في إطار إحياء 5 أكتوبر الذي أقرّته منظمة »اليونسكو«، دعت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي كافة تشكيلاتها النقابية إلى عقد اجتماعات عامة بالأساتذة تحت شعار: »ظروف العمل بالمؤسسات الجامعية وإستحقاقات الجودة«. وتداول الأساتذة خلال الإجتماعات التي عقدت في جلّ المؤسسات الجامعية المهيكلة نقابيا مختلف أبعاد ظروف عمل الأساتذة ودراسة الطلبة. ولقد تردّدت عدّة مطالب خلال النقاشات من أهمّها ضعف نسبة التجهيز بالحواسيب، عدم توفّر مكاتب للأساتذة، وعدم كفاية الرصيد المكتبي، وتعقيدات منظومة »إمد« وإنعكاساتها على تنظيم الإمتحانات وإحتساب المعدلات والسير العادي للمداولات وغيرها من المشاكل الخصوصية ببعض المؤسسات مثل عدم توفير مكتب للنقابة الأساسية أو سبورة تعليق الإعلام النقابي، أو المخاطر المهنية بمخابر البحث أو عدم إجتماع المجلس العلمي وإنعدام التشاور وعدم خلاص الساعات الإضافية. ولقد أصدرت الجامعة العامة بمناسبة اليوم العالمي للمدرّس البيان التالي: منذ سنة 1994 أعلنت منظمة »اليونسكو« 5 أكتوبر من كلّ سنة يوما عالميا للمدرّسين. وقد دأبت المنظمة الدولية للتربية التي تضمّ حوالي 350 نقابة تعليم من مختلف بلدان العالم، ومن بينها جامعتنا العامة، على إحياء هذا اليوم كلّ سنة تحت شعار متلائم مع الظرف الذي يحيط بقطاع التعليم أو مع الوضع الذي يكون عليه المدرّسون والتحدّيات التي يواجهون. وقد وقع الإختيار هذه السنة على شعار: »إعادة البناء تتمّ عبر المدرّسين« وذلك تفاعلا مع ما عرفته عديد بلدان العالم خلال الفترة القريبة الماضية، ولاتزال، من أزمات متنوّعة كانت أشملها الأزمة الماليّة العالمية التي أتت كإفراز للعولمة المتوحّشة، إضافة إلى ما عايشته بعض البلدان من أزمات إنسانية نتيجة جوائح وكوارث طبيعية بحجم وبتواتر غير مسبوقين. ولقد تأثّرت بلادنا مثل سائر البلدان بتداعيات هذه الأزمات المتتالية والتي انعكست آثارها السلبية على مجموع الخدمات الإجتماعية وعلى المنظومة التعليمية بصفة خاصّة والتعليم العالي بوقع أبرز. فمنذ أواسط تسعينات القرن الماضي ومع تواصل الدفق الطلابي بوتيرة متزايدة سُجّل تراجع متواصل في معدّل الإنفاق على الطالب الواحد، وتراجعت معه الخدمات المادية الضرورية لحياة طلابيّة لائقة فضلا عن النقص الحاصل في التأطير العلمي والإحاطة الثقافية والترفيهية وفي الحقوق المدنية للطلبة. ولقد زاد الأمر استفحالا الاضطراب والإرتجال اللذان ميّزا سلسلة الإصلاحات المرتجلة والمسقطة التي أدخلتها سلط الاشراف على المنظومة التعليمية في مختلف مستويات التعليم (مدرسة الغد ومنظومة »إمد«). وعلى صعيد آخر تآكلت الأوضاع المهنية والمادية للأستاذ الجامعي وتراجعت مكانته المعنوية نتيجة الإقصاء الممنهج الذي استهدفه لسنوات طويلة من قبل سلطة الإشراف بما أحدث لديه ضعف انخراط في مسار الإصلاح. وبالتوازي مع كلّ ذلك ضاقت آفاق التشغيل بالنسبة لخريجي التعليم العالي بوتيرة متسارعة شملت جلّ الإختصاصات، وهذا شأن خطير للغاية إذ لا تنحصر تأثيراته السلبية في مجرّد حرمان الخريجين من شغل لائق ودخل مطمئن، وإنّما يتعدّى الأمر ذلك للتشكيك في العلم كقيمة حضارية ومجتمعية باعتباره لم يعد مقياسا للإعتبار الإجتماعي ولا ضامنا للمستقبل. فكانت نتيجة كلّ ذلك تراجعا متواصلا ومحسوسا في مردود المدرس وفي جودة التعليم والبحث، وبالتالي في قيمة الشهائد الممنوحة. ولطالما نبّه الجامعيون عبر هيئاتهم النقابية والعلمية الممثلة سلطة الإشراف إلى المآلات الخطرة التي تقود إليها السياسات والخيارات التعليمية المتبعة بدون تشاور مع أهل المهنة، لكنّ تلك التحذيرات بقيت دون صدى يذكر بل تعمّدت السلطة تغييب الطرف النقابي الجامعي بالخصوص واجتهدت بكلّ الوسائل طيلة أكثر من عشرية في إقصائه وتهميشه حتى لا تكون له كلمة في الإصلاحات. إنّ إرادة التدارك التي أعربت عنها سلطة الإشراف خلال الأشهر الأخيرة من خلال بعض التصحيحات لمنظومة »إمد« لا يمكن، على إيجابيتها، أن تفتح على واقع أفضل دون المراجعة العميقة لعدد من المرتكزات الهيكلية للسياسة التعليمية عموما وللتعليم الجامعي بالخصوص ومن أوكدها: ❊ استناد السياسة التعلمية لإستراتيجيات واضحة المعالم والأهداف تشترك في صياغتها مختلف الأطراف المتدخلة وتأخذ في الإعتبار حاجيات الإقتصاد وإنتظارات المجتمع الآنية والمستقبلية. ❊ القطاع مع المركزة المفرطة للقرار الجامعي وذلك بتفعيل مبدإ استقلالية الجامعات ودعم صلاحياتها وإقرار مبدإ الإنتخاب لمن يتولّى الإشراف عليها وعلى الأجزاء التابعة لها. ❊ تقييم موضوعي وشامل لمنظومة التعليم العالي يشمل محتوى التكوين وهياكل البحث وبرامجه وإعادة رسم الخارطة الجامعية في إتجاه الحدّ من التشتّت الحالي لأجزائها وضمان نجاعتها وإشعاعها. ❊ ردّ الإعتبار للأستاذ الجامعي على الصعيدين المادي والمعنوي وذلك بتوفير ظروف عمل لائقة ومقابل مجزي، وبالإستئناس برأيه ومقترحاته عبر ممثليه في كلّ ما يخصّ القطاع والمهنة من ناحية أخرى، مثلما تنصّ على ذلك توصيات »اليونسكو«. إنّ شعار »إعادة البناء تتمّ عبر المدرّسين« الذي إعتمدته دولية التربية هذه السنة كعنوان لإحياء 5 أكتوبر أتى كحصيلة مستوعبة لتجارب المجتمع الدولي مع الأزمات والإصلاحات، وإنّ الحالة التي وصلت إليها منظومة التعليم ببلادنا لا يمكن التعامل معها ومعالجتها إلاّ من خلال التمشّي الذي يُوحي به ذلك الشعار المقرّ بدور المدرّس في كلّ عمليّة إصلاح.