المجلس الأعلى للدولة الليبي.. حكومة الدبيبة فقدت شرعيتها سياسيا وقانونيا    عاجل: جامعة النقل ترد على الوزارة وتُعبر عن رفضها لأي مبادرة خارج إطار حوار اجتماعي    وزير الخارجية يلتقي بعدد من أفراد الجالية التونسية في العراق    وزارة المالية .. لم تصدُر تشريعات جبائية تتعلق بالتونسيين بالخارج    إطلاق استشارة دولية    الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس يطالب .. إحالة الطبوبي على لجنة النظام وإيقافه عن النشاط    أكثر من 250 شهيدا في 48 ساعة...إبادة شاملة في غزّة    نهائي كأس تونس لكرة القدم يوم 1 جوان في ملعب رادس    الرابطة 2 (الجولة 25): شبيبة القيروان تواصل الصدارة في المجموعة الثانية، وصراع مشتعل على البقاء    أخبار النادي الصفاقسي... الفريق ينجح في رد الاعتبار والحاج حسن يغادر    صفاقس عرض "وشام" في افتتاح تظاهرة "جذور وأجنحة"    أي مستقبل للمؤثّرين؟    لماذا تستعر نار التشكيك في ثوابت الأمة العربية الآن وبكل حدة؟ حلقة 2    أخبار الحكومة    سيدي بوزيد: تتويج مدرسة السبالة بالجائزة الاولى في الملتقى الجهوي للمسرح    تدهور صحة الصحفية شذى الحاج مبارك في السجن .. نقابة الصحفيين تحمل وزارة العدل المسؤولية    سيدي علي بن عون: عروض متنوعة في اختتام شهر التراث بسيدي علي بن عون    فرنانة: سيارة أجرة تضع حدا لحياة شاب    أحوال طقس الليلة    الأسبوع القادم الإعلان عن السعر المرجعي للأضاحي بالميزان    الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة: حرمان الترجي من بيع التذاكر لثلاث مباريات    تونس تستعد لاحتضان المؤتمر العالمي للغرفة الفتية الدولية في نوفمبر 2025    الإعلان عن انطلاق أنشطة "منتدى رفراف للآداب والفنون" يوم السبت 17 ماي    "مغرب الفكر والإبداع": عنوان ندوة فكرية تقام بباريس يوم 20 ماي 2025    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تحجز كميات كبيرة من المواد الغذائية غير الآمنة في عدة ولايات    عاجل/ إسرائيل تهدّد باغتيال الزعيم الحوثي    الملتقى العربي للنص المعاصر من 23 إلى 25 ماي 2025    مدنين: نقل 19 تلميذا يدرسون في نفس القسم الى المستشفى بعد تدهور حالتهم نتيجة تناولهم لعصير غير معلّب    الاتفاق مبدئيا على اعتماد 21.900 سعر الكلغ من أضاحي العيد    الميزان التجاري الغذائي : تراجع الفائض ب54%موفى أفريل 2025    وزارة الداخلية السعودية تحدد نوع التأشيرة التي تخوّل حاملها أداء فريضة الحج    استعدادات استقبال موسم حج لعام 1446هجرية...تفاصيل    واشنطن تعلن بناء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي    جمعية مرضى الأبطن تطالب الدولة بالاعتراف بداء الأبطن كمرض مزمن    التوتر المزمن وتأثيره الخطير على المناعة: تحذيرات ونصائح    قرار قضائي بإيداع إبن محمد رمضان في دار رعاية اجتماعية    الاتحاد الإفريقي يسلّط هذه العقوبة على مسؤول في الترجي    موعد وقفة عرفات 2025...فضل الدعاء والأعمال المستحبة في هذا اليوم    سامسونج ترتقي بمستوى الذكاء في أجهزتها القابلة للارتداء: Google Gemini قريباً على Galaxy Watch و Galaxy Buds    ولادة الحفيد الحادي عشر لدونالد ترامب ذو أصول عريبة    زغوان: انطلاق أشغال ترميم قوس النصر الجنوبي    عاجل/ سيوزعون على أكثر من 21 مؤسسة عمومية: بشرى سارة لهؤولاء..    جريمة مروعة: شاب يقتل صاحب مقهى والسبب لا يصدق..!!    مواطنة تتبرع بعقار قيمته 980 ألف دينار لفائدة أطفال قرى "SOS"..    لحوم رومانية المورّدة لعيد الإضحى ''حلال''    عاجل/ منظمة الدفاع عن المستهلك تُحذّر من بيع أدوية خطيرة مجهولة المصدر عبر وسائل التواصل الاجتماعي..    ميسي ضمن قائمة الأرجنتين الأولية لمباراتين ضمن تصفيات كأس العالم في جوان    الدور ربع نهائي لكأس تونس لكرة القدم: ثلاثة صدامات قوية بين سداسي اعلى ترتيب البطولة ومواجهة متكافئة بين اتحاد بن قردان وقوافل قفصة    عاجل/ موجة جديدة من فيروس كورونا تضرب آسيا..    عاجل : ارتفاع قياسي في الحرارة بداية من هذا اليوم.. حضّروا رواحكم ''للسخانة''    ولاية سوسة تستعدّ للموسم السياحي    عاجل : عطلة رسمية في انتظار التونسيين بداية جوان القادم    نجا الجميع بأعجوبة: أب يحاول حرق أسرته ليلاً فيُواجه حكما ب7 سنوات سجن!    دعاء يوم الجمعة للأبناء وزيادة الرزق    السيجومي: 12 سنة سجناً لمروّج مخدرات في الوسط المدرسي    برشلونة يحسم لقب البطولة الإسبانية للمرة 28 في تاريخه    ترامب في رحلة العودة: لست محبطا ! لقد حصلنا على 4 تريليون دولار!    بين رغبة العائلة وحنين الأصدقاء.. عيد ميلاد عادل إمام يثير الجدل    









إلى أين وصلت «أمور الديمقراطية» الموعودة؟!
بقلم: عبد اللطيف بن سالم
نشر في الشعب يوم 20 - 01 - 2007

أيّة ديمقراطية هذه التي ستُفرض على الشعوب فرضا وما عسى أن يكون لها من الدلالة والمعنى؟
«في المجتمعات المتخلفةأو النامية يقول عصمت سيف الدولة لا يمكن أن تكون الديمقراطية نظاما دستوريا يُطبّق في حياتها بل تكون الحياة الديمقراطية مطلبا تسعى هذه الشعوب الى تحقيقه وتناضل من أجله..» ومن المتوقع تحقيق ذلك في وقت قريب اذا صدقت النوايا وتظافرت الجهود ذلك أنّ هذه الشعوب المتهمّة بالتخلّف لهي من أقدر الشعوب على تقبّل هذه المبادئ و»النظم» الانسانية الفاضلة والأخذ بها في حياتها (إذا سمحت لها الظروف) لأنّها ليست مضروبةً بعدُ بإغراءات المادة ومنجزاتها الخانقة والمدمرة و»الخبيثة» في أكثر الأحيان
«الديمقراطية اذن كالحرية، كالإنسان، مشروع يتحقّق بالتدرج على مرّ الأيّام والسنين كما يقول «الوجوديون» ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون نظاما جاهزا يُقدّم الى الناس من أي جهة من الجهات كهدية تهدى.. ولا أظن الإنليز والأمريكان قد نسوا مثلهم الشعبي القديم «ان القميص الذي يُصنع ليلبسه كلّ الناس لا يلبسه أحد» وبالتالي فإنّ الديمقراطية الوهمية التي تُروّج لها أمريكا وتحاول خداع الناس بها لتبرير احتلالها للعراق وفلسطين وافغانستان ولنشر نفوذها في منطقة الشرق الأوسط تمهيدا لنشر نفوذها على العالم بأسره إنّما هي أكذوبة مكشوفة مفضوحة لا تنطلي الاّ على البلهاء من أتباعها «والشبيه يدرك الشبيه» إنّّها لحق أريد به باطل. يقول عصمت سيف الدولة في كتابه «الاستبداد الديمقراطي»: «كان المستبدون يطورون أفكارهم على مدى التاريخ وكانوا على ذلك مكرهين بفعل مقاومة الشعوب للإستبداد، وبفعل التطور الحضاري الذي أصابته في كل المجالات الفكرية والعلمية والتطبيقية، وكان لابد للمستبدين ومفكريهم في كل عصر من أن يستروا عورة الإستبداد بنسيج من صنع العصر فكرا أو علما أو ممارسة لأنّه أقدر على إخفاء السوءة وتضليل الشعوب» وليس هناك الآن لأمريكا وحلفائا أفضل وأبهى من «الديمقراطية» غطاءا لها لتبرير وجودها في المنطقة، هذه المنطقة المحرومة حقا من الديمقراطية في بعض أوساطها الإجتماعية وحتى في بعض بلدانها لكنّها ساعية إليها بالفعل وستصل إليها ان عاجلا أو آجلا. أمّا أمريكا فإن إدعت أنّها تُحرّر المنطقة من استبداد حكامها فلكي تستبد هي بها، و»ما حك جلدك مثل ظفرك» وإلاّ فاللّه ولي أمرك، ونوايا أمريكا هذه بادية للعيان رغم محاولاتها المتكرّرة للتستر عليها بمختلف الوسائل الدعائية الكاذبة وإلاّ فماذا تعني هذه الممارسات الوحشية والإبادات الجماعية للعراقيين والأفغان؟ أليس ذلك تغطرسا واستبدادا؟
صحيح القول بأنّ شعوبنا النامية لم تعرف الديمقراطية حق المعرفة كمفهوم لنظام سياسي سليم ومتوازن، ومطلوب لذاته الاّ منذ زمن قريب جدّا ذلك أنّها كانت منشغلة بالنضال من أجل الحرية والاستقلال عن الإستعمار الأجنبي ومع نهاية الحرب العالمية الثانية هبت عاصفة المناداة بالحرية والاستقلال للأفراد والشعوب في كل جهة من العالم نتيجة لما لقيه هذا العالم من اضطهاد ودمار وخراب وفقدان للملايين من الضحايا الأبرياء.. ثمّ هدأت العاصفة بنيل هؤلاء حريتهم واستقلالهم لكنّهم بقوا جلّهم اذا لم نقل كلّهم رازحين تحت نير التبعية الكاملة للمستعمرين لهم في الماضي في مختلف المجالات والميادين الاقتصادية منها وحتى الثقافية تحت غطاء «الصداقات العريقة بين جميع هذه الأطراف».
ويبدو ان عصر الحريات المزيفة هذا قد انتهى مفعوله فينا وقد حقّق مراده منّا وسيترك الآن المجال لعصر جديد هو عصر «الديمقراطيات كما انخدعنا أمس بتلك الحريات؟ أو هل سنبقى دوما حقول تجارب للآخرين؟
إنّ الديمقراطية كالحرية هي أسلوب حياة قبل كلّ شيء ترقى إليه الشعوب بتطورها الحضاري الشامل في مختلف أبعاده وتصل إليه بوعيها ونضجها المتكامل، يقول روسو في تمجيده وتعظيمه للديمقراطية: «لو كان هناك شعب من الآلهة لحكم نفسه بطريقة ديمقراطية فهذا النوع من الحكم الذي بلغ حدّ الكمال لا يصلح للبشر» (العقد الاجتماعي) مُعرّضا بذلك بالشعب الفرنسي الذي كان يراه آنذاك متخلّفا ولم يبلغ بعدُ مستوى الديمقراطية هذه فماذا نقول نحن الآن عن شعوبنا في العالم الثالث اذا تهيّأت لتستقبل هذه الديمقراطية المسداة لها أو المهداة لها من طرف الآخرين والتي لم تدركها بنفسها ولم تبلغها بكامل وعيها ولا بإختيارها الحرّ السليم؟
هل ستكون هذه الديمقراطية لهذه الشعوب بمثابة الجزء الذي كان قد ناله تيتالوس الذي تقول الأسطورة الإغريقية إنّه لم يُطع الإله زيوس فسلّط عليه عذابا شديدا اذ وضعه وسط بحيرة ينحصر ماؤها كلّما همّ بشربه وعلق على رأسه أغصانا مثقلة بالفواكه تبتعد عنه كلّما حاول الوصول إليها أو النيل منها؟ (1).
يبدو أنّه قد ترسّخ في أذهان الناس منذ زمن بعيد وفي مختلف أنحاء العالم وبمختلف الطرق التفسيرية ل «الديمقراطية» بأنّها المثل الأعلى للعدالة الاجتماعية حتى أنّها كادت تصير صفة لأي عمل أو سلوك يقع في هذا الاتجاه أو يؤدي ذلك المعنى، وإنّه ليشير مفهومها المبدئي الى ذلك بالفعل لأنّه ليس هناك أرقى وأجمل في الحياة من أن «يحكم الشعب نفسه بنفسه» وهو ما تعنيه الكلمة في أصلها اللغوي اليوناني ولأنّ هذا في معناه أيضا أنّ الشعب يمارس حياته بحرية تامة وهو بالتالي المسؤول وحده عن هذه الحرية أي أنّه بقدر ما يكون مستواه المادي والمعنوي يولّى عليه مادام يفعل ذلك دون تدخل أي عامل خارج عن طبيعته وهو بذلك يكون «مكتفيا بنفسه ومستغنيا بها عن غيره» كما قال ديوجين الفيلسوف اليوناني القديم الذي زاره اسكندر المقدوني ذات يوم وهو قابع في كوخه القصديري، زاره متنكّرا وقال له: ماذا تريد أن تكون يا ديوجين لو لم تكن ديوجين؟ وهو يظن أنّه سيجيبه في الحال بأنّه يريد أن يكون اسكندر المقدوني، فأجاب بكل بساطة: «أنا يا هذا مكتف بنفسي ومستغن بها عن غيري ولست في حاجة الى أن أكون غير ما أنا..» والحرية كما ذكرنا آنفا هي «في أن يعمل الكائن وفق طبيعته الخالصة دون أي إكراه داخلي أو خارجي زائد عن طبيعته تلك» والطبيعة هذه مُعطاة لنا دون أن يكون لنا فيها اختيار: لكن ومن باب الإنسانية فقط يحقّ لنا أن نعمل على تطوير هذه الطبيعة وتهذيبها أو قل تثقيفها وذلك بفضل العقل وفتوحاته وما يصنعه هذا العقل من إنجازات حضارية مختلفة، ومن وجهة نظر انسانية ايضا لا يجوز بأي حال من الأحوال القول بأنّ حضارة ما أفضل من حضارة لا في الماضي ولا في الحاضر وليس هناك في رأي العقلاء من معنى للتخلّف والتقدّم الاّ بمقاييس استعارية تنافرية خاطئة لا تزال تعيش بها بعض الأوساط الاجتماعية «المتخلفة» حقّا عن إدراك المستوى الإنساني المطلوب.
إنّ التقدّم والتخلّف لا يمكن الحديث عنهما إذن الاّ في مستوى الإحساس بالإنسانية أو عدمه، أمّا في ما عدا ذلك فلا معنى لهما على الإطلاق ويكفي دليلا قاطعا على ذلك ما كان قد نبّه إليه جان جاك روسو زعيم الديمقراطية بلا منازع منذ دهور حين قال: «إنّ العلوم والآداب والفنون مفسدة للإنسان» (2) وهو يقصد بذلك دون شك اذا عملت هذه العلوم والآداب والفنون على تشويه «طبيعته الخالصة» وهو ما هي فاعلة به الآن في كلّ مكان وهذا ما يجعلنا في قلق كبير على مصير حضارتنا المعاصرة التي يبدو أنّها غير متوازنة القوى وآيلة سريعا الى الزوال والإندثار.
وليس الخوف كلّ الخوف على زوال هذه الحضارة فكثيرا ما سادت حضارات ثمّ بادت، وكان الخوف كلّ الخوف على الإنسان نفسه صانع هذه الحضارات والذي يبدو أنّّه سيزول معها هذه المرّة.
------------------------------------------------------------------------
هوامش:
(1) عن عصمت سيف الدّولة في كتابه «الاستبداد الديمقراطي».
(2) عن جان جاك رسو في كتابه «أميل»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.