الفنان أسامة فرحات الكاتب العام لنقابة الموسيقيين التونسيين هو أحد أعلام الموسيقى، وإضافته معروفة وواضحة وقد لا يحتاج الى تقديم. إلتقيناه لسؤاله حول المعهد العالي للموسيقى والساحة الموسيقية وكان معه الحوار التالي: ❊ الفنان أسامة فرحات كيف تقيّمون آداء المعهد العالي للموسيقى؟ يقوم المعهد العالي للموسيقى منذ إحداثه سنة 1983 أي طيلة 27 سنة بإخراج عازفين ممتازين وموسيقيين جيدين فالساحة الموسيقية اليوم معززة بقرابة 50 عازفا ممتازا من خريجي المعهد. والملاحظ هو نقص بعض الإختصاصات كالبيانو وآلات النفخ ولكن عموما فإنّ إضافته للساحة الموسيقية واضحة حيث نلاحظ وجود عدد من المطربين المتميزين مثل نوال بن صالح وأسماء بن أحمد وسفيان الزايدي ودرّة الفوراتي وروضة بن عبد الله وآخرين كثر على غرار شهرزاد ورحاب الصغيّر. ولكن الغريب في الأمر أن المعهد لا يخرج العدد الكافي من الملحنين والشعراء والموزعين فالملحنين من خريجي المعهد هما رضا الشمك ونوفل المانع أما عدد الشعراء فهو صفر على حدّ علمي وبالنسبة للموزعين الجيدين فالعدد محدود أيضا ويقتصر على بعض الأسماء كسامي بن سعيد وخليجان، وهذا النقص يسبب خللا في أداء المعهد وإضافته للموسيقى في تونس. كما أنّ هناك تساؤل كبير حول غياب النقّاد الموسيقيين من خريجي المعهد وهو أمر أصبحت الساحة الموسيقية تعاني منه كثيرا، فالمفترض أن يخصص المعهد شعبة من شعبه للتكوين في النقد الموسيقي حيث لا يوجد أكفاء للنقد عدى الڤرفي أو عبد المجيد الساحلي في الجانب التأريخي للموسيقى أما البقية فهم أناس يحشرون أنفسهم في المجال الموسيقي بنوايا مختلفة وهو ما جعل الموسيقيين يعانون من إنطباعاتهم وعدم إختصاصهم في الموضوع. وأعتقد أنّ تخريج نقاد موسيقيين هي مهمة المعهد العالي للموسيقى ويمكن أن تكون مهمة مشتركة بينه وبين معهد الصحافة في تخصيص شعبة للنقد الموسيقي عبر التكوين المشترك وهي فكرة يمكن تعميمها على باقي الاختصاصات الفنيّة كالرسم والمسرح والسينما لانّ التطور الذي شهدته هذه المجالات ومنها الموسيقى جعلتها من التعقيد والتشعب بحيث إنتهى عهد الانطباعات والتعبيرات غير العلمية من قبيل جيد وممتع ومريع وأصبح المجال لا يحتمل غير أهل الاختصاص فكيف يمكن لاحدهم أن يكون ناقدا موسيقيا وهو لا يعرف الفرق بين مقام ومقام وإيقاع وإيقاع وتوزيع ونشاز وعازف جيّد وعازف سيّء. ❊ هل يمكن أن تبرر هذه النقائص في أداء المعهد ما يقوم به البعض من إعتماد الهواة في إنتاجاتهم الموسيقية؟ لا يمكن أن يبرر هذا النقص التجاوز الحاصل فالموضوعان منفصلان. فالجوهر في الموضوع هو تقنين المجال الموسيقي، فتنظيم المجال عبر قوانين قادر على تحويل الموسيقى الى صناعة منظمة ومحترفة ويصبح الانتاج غزيرا هذه الغزارة هي التي تكوّن العازف وتحسن من آدائه التقني وتصنف العازفين. ❊ السيد أسامة المعروف هو وجود قوانين منظمة، فماذا تقصدون بتقنين القطاع؟ نعم هناك قوانين ولكنها قوانين قديمة وغير محينة فقانون الاحتراف هو ذاته منذ 1969 وقانون الملكية لم يتغير منذ 1994 سوى سنة 2009 ولم يقع العمل بالتحيين الحاصل، وأتساءل هنا ماهو دور المسؤولين عن الثقافة؟ وماذا يفعلون إذا لم يطوروا المنظومة القانونية لتُجاري المتغيرات؟ والحقيقة أن الواقع يبعث على الاعتقاد أن الادارة الموسيقية غير مهتمة بتغيير الواقع الموسيقي وتغيير القوانين وتحيينها. ❊ ماهي مطالب النقابة وتصوراتها لتطوير الموسيقى؟ ببساطة نحن نطالب بإعتبار الموسيقى كميدان كباقي الميادين كالزراعة والفلاحة والكرة ويجب أن تقنن وأن يعتنى بها كما نطالب أن تأخذ النقابة دورها الصحيح وأن تعطى الصلاحيات القانونية اللازمة لتنظيم المهنة وأن لا يقتصر حضورها وتدخلها على ما يحدده المسؤول، فالجلسات التفاوضية التي نعقدها تتغير من مسؤول الى آخر فالبعض يقبلها والبعض الآخر يرفضها ولا يتفاعل معنا. كما نطالب بضرورة الاخذ برأي الموسيقيين والمحترفين في وضع تصور موسيقي لان الإدارة الموسيقية غير أمينة في إبلاغ المسؤولين مطالب الموسيقيين. وفي مستوى التكوين أرى أن المعهد العالي للموسيقى أصبح يهدف إلى إخراج أساتذة موسيقى بتكوين متواضع خاصة بعد تطبيق منظومة »إمد« وهو ما قد يمسّ من مستوى التكوين لأن معهد الموسيقى ليس كباقي المعاهد العليا ولا يجب التعامل معه بنفس الطريقة بل يستوجب نظاما تعليميا خاصا. لذلك طالبنا سابقا ونطالب حاليا بإنشاء »كونسرفاتوار« عالي (conservatoire supperieure) مثل البلدان الأوروبية يدخله العازف منذ الصغر عبر إمتحان جاد وصعب ويكوّن العازفين في دورة تدوم 13 أو 14 سنة وهو ما يتناقض مع الطابع الحالي للمعهد إثر تطبيق منظومة »إمد«. ❊ لماذا لا ينظم أسامة فرحات عروضا موسيقية داخل الجامعة؟ للأسف لا تمتلك الجامعة مشروعا موسيقيا وجل ما ينظم من حفلات وتظاهرات موسيقية يدخل في باب سد الفراغ والقرارات المسقطة وليس في إطار برنامج متكامل لذلك نغيب عن الجامعة ونحن لا نحب غيابنا لأنّ الجمهور الطلابي جمهور متعلم وذواق ومثقف ولدينا تجارب مع الجامعة خلال الحرب على غزة وهي تجارب جميلة ولا تتطلب إمكانيات مادية فالأمر يقتصر على وضع برنامج موسيقي متكامل في إطار مهرجان أو تظاهرة موسيقية وسأكون حاضرا. ❊ ماهو موقفكم من البرامج الموسيقية التلفزية مثل »ستار أكاديمي« وغيرها؟ هي تجارة تلعب بأحلامم الناس وتستغلهم بهدف الربح يشارك فيها من أغرته الشهرة والمال وهي مصيبة كبرى ستحل على الموسيقى في تونس في ظل غياب القوانين التي تنظم المهنة وقد يكون هذا سبب اختيار تونس لاحتضان هذه التجربة بعد لبنان. وحتى في الجانب الموسيقي فإن البرامج عبارة على هواة يقيّمون هواة وهو ما يجعلني أشبهها بوعد بلفور الذي أعطى مالا يملك لمن لا يستحق