ننقل اليوم مادة عن المرأة في بلاد »الطوارق« بحسب مجلة كانت تصدر في ثلاثينيات القرن الماضي، وهي جزء من الجزائر، حيث تتضمن المادة قصة غريبة عن نساء سافرات يحكمنّ رجال ملثمين.. والمرأة في هذه البلاد هي الآمر الناهي...!! وسنضم اليوم الى مجموعة المصادر التي نأخذ عنها مواد هذه الزاوية، مجلة عربية هذه المرة تصدر في مصر اسمها »كل شيء والدنيا« عن دار الهلال الشهيرة. وكانت منشورات دار الهلال لاصحابها أميل وشكري زيدان منتشرة بشكل واسع في سوريا، والحقيقة بأن هذه الدار قدمت منذ نهاية القرن التاسع عشر مجموعة كبيرة من الدوريات وكان عصرها الذهبي في العقود الأولى للقرن الماضي وحتى الخمسينيات منه. ونذكر باننا في باب صحف أيام زمان، نركز على نقل محتوى ما كان ينشر في الصحف والمجلات الرائجة في سوريا في تاريخها المعاصر، بغض النظر عن مكان اصدارها. ❊ المرأة الطارقيّة تحكم الرجال في بلاد رجالها ملثمون ونساؤها سافرات وعدت القارئ بحديث عن المرأة في بلاد الطوارق بعد الحديث عن عيشة الحريم في الجزائر. وبلاد الطوارق جزء من الجزائر، ولكنها وعرة المسالك متغلغلة في صميم الصحراء وسط جبال بركانية جرداء، ويقطن فيها أقوام عرفوا منذ القدم بالشجاعة والبطش. يدين الطوارق بالإسلام ويقولون أنهم عرب. ولكنهم يختلفون كثيرا في عاداتهم وتقاليدهم وطرق معيشتهم عن العرب المسلمين الجزائريين. ومما هو مشهور عن الإسلام أنّه لا يقسم النساء الى طبقات، فالجميع من الناحية الاجتماعية متساوون. ولكن الحالة على خلاف ذلك عند الطوارق، فإنهم ينقسمون إلى طبقة (ارستقراطية) لها الأمر والنهي، وطبقة أخرى نصيبها الكدّ والعمل، وقد حارب الطوارق الفرنسيين مدة طويلة عندما توغل الفرنسيون في الجزائر لاخضاعها، وكانت قبائل الطوارق تلقي الرعب في نفوس الجنود، ولكن الحالة هادئة الآن في تلك المنطقة الجزائرية حيث يحاول الفرنسيون أن يسترضوا ذلك الشعب الشجاع لكي يأمنوا شره وخطره. ❊ المرأة الطارقيّة قالت محدثتي المغربية الفاضلة بعد أن انتهت من حديثها عن المرأة الجزائرية: يجب أن نفرق بين المرأة المسلمة في بلاد الجزائر والمرأة المسلمة في بلاد الطوارق، فإن المرأة الطارقيّة هي التي تحكم الرجال، ولست مبالغة في هذا التعبير، فإن الطارقي يلقي بين يدي زوجته مقاليد أموره بلا استثناء، ويكتفي من ناحيته بالاحتفاظ بسلطته التامة فيما يتعلق بالحروب والغزوات. ❊ وكيف تحكم المرأة الرجل؟ اصغ الى النهاية تعلم ما أعني بكلمة »تحكم«، اعلم ان المرأة الطارقيّة قبل كل شيء تخرج سافرة، في حين ان الرجل هو الذي يتلثم، فالحجاب هناك للرجال وليس للنساء. ❊ ولماذا يتحجب الرجال؟ جرت بينهم هذه العادة من قديم الزمان في حروبهم وغزواتهم لكي يحموا وجوههم من الغبار ويمنعوا العدو من ان يتثبت من ملامحهم. ❊ وماهي مميزات المرأة عن الرجل؟ المرأة هي التي تختار زوجها عادة وليس الرجل هو الذي يختار! وللمرأة الحق في أن تطلب دون ان يعارض الرجل في ذلك. ولعل أغرب ما تتمتع به المرأة الطارقيّة من إمتيازات أن الأبناء يحملون أسماء أمهاتهم لا أسماء أبائهم، فيقال فلان إبن فلانة! وهم يعنون بذلك أن وثوق الأم من الأمومة أسهل من وثوق الأب من الأبوّة! ❊ ان الهيئة الاجتماعية إذن تختلف في بلاد الطوارق اختلافا تاما عمّاهي عليه في بقية أنحاء الجزائر. تماما، فالمرأة الطارقية هي كل شيء. هي صاحبة الدار وربّة البيت، تأمر وتنهي بما تريد، وتتزوج بمن تريد، وتطلق عندما تشاء، وتورث اسمها لابنائها وتستقبل من تريد من الرجال كما يستقبل الرجل عادة من يريد من النساء، ولها الحق في محاسبة زوجها على حركاته وسكناته... تطعمه وتلبسه ما تريد هي أن يأكل وأن يلبس، وتسفر عن وجهها بينما هو يحتجب بالقناع التقليدي للطوارق. تعقد المجالس وتدعوه إليها إذا شاءت، فالمجالس للنساء لا للرجال، والشؤون العامة تتباحث فيها النساء، وليس للرجال غير الرأي الاستشاري فقط ولكن عليهم ان يذهبوا إلى الحرب والغزو عند إعلان النفير العام، وكثيرا ما تكون المرأة هي التي تقرر الحرب والغزو. ❊ حقوق الرجل ❊ ولكن أليس للرجل أي حقّ من الحقوق؟ له الحق في أن يمتنع عن الزواج إذا ما وقع عليه اختيار امرأة لا تعجبه. ❊ هذا أقل ما يمكن أن يتمتع به رجل من حقوق! طبعا، وهناك شيء آخر وهو أن المرأة التي تنتمي الى الطبقة الرفيعة كثيرا ما تتزوج رجلا من الطبقة الوضيعة، على شرط أن يكون الرجل متصفا بصفات الرجولة والشجاعة وإلاقدام، وهذه الحرية المطلقة التي تتمتع بها المرأة تجعل عددا لا بأس به من رجال الطوارق يعرضون عن الزواج، ويكتفون بمعاشرة الأمة. ❊ إذن فالمرأة الارستقراطية هي وحدها التي تتمتع بهذه الحقوق والامتيازات؟ كلا، ولكن حقوق وامتيازات المرأة الوضيعة، أو »بنت الشعب« إذا شئت لها بعض الحدود. ❊ اختيار الزوج ❊ وكيف تختار المرأة زوجها عادة؟ تقام عندهم حفلات تدعى حفلات طرب أو حفلات قريض، ويدعى الى هذا الحفلات عدد كبير من الشبان والرجال والفتيات والنساء، وتعزف الفتيات على الآلات الوترية، وتنشد الشاعرات قصائد حماسة أو غرامية، ويشاركهن الرجال في العزف والغناء والانشاد، ثم تدور محاورات بين الفريقين، فتلقى مثلا احدى الفتيات على طائفة من الشبان سؤالا كهذا: أية امرأة تفضل يا فلان؟ فيجيبها الشاب، والويل له إذا كان جوابه سخيفا، فإنّ الضحكات ترن في أرجاء المكان وترتفع أصوات السخرية، وأما اذا كان رده مفحما وعلى جانب من الذكاء، فإن الفتاة قد تنهض من مكانها وتذهب إليه وتضع يدها بيده دلالة على إنها تختاره زوجا لها، فتتصاعد الزغاريد ويذهب الشاب مع الفتاة الى بيت والديها حيث تتخذ المعدات اللازمة لعقد الزواج، ويتم ذلك على حسب القواعد الدينية المعروفة. والشعر عند الطوارق وقف على النساء، فإنّ بينهن كثيرات يقرضن الشعر وينظمن القصائد الحماسية التي يتناقلها الرجال وينشدونها في ساحات القتال، أو القصائد الغرامية والمواويل والطقاطيق التي تنشد في المجالس على أنغام الموسيقى. ❊ هل تستبد المرأة في استعمال سلطتها هذه؟ كلا. فالمرأة الطارقية ذكية عاقلة، تبحث دوما عن الحكمة، قليلة الغضب، متسامحة، صبورة ومحبة لأبنائها ولزوجها. وأؤكد لك أن الأسرة في بلاد الطوارق أكثر تماسك وأسعد بكثير من الأسر في الأقطار العربية أو الغربية.