرورة الحوار بين الشباب الطلابي بمختلف فصائله المتمسّكة بالإتحاد (وهنا يكون الحديث حول الشباب اليساري) دون إقصاء لبحث الحلول وإنجاز مؤتمر يوحّد الطاقات حتى لا يكون الإتحاد مرتهنا بيد مجموعة دون غيرها. وإذا لم يمثّل الإتحاد فضاء للتعايش الديمقراطي فإنّ النتيجة خارج الجامعة ستكون كارثيّة ونحن الآن نعيش هذه النتائج إذ يكفي الوقوف عند ضعف مساهمة اليسار التونسي في الحياة السياسية لندرك خطورة وضع اليد الأحادية على الإتحاد العام لطلبة تونس وخطورة تعطيل الحياة داخله مهما كانت الأطراف والجهات التي تريد ذلك سواء كانت هذه الأطراف قريبة من السلطة أو من السلطة أو من المعارضة. فتعطيل الحياة داخل المنظمة الطلابية تساوي نشر ثقافة الإستقالة من الشأن العام ثمّ الإستقالة من المستقبل وترك المجال لتيّارات سلفية وجهادية وغيرها. ❊ السيد هشام الحاجي شاركتم في مبادرة لبحث أزمة الإتحاد فما مصير هذه التجربة؟ للأسف فشلت هذه المبادرات لتداخل وتضافر جملة من المعطيات لأنّ تجاوز الإتحاد لأزمته رهين إيمان الجميع بضرورة الحوار سلطة ومعارضات كما لابدّ أن يستعيد الطلبة المبادرة فلسنا نحن ككهول أو كأحزاب سياسية المتواجدة داخل الجامعة أو خارجها هي من سيوجّه الطلبة. فدورنا يقتصر على توفير شروط الحوار بين الشباب ليجد لنفسه الحلول وأن نضع تجربتنا بسلبياتها قبل ايجابياتها أمام الشباب حتى يقيمها ويستفيد منها. أضف إلى ذلك أنّ هذه المبادرات ليس مطالبة بأي حال من الأحوال أن تجد الحلول في جزئياتها لأنّ هذا شكل من أشكال الوصاية وبصراحة فإنّنا قد غادرنا الحركة الطلابية منذ عقدين وقع خلالهما الكثير من المستجدّات التي نجهل تفاصيلها وبالتالي لن نستطيع أن نكون طرفا في إدارة الحلول في جزئياتها ولكنّنا نستطيع أن نوفّر الإطار العام للحلّ لأنّ الإتحاد العام لطلبة تونس جزء من تاريخ تونس ومن هويّتها لا يمكن أن نقبل بذوبانها كما أنّنا لا ندعي أنّنا قادرون على تقديم كلّ الحلول وهذه هي الخلفية التي تقودني دائما. والآن وبعد فشل هذه المبادرات أرى أن نترك الأمور للشباب لنرى كيف سيتصرّف ولنرى مدى إيمانه بهذه المنظمة وكيف سيفعلها خاصّة بعد التحوّلات العالمية وتطور المهام التي يطرحها شباب العالم على نفسه والشباب في تونس لابدّ أن يجد لنفسه مهاما تساير التطورات الفكرية الحاصلة في العالم. ❊ ماهو دور الأحزاب الوطنية المعترف بها في دفع الحوار بين السلطة والطلبة؟ دور الأحزاب أساسي ومهم فعلى هذه الأحزاب أن تدرك حساسيّة الملف الطلابي لأنّ الجامعة ستستوعب قريبا نصف مليون شاب وما يعنيه ذلك من اشكاليات، ومن واجب الأحزاب أن تهتم بملف التعليم العالي ككل وبالإتحاد كجزء منه وأن تساعد على إنضاج الحلول لفائدة الإتحاد وعلى تحسيس السلطة بأهمية الحوار وأن تتجاوز عقلية المحاصصة. لأنّ الغياب الموضوعي داخل الساحة الطلابية لبعض هذه الأحزاب يجعلها غير معنيّة وغير ذات مصلحة في ملف الإتحاد وهو رأي خاطئ لأنّ الإتحاد جزء هام من تونس الحديثة. وأرى هنا ضرورة أن تبادر كلّ الأحزاب بما في ذلك الحزب الحاكم لحلّ أزمة الإتحاد فمهما كانت التكتيكات فإنّ الأحزاب المدافعة عن الحداثة والعقلانية عليها أن تنظر للجامعة وللإتحاد العام لطلبة تونس نظرة استراتيجية.