لم ينس الطاهر الشريعة الادب الذي كان يدرّسه لتلاميذه في صفاقس بطريقة عصريّة... وهو مزدوج اللغة ينتقل من العربية الى الفرنسية بسهولة وكأنه ابن زواج بين تونسي وفرنسية ويترجم من الاتجاهين من العربية والفرنسية، ومن عاداته السهر للقراءة والكتابة ولما تعجبه قصيدا لا يتردّد في ترجمتها، وكان يكتب بنفسه على الآلة الكاتبة رغم انّ خطه على غاية من الوضوح والنقاء وقد عثرنا في أوراقه على العديد من الترجمات فهاهو يترجم قصيدا عن الجزائر للشاعر العراقي عبد الوهاب الباياتي يوم 9 جوان 1967 وقصيدة »جزائري« لشوقي بغرادي وأغنية »بابور زمّر« تأليف المولدي زليلة وغناء الهادي قلّة ورسالة »ابن زيدون« الى الأميرة ولاّدة وأغنية »أنت عمري« غناء أم كلثوم وقصيدة »عيناك خيمتان« لرؤوف الخنيسي مؤرخة في 5 جوان 1967 يوم النكسة وهاهي بعض من قصائده قمنا بترجمتها لاكتشاف جانب آخر من علاقة الطاهر الشريعة بالأدب والفن والشعر. سفر في عينين زرقاوين في عينيها أجدّف بقوارب من أحلام... أنا فاتح اليقظة فاتح الحنان المضيء أعبر الفجر.. أعبر قلبا من الياسمين... ❊ ❊ ❊ وتعلم عيناك أنني منذ قرون أبحر فيهما ❊ ❊ ❊ في طريقي... أخلق أمواجا وأغرق أخرى تعلم ذلك عيناك... هل تفهمين؟ ❊ ❊ ❊ أنا أوّل ملاّح يعبر على قوارب الأحلام أغنية خالدة ❊ ❊ ❊ ضفافي هاهنا، في الأفق... ولك أن تسمّيها جفونا؟ ❊ ❊ ❊ تغني صارية سفينتي للرياح فيمتلئ قلب الصمت بالنغمات ❊ ❊ ❊ تسألينني وقواربي سَكْرى ويغني بحارتي . . . »هل في النجوم اللاّمتناهية تدّعي الإبحار؟ هذا جنون!« أطلقت أشرعتي نحو المدى لو كانت تدري لرمتني في مقدّمتها . . . وأنا سعيد بالتقدّم نحو ميناء لا مكان له عزائي أن يقولوا إذا ما لم أعد أبدا »لقد تاه في عينيها الزرقاوين« (صفاقس 5/ 10/ 1960) الجاذبية من يخبرك من أين تنبع الجاذبية؟ تلك الفتنة الخفية تجمعنا بهدوء بأشخاص غرباء (؟) بالأمس كنّا لا نعرفهم وفجأة يصبحون قريبين منا؟ لقاءهم يثيرنا وحضورهم يطمئننا. نشعر أننا على وشك الوقوع في حبّهم لكننا لا نجرأ على الإعتراف لهم أولئك الذين... أبدا... لا ننساهم... (السجن المدني بتونس 5 سبتمبر 1969) قصيدة (؟) بلا عنوان هذا... ليس بشعر حتّى ليس حتى »سيّئا، لكنّه يريد أن يبلغ المعنى« (كما تقول، Albertine عن أشعارك التي تقول الكثير وتجد دائما السبيل لتكون بهذا الجمال) هذه ليست إلاّ أحاسيس عابرة نابعة من الأعماق خلتها صامتة، هادئة أكثر من الطحلب البحري أهديها إليك، كباقة من زهور الحقول يافعة نضرة، خارج موسمها وعلى غاية من العطاء لأنّه لابدّ من رقّة كبيرة واستعداد للرّوح لابد من قلب مفتوح حتى يعثر على عطرها الحقيقي لكي تراها جميلة لكي تحبّها وتقطف ريعانها المثير ريعان زهور الحقول الصغيرة! ❊ ❊ ❊ عيناك... برق هادئ رقيق، وضاحك نظرات خجولة / وقحة، بريئة / نزقة، وضّاءة... من وراء نسيجها المشاغب مثير الذكريات أهداب ماكرة تترصّد عبر البشرة انفعال آلهات الوحي المختلجات... ❊ ❊ ❊ فمك، الضحكات، ينبوع رحيق أبي نواس أفكار عمر الخيام يغني نخب الحياة (ولتذهبي إلى الجحيم إن كنت إلى الآن لا تعرفين أبا نواس ولا الخيام!) ❊ ❊ ❊ نهداك، »نهداك الصغيران والمارقان يتوثّبان عبر ثوبك النزق فيختلّ تفكيري ويقلبان رأسي على عقب« (مثلما يغني Mourice chevalier الذي تعرفينه أكثر، بلا شكْ!) ❊ ❊ ❊ حبّك، نفس محترق، كنرڤانا تنبع من أعماقك إلى أعماقي الساكنة نداء ودود »إلى جسد مفتوح« ❊ ❊ ❊ لمساتك، رجفة شفتيك، أناملك عرجون السلام يرسم وجهها كرسالة عذبة لعالم سيكون بلا شك أجمل أنت، بالنهاية، أنت، المستحيل الألم والرقة الممكنة التي يقدّرها ثرائي وحده بعيني جنوني الخاص كهائم لا يقبل الرجوع عن أي مستحيل... (بنزرت الرمال 16 جويلية 1966 منتصف الليل) الحبيبة المخدوعة »لا تدخلي!« وبيديكَ تعترض طريقي تدّعي أن »أصدقاء« جاؤوا لزيارتك هل كانوا أصدقاءك حقّا؟ أم امرأة تحتلّ مكاني بين ذراعيك وتصرخ غاضبا »توقفي!« تلاعب الريح معطفي الجانح الى الطيران مع أنني تسمّرت هنا، يجمّدني خجلي وإهانتي لا تعتذر، أيّها الخائن، لا تندم على شيء! أنا لست غاضبة منك ولكن من قلبي الوفي هذا القلب الذي تجهل ماذا؟! لو كنتَ أخبرتني، لو كنتَ أهلا بإعلامي أن كل شيء بيننا قد انتهى!! كل ما كنت تهمس به لي كلّ شيء عندما كنت تحبني... أن مسكني كان عشّا لكائنات شفافة وأيامي المقبلة تفتّح الزهور وترمي الآن بكلّ شيء كما ترميني... لا تعتذر الفضيحة تأسر جفونك... آثار أحمر شفاهها ساخرة ترتسم على شفتيك، على خدّيك ربطة عنقك تذيع لوشاحي الذي يخنقني ما بك وما تكون... أنت يا من وهبتك دمي وحياتي تهينني تلفظني بعيدا عن عينيك كذبابة لتنساني بأخرى تهين حبّي وعنه كنت تقول أنني كنت ضياء عينيك أراها، قرب المدفأة ممدّدة هنا، في نفس المكان أرى يدك تمدّها إليها رقيقة، مرتجفة بالحبّ والحنان، هذه اليد ذاتها... ستهمس لها بذات الكلمات ستحكي لها ذات الحكايات ترفع الكأس حتى شفتيها بهذه الكأس سقيتني بهذه الكأس سمّمتني... إلى أن يأتي يوم، ستجد هي في عشها السعيد عش الحياة، عش الفرح حيث ستخبرها أن أصدقاءك هنا، عندك...