مقدّمة: سعت بلدان الساحل الإفريقي منذ حصولها على استقلالها السياسي الى تحقيق التنمية غير أنّ تعدّد العراقيل جعل منها عملية صعبة. I ظروف بشرية غير مساعدة على تحقيق التنمية: 1 انفجار ديمغرافي كبير: مازالت منطقة الساحل الإفريقي في الطور الديمغرافي الانتقالي الأوّل المتميّز بتراجع سريع لنسب الوفيات بين 13٪ و22٪ وبارتفاع نسب الولادات بين 30٪ و48 ٪ نسبة نموّ طبيعي تفوق 2٪ بكلّ البلدان. تضاعف عدد سكّان المنطقة 4 مرّات منذ 1950 ليبلغ 68 مَ س 2005. يعود هذا الإنفجار إلى عدّة عوامل: الزواج المبكّر ارتفاع مؤشّر الخصوبة (7 أطفال لكلّ امرأة في النيجر...). 2 تبعات الانفجار الديمغرافي: أ تركيبة عمريّة شابّة تمثّل الفئة العمريّة دون 20 سنة أكثر من 50٪ من السّكان. توظيف استثمارات هامّة في المجال الإجتماعي على حساب الاستثمار الإقتصادي. ب تزايد الطلب على الأرض: استوجب التزايد على طلب الأرض التوسّع في استصلاح الأراضي الغابيّة والاراضي الفقيرة. أخّل هذا التوسّع بالتوازنات البيئيّة لمناطق عديدة وعرضها لخطر التصحّر. ج تفاقم ظاهرة الهجرة ❊ النزوح الريفي: أسهمت حركة النزوح في انفجار حضري تجسّمه نسب نمو حضري من أرفع ما يسجّل في بلدان العالم حاليّا. تسببت في أزمة حضرية من مظاهرها انتشار أحياء فقيرة حول المدن مثل حي »بيكين بداكار«. ❊ هجرة خارجية نشيطة: تتجه من بعض بلدان الساحل الإفريقي نحو بعض البلدان المجاورة: من النيجر نحو نيجيريا (بلد نفطي) ومن »بوركينا فاسو« إلى »الكوت دي فوار« (مليونان) (غراسات تجارية). من كامل بلدان الساحل الإفريقي باتجاه أوروبا الغربية: هجرة السينغاليين والماليين نحو فرنسا. تحوّلت بسبب التضييقات التي فرضتها بلدان الإتّحاد الأوروبي الى هجرة سريّة عبر الصحراء وبلدان المغرب العربي وأصبح المهاجرون عرضة إلى مخاطر عديدة تؤدي الى موتهم في كثير من الأحيان. II سياسات تنموية وطنية تدعمها المنظمات الدّولية: أصبحت كلّ بلدان الساحل الإفريقي منذ الثمانينات تعتمد النموذج التنموي اللبرالي في نطاق برامج الإصلاح الهيكلي. 1 محاولات تطوير الموارد: أ الموادر البشرية: ❊ بوضع برامج للحدّ من النمو السكاني السريع: التركيز على تحديد النّسل بتشجيع من المنظمات الأمميّة نتائج محدودة (عراقيل اجتماعية وثقافية...) ❊ بذل مجهودات من أجل تحسين الأوضاع الصحيّة: تخصيص نسب متزايدة من الميزانية للنفقات الصّحية تطوير البنية الصّحية الحدّ من انتشار الأوبئة وأمراض الأطفال ومكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا) صعوبات في التطبيق نتيجة نقص الموارد المالية. ❊ إصلاح النظم التعليمية: قصد تعميم التّعليم الحدّ من تفشي الأميّة. ب تطوير الموارد الطبيعية: من خلال: ❊ تطوير الموارد من الأرض الزراعية (تعقّد النّظام العقاري: الملكيّة القبلية الملكيّة الجماعية القرويّة) وذلك ب : تجميع الأراضي الزراعية وتكوين تعاونيات فلاحية خلال ال 60 وال 70 في بعض البلدان مثل »مالي وبوركينا فاسو« فشل هذه المحاولات نتيجة ضعف النتائج ومعارضة الريفيين. إنجاز عمليّات المسح والتسجيل العقاري نتائج محدودة بسبب الكلفة الماليّة لهذه العمليات ومعارضة القبائل. ❊ تنمية الموارد من المواد الأوليّة والطاقية: تشجيع الشركات عبر القطرية على الإستثمار في هذه الموارد. اكتشاف النفط واستغلاله في موريتانيا وتشاد. 2 دعم العمل المشترك بين دول الساحل الافريقي ومعاضدة المنظمات الدولية: أ دعم العمل المشترك: ❊ تسعى بلدان الساحل الإفريقي الى تنسيق جهودها التنموية وبرز ذلك من خلال: تكوين مؤسسات مشتركة كاللجنة الدولية المشتركة لمقاومة الجفاف الانخراط في تجمّعات ذات طابع إقليمي كتجمّع بلدان جنوب الصحراء عقد ندوات على مستوى القمّة ❊ تصطدم هذه المبادرات بصعوبات مادّية وسياسية تحول دون تطبيقها. ب معاضدة المنظمات الدوليّة: ❊ تعتبر منطقة الساحل الافريقي من أكثر مناطق العالم تدخّلا للمنظمات الدولية كمنظّمة الاغذية والزراعة والمنظمة العالميّة للصّحة.. ❊ تعاضد هذه المنظمات المجهود التنموي باشكال مختلفة مثل: حثّ البلدان الغنية على مزيد تقديم المساعدة الانمائيّة إطلاق المبادرات لصالح هذه البلدان مثل »مبادرة تخفيف سعر الأدوية الخاصة بمعالجة أمراض »السيدا«. تنظيم المؤتمرات الدولية: مثل مؤتمر الاممالمتحدة الثالث الخاص بأقل البلدان تقدّما ب »بروكسال« 2001. ❊ بيّنت التقييمات الاممية الخاصّة بتطبيق هذه البرامج أن ما تحقق من تحسن هو دون المأول. III ضغوطات الموقع ومحدودية الموارد الطبيعية: 1 موقع جغرافي متعدّد الضغوطات: تقع بلدان الساحل الافريقي في منطقة بعيدة عن المسالك التجارية العالمية الكبرى وتمثل الصحراء الكبرى حاجزا طبيعيا من ناحية الشمال يصعب عبوره. تعاني بلدان عديدة مثل »التشاد« و»النّيجر« و»مالي« و»بركينا فاسو« من الانحباس المجالي التّام (عدم الإنفتاح على البحر) الذي يُجبرها على استعمال الموانئ البحريّة للبلدان المجاورة الزيادة في تكاليف النقل. تتمتّع بعض البلدان مثل »موريتانيا« و»السينغال« و»غينيا بيساو« و»غامبيا« بواجهات برية توفّر لها ثروات سمكيّة هامة وشواطئ لتطوير السياحة (السينغال الرأس الاخضر). 2 بيئة يغلب عليها الجفاف وكوارث طبيعية متواترة: أ بيئة يغلب عليها الجفاف: ❊ تقع بلدان الساحل الافريقي بالمنطقة المداريّة: ارتفاع متواصل لدرجات الحرارة وانقسام السنة الى فصلين حسب كميات الامطار (فصل ممطر من جوان الى سبتمبر وفصل جاف على باقي السنة) ❊ تغطي منطقة الساحل الافريقية 3 مناطق مناخيّة: في الشمال: الصحراء أقل من 200مم / سنويا (الجزء الاكبر من »موريتانيا و»النيجر« و»مالي« و»التشاد«). في الوسط: السباسب بين 200 و400مم / سنويا في الجنوب: السفانا بين 800 و1200مم / سنويا ❊ تسود بلدان الساحل الافريقي الترب الفقيرة تمثل المناطق القاحلة والجافة وشبه الجافة 70٪ من المساحة الجمليّة. ب تواتر الكوارث الطبيعية: أزمات الجفاف: خمس أزمات جفاف منذ بداية القرن 20 آخرها جفاف 2005. تعدّد الفيضانات مثل فيضانات صائفة 2003 (»مالي« »موريتانيا« »النيجر«...) تكاثر الجراد الذي لا تقلّ أثاره المدمّرة عن الجفاف والفيضانات. تتسبب الكوارث الطبيعية في إتلاف المحاصيل الزراعية وتدمير المنازل وهلاك آلاف من السكان والماشية، ازدياد حدّة الفقر. 3 موارد محدودة من الاراضي الزراعية لا تتجاوز نسبة الاراضي الصالحة للزراعة 30٪ من المساحة الجمليّة. تسعى هذه البلدان الى تطوير هذه الموارد باستصلاح الاراضي الغابية والسياسية. كما تعمل على توسيع المساحات السقويّة بإقامة عدد من السدود الكبرى. مكنت هذه الانجازات من تطوير زراعات تصديرية كالقطن والكاكوية.. 4 موارد منجميّة وطاقية محدودة أ الموارد المنجميّة أهمّها الحديد والفسفاط وبعض المعادن الثمينة النادرة. باستثناء الحديد تنتج هذه المواد بكميات متواضعة. ب الوضع الطاقي: ❊ تبدو الآفاق مشجعة بالنسبة »لموريتانيا« و»التشاد«. ❊ تشكو بقيّة الاقطار عجزا طاقيا هامّا ❊ يقوم استهلاك الطاقة أساسا على الطاقة التقليدية من خشب وفحم خشبي وفحم خشبي تصل الى 80٪ . ❊ يكتسي مشكل الطاقة بعدين: بعدا بيئيا بسبب تراجع مساحة الغابات وتعرّض مناطق عديدة لأخطار التصحّر بعدا ماليا نتيجة ارتفاع كلفة الواردات النفطية. تصطدم تنمية الموارد الانتاجيّة بضعف تجهيزات النقل والمواصلات. IV موارد ماليّة محدودة وظروف إقليمية ودولية غير ملائمة: 1 موارد مالية محدودة: من أهمّ المصادر الماليّة لهذه البلدان: الصادرات: خامات مواد صيد بحري... الهجرة الخارجية: خاصة من أوروبا: مثلا عائدات مالي قدّرت ب 180 مليون يورو 2004. النشاط السياحي: بالنسبة للسينغال والرأس الاخضر. 2 قدرة محدودة على جلب الاستثمار الاجنبي المباشر ❊ تعتبر منطقة الساحل الافريقي منطقة هامشيّة بالنسبة للاستثمارات الاجنبية المباشرة: 0.5٪ من المجموع العالمي 2003. ❊ يعود هذا الضعف الى أسباب عديدة: ضعف البنية التحتية سوء التصرف والتسيير الفساد المالي عدم الاستقرار السياسي. ❊ سعت بعض البلدان الى جلب الاستثمار الاجنبي المباشر باعتماد برامج لخوصصة القطاع العام جلب بعض الشركات الغربية للاستثمار في المناجم والطاقة والاتصالات والسياحة ممّا أدّى إلى تدعيم التبعية الاقتصادية تجاه الغرب. 3 مديونية عالية: ❊ لجأت بلدان الساحل الافريقي في السبعينات الى الاقتراض من الخارج فتفاقمت ديونها. ❊ تبقى مسألة المديونية قائمة رغم تخفيف ديون بعض هذه الدول من قبل البلدان الصناعية وهي (المديونية) تعيق بشدة تحسين الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية. ❊ استغلت المؤسسات المالية العالمية تفاقم الدين الخارجي لهذه البلدان لتفرض عليها منذ الثمانينات تطبيق برامج اصلاح هيكلي أدت إلى تردّي الاوضاع الاجتماعية. 4 ظروف داخلية واقليمية صعبة ❊ شهدت بلدان الساحل الافريقي والبلدان المجاورة لها أزمات سياسية عديدة كثيرا ما تحوّلت الى نزاعات مسلحة وحروب أهلية كالحرب الاهلية ب »تشاد« في الثمانينات. ❊ انعكست هذه سلبا على المجهود التنموي: تردي الظروف الصحيّة والتعليمية. 5 تدهور طرفي التبادل التجاري ❊ بقيت أسعار المواد الأولية التي تصدّرها هذه البلدان منخفضة مقارنة بالزيادة الكبيرة لاسعار المصنوعات المستوردة. ❊ كما أدت سياسة دعم البلدان الصناعية لصادراتها الفلاحية وخاصة الولاياتالمتحدةالامريكية والاتحاد الاوروبي الى التخفيض في أسعار المنتجات التي تصدّرها بلدان الساحل الافريقي كالقطن والقصب السكري وبالتالي حرمانها من مداخيل ماليّة هامّة. ❊ خاتمة: تظل الظروف الداخلية للبلدان الاقل تقدما بالساحل الافريقي رغم ما تبذله من جهود تدعمها المنظمات الدولية غير ملائمة لتمكنها من تحقيق النمو الاقتصادي الضامن لتحقيق التنمية المنشودة.