يعتبر عادة الإحتفال بذكرى الأحداث و المحطات التاريخية مناسبة ليس للوقوف عند وقائعها و مسبباتها و الدور الذي لعبته الشخصية التي يقام الإحتفال لجلها إنما أيضا للموعظة و إستخلاص العبر مقارنة الواقع و الوقائع المرتبطة بتلك المناسبة و الواقع المعاش ثم لا بد من الذهاب لما هو أبعد من ذلك ماذا حقق الأتباع على إمتداد محطات الإحفال بمثل تلك الذكريات و العلامات المميزة في تاريخ المنظمات و الجمعيات و حتي الجماعات عندما تكون تعمل داخل نظام معين متفق عليه بين الجميع و لعل من أهم محطات النضال الوطني و النقابي ببلادنا محطة أو أحداث 5 أوت التي قادها الإتحاد العام التونسي للشغل و كان بطلها بدون منازع أحد رواد الحركة النقابية و الوطنية بالبلاد الحبيب عاشور و ليس المجال هنا لإعادة سرد القصة من جديد لأنني سوف أتوقف عند باب في قطاع مهم ليس داخل الإتحاد العام التونسي للشغل بل على الساحة الوطنية و الثقل و الدور الإقتصادي و الإجتماعي الذي لعبه و مازال و هو قطاع الكهرباء و الغاز الذي إحتفل و مازال يحتفل سنويا مع كل الإطارات النقابية و العمال بهذه الذكرى التي تعتبر علامة وضأة في تاريخ الحركة النقابية و التحررية بالبلاد و بما أن هذه المحطات تتحول لفرص للتلاقي و التشاور في الشأن النقابي خاصة لما كان البطل عاشور حيا يرزق بيننا و لطالما إستغل النقابيون هذه المحطة للتزود من نصائحه و أفكاره و حتي ذكريات عاشور حيث كانت الجموع تتوافد من كل حدب و صوب و من أقاصي البلاد لملاقاته و مازال ذلك قائما لليوم بكل وفأ لذكراه و ترحما على روحه الطاهرة المناضلة من أجل العمال و البلاد و في إحدى هذه المحطات التي سوف لن تتوقف ما دام الإتحاد العام التونسي للشغل قائما و في صائفة سنة 1982 حيث كان العمل النقابي بقطاع الكهرباء و الغاز يشهد بعض التململ و يشعر النقابيون قبل العمال بعدم الرضا على نوعية الأداء النقابي الذي تتعاطاه الهياكل أو الإطارات الناشطة في تلك الفترة و عدم الإهتمام بعديد الملفات الحساسة ذات الإهتمام العمالي القاعدي حيث أنه في تلك الفترة و تزامنا مع وفرة الإنتدابات و دخول عديد الوجوه الشابة لحضيرة العمل المهني و النقابي أحدث بعض التململ في صفوف الشباب إذا ما علمنا بأنه في تلك الفترة كانت إزدواجية تحمل المسؤولية الحزبية و النقابية متاحة و تزامن أيضا أن الشباب الجدي رفض هذا التزاوج الغير مرحب به لأنه كان ينطوي على كثير إنعدام وضوح التصورات و التذبذب في إتخاذ القرارات الشيء الذي فسح المجال عريضا أمام الطرف الإداري ليسمح لنفسه بعديد التجاوزات و الخروقات القانونية التي أفقدت العمال عديد المكاسب الإجتماعية و المهنية و من جملة الشباب المتحمس نقابيا و إلى جانب عديد الوجوه البارزة قطاعيا في تلك الفترة و في مقدمة الجميع رمز النضال النقابي و شهيد الحركة النقابية للكهرباء و الغاز الشهيد محمد الزغب برزت ثلة نقابية تكون منها الفرع الجامعي للكهرباء و الغاز بقابس الذين لم يستكينوا للوضع الذي كان عليه القطاع حيث إستغلوا إحياء ذكرى 5 أوت لسنة 1982 و قرروا أن تكون مشاركتهم في تلك السنة نقطة تحول في المشهد النقابي بالقطاع و بالتنسيق مع الأخ الكاتب العام للإتحاد الجهوي في تلك الفترة تحول الأخ الكاتب العام للفرع الجامعي لجهة صفاقس و في فترة إستراحة الأخ الحبيب عاشور و بمعية الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بقابس طرح الأخ الكاتب العام للفرع الجامعي على الأخ الحبيب عاشور مساعدة الفرع الجامعي للكهرباء و الغاز لتنظيم يوم نقابي يقام بالجهة و يدعى له كل الكتاب العامون للنقابات الأساسية و الفروع الجامعية بالقطاع للتدارس و البحث في وضعيتهم النقابية و المهنية التي قدم له في خصوصها تقريرا مفصلا و قد بارك الأخ الحبيب عاشور هذه الفكرة و أيضا هذا التحرك الشبابي المتحمس الرافض لكل إزدواجية في تحل المسؤولية حتي لا تختلط الأمور على النقابيين و تذهب ريحهم بين هذا و ذاك و قد أوحي الأخ الحبيب عاشور للإخ الكاتب العام للإتحاد الجهوي بقابس على موافقته بأن يقدم كل الدعم لهذا الفرع الجامعي الشاب و حال ما عاد الأخ الكاتب العام للفرع الجامعي لقابس محملا بالأخبار السارة و كنا قبلها قد أعددنا نص الدعوة التي ستوجه للإخوة الإطارات النقابية لحضور هذا التجمع النقابي القطاعي الأول من نوعه على مستوى الفكرة و كذلك على مستوى التنفيذ و كانت إستعدادات المكتب التنفيذي للإتحاد الجهوي على نفس القدر من الجدية و الحماسة حيث سخر الأخ الكاتب العام كل الإمكانيات المادية و اللوجستية المتاحة لإنجاح هذا التجمع النقابي القطاعي و كذلك على قدر ما يعيشه النقابيون و العمال في تلك الفترة من فراغ نقابي جاءت الإستجابة للدعوة الموجهة لهم بدرجة غير متوقعة لا من الفرع الجامعي و لا من طرف الإتحاد الجهوي لكن إصرار الجميع على المضي قدما في هذا البرنامج و إنجاحه فرض نفسه و ذلل كل الصعاب و للتاريخ فان الأخ محمد الزغب لعب من موقعه و قربه من الأخ الحبيب عاشور دورا مهما في تذليل كل الصعوبات خاصة من ناحية الإقامة بالنزل لأن العدد كان كبيرا و كبيرا جدا و هنا و نحن نروي تاريخ حقبة مهمة لها بصماتها في تاريخ الحركة النقابية بالقطاع لا بد أن نعترف ببعض أخطائنا الفنية لقد جاء في رسالة الدعوة التي وجهناها للإخوة النقابيين أن هذه الندوة تقام بموافقة و دعم الأخ الحبيب عاشور و لعدة إعتبارات سياسية و تحالفات نقابية التي ميزت تلك الفترة إستغلت بعض الأطراف تلك الفقرة ضد الأخ الحبيب عاشور الذي بلغه الأمر و بكل رصانته المعهودة لما إعتذر له أعضاء الفرع الجامعي على ذلك الخطء الفني قال ?أمسحوها فيا أنا المهم الإجتماع نجح? و فعلا لقد كان الإجتماع أكثر من ناجح و الإخوة النقابيون الذين أعتقد أنهم كلهم مازالوا على قيد الحياة إلا النزر القليل رحمهم الله يشهدون بذلك و لقد أجمع لحضور على أن يطلق على هذا التجمع النقابي القطاعي تسمية ملتقى قابس الذي دام يومين كاملين تدارس خلالهما النقابيون و في مقدمتهم الأخ محمد الزغب و قد غاب عنه الأخ الكاتب العام للجامعة و بعض أعضائها الذين أحسوا بخطور الدفع الشبابي و الروح الإصلاحية التي ينادى بها و لا أريد هنا أن أتعرض لأسماء النقابيين الذين شاركوا في هذا الملتقى التاريخي و إني أفضل إرجاء ذلك لمواعيد أخرى تسمح بذكر الأسماء سواء في الخانات الإيجابية أو السلبية من تاريخ الحراك النقابي بالقطاع و لقد صدرت عن هذا الملتقى قرارات هامة جدا من أهمها عقد مجلس قطاعي الذي إنعقد بعد بضعة أشهر تم خلاله حل الجامعة العامة للكهرباء و الغاز ثم بعد أسابيع أخرى إنعقد المؤتمر العادي للجامعة حيث تم إنتخاب الأخ محمد الزغب كاتبا عاما لها لأول مرة في تاريخه النقابي و لقد أنجز حرا ما وعد حيث أن الأخ محمد الزغب وعد بإقامة هيئة إدارية قطاعية بمدينة قابس التي تمت فعلا و ترأسها الأخ الطيب البكوش بحضور الأخ الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بقابس الذي تحدثنا عنه آنفا هذه الهيئة الإدارية التاريخية التي تحول لأجلها المدير الإداري و القانوني للشركة مبعوثا من طرف الرئيس المدير العام في تلك الفترة لمحاولة إثناء النقابيين على قرارهم الدخول في إضراب لمدة ثلاثة أيام و قد قال الأخ محمد الزغب جوابا عن كلمة السيد المدير الإداري و القانوني في مأدبة الغداء بأن هذا الغداء هدية من السيد الرئيس المدير العام للشركة لأعضاء الهيئة الإدارية فأجابه الزغب ?بلغ تشكراتنا للسيد الرئيس المدير العام لكن قرار الهيئة الإدارية لا رجعة فيه و سوف ننفذ إضرابنا? لا أريد أن أطيل في هذا الموضوع أكثر من ذلك إنما هي مصافحة وفاء وتحية نقابية لبطل 5 أوت و إعترافا له بالجميل نيابة عن كل النقابيين و العمال بالقطاع و أعضاء الفرع الجامعي للكهرباء و الغاز بقابس في تلك الفترة و أردتها أيضا صفحة تاريخية يتعرف من خلالها الشباب العامل و النقابيون الشبان بالقطاع عن بعض مراحل محطات العمل النقابي بهذا القطاع الحساس و العظيم برجاله و مواقفهم و نضاليتهم المتواصلة و التي سوف لن تنقطع و سوف نتحدث إن سمحت الظروف بذلك في مناسبات أخرى عن عديد المحطات المضيئة في مسيرة القطاع و أعتذر ثانية لكل من يتذكر تلك الأيام النضالية الممتعة و لم أتعرض لذكر إسمه لأنني قمت بذلك عن قصد على أن أجتهد و يجتهد معي الجميع في البحث لكتابة بعض أسطر عن مسيرة العمل النقابي بالقطاع منذ نشأته و كل عام و الجميع بخير ?يتبع?.