ليلة ليست ككلّ الليالي أحياها الفضاء المكابر «نيابوليس» بمدينة نابل الخزف والزّهر والفنّ. المركز الثقافي «نيابوليس» وفيّ لأحبابه الفنّانين ولا ينساهم أحياء وراحلين. أذكر الإحتفاء بصدور رواية «أمجد عبد الدايم يركب البحر شمالا» منذ أربع سنوات مضت كرمشة عين. وأذكر أمسيات الشّعر التي استضافت «أولاد أحمد» و«عبد الله مالك ال*اسمي» و«المنصف الوهايبي» وسواهم. وكان الشاعر «محجوب العيّاري» يملأ الدّنيا صخبا. شاعر شهد الأستاذ سهيل المغيربي أحد أصدقائه أنّه «كتب أجمل أيّام نابل الثقافيّة. في شعره غنائيّة لا تُضاهي. طرافة كان في الحياة والممات. ثمّ من قال أنّه مات؟...». راوحت السّهرة التي نشطها مدير المركز السيد الطاهر العجرودي بين أجراس الموسيقي المهدي سعيد على آلة ال*يتارة في معزوفات أصيلة أطربت الضيوف وحوّمت بقلوبهم نحو السّماء السّابعة، وبين الشّعر العربيّ الأصيل الذي جادت به قريحة الشاعرة القيروانيّة جميلة الماجري والشاعر صلاح داود. الشّاعرة جميلة الماجري أقرّت أنّ محجوب العياري شاعر من كبار الشعراء العرب لم يخدمه الاعلام. أنشدت قصائد قصيرة: (تحيّة لتونس، ماذا أقول، أحكام، اللّغة وذاكرة) كما أردفتها بقصائد أخرى (سلام، اعتذار للطير الضامئ، نبوءة أروى القيروانيّة، لسيّدتي اعتذار القصيدة) وغنّت (موت المغنّي) إلى روح محجوب الطّفل الشّاعر. وتلاها الشّاعر صلاح داود بقصيدة يلقيها لأوّل مرّة بتونس ويقول أنّه قرأها في المغرب من قبل وهي بعنوان «لِبلدِي». وكسرا للصّراط المستقيم قرأت الكاتبة ابتسام خليل تقديما لحوار أجراه الكاتب بلهوان الحمدي سنة 6002 ومقاطع منتقاة ودالة على طرافة السّائل والشّاعر محجوب العيّاري معا: س: لو مُنحت حقّ ترتيب حياتك من البداية حتّى الآن. كيف ترتّبها؟ ج: ما كنتُ يوما قدّيسا ولا نبيّا وأعرف أنّي لن أتحوّل إلى بحر ولا إلى شمس ولا إلى إلاه. غير أنّه لو كان بإمكاني أن أعيد صياغة الأشياء لمنحت الرّائعين حياة الخلد ولمنحتُني ألف عام قابلة للتجديد. س: هل أنت خائف من يوم قادم، من شيء قادم؟ ج: ما يخيفني حقّا أبناء الأفاعي خاصّة إذا لبسوا ثيابا ناعمة مستوردة. س: إذا حلّ الشقيّ بأرض قوم فما على القوم إلاّ الرّحيل ثُمْ أيّها الملاك الرّحيم ودّع هذا الشّقيّ؟ ج: سأموت؟! وهْمٌ، ما أشاع الميّتون وهل أخو وله يموتُ؟ وهل أخو ولهٍ يموتُ؟ ليلتها تذكّرتُ طرفة بن العبد ينوح: «أرى الموت يصطاف الكرام ويصطفي» ثمّ انتبذتُ وأيّاها مكانا قصيّا نرقب قمرا يلثم اليمّ الشّفيف تناثرتُ حزنا ليلتها فغنّيت «موّال» أنشأه الشآعر السّاحر محجوب العيّاري وتمنّيت لو كنت صانعه: مُذ غاب في البحر، روحي أبحرت معهُ وأبحرَ البحرُ والميناءُ والشّجرُ مُذْ غاب، لم يبقَ غيرُ الدّمع يُؤنسني حتّى بكى لإحتراقي النّخل والقمرُ رِفْقَا حبيبي، وعُدْ إنّي بلا فَرحٍ مُنذُ ارتحلتَ على العتباتِ أنتظرُ