أذكر خلال أيّام الدراسة الأولى و مباشرة بعد أحد أعياد الاضحى كيف طلعت علينا المعلّمة في حصة الرسم بموضوع خفيف ظريف :»ارسم كبش العيد« واحتار عقلي الصغير يومها كيف أرسم كبش العيد؟ هل أرسمه مذبوحا أو مسلوخا أو مشويا وفقا لآخر الصور العالقة بذاكرتي؟ ثم خطرت ببالي فكرة مختلفة، رسمت ما يشبه رأس الخروف بفم مفتوح على الآخر و حين سألتني المعلّمة أجبتها بكلّ بساطة أنّ خروفي يلقي قصيدة عن الحرية ، لا أنسى نظرتها يومها و كيف انتزعت الورقة من يدي بحركة عصبية ومزقتها ملقية بقطعها الأربع خلف الباب حيث يفترض أن توجد سلّة مهملات. اليوم و بعد أكثر من ثلاثين عاما أقرأ خبرا عن »مهرجان الأغنام النجدية بالرياض« الخبر يقول أنّها مسابقة في جمال الأغنام تتخللها قراءات شعرية لقصائد كتبت للغرض، أقرأ أيضا و في نفس التوقيت تقريبا خبرا آخر عن حجز 6548 خروف موجّهة للتهريب من الجزائر الى تونس و حسب تحليلي المتواضع تلك الخراف لم تحجز و لم ترجع غصبا الى التراب الجزائري بل عادت بمحض إرادتها بعد أن تأكّد رسولها أنّ ساحة الذبح مهيّأة هنا و هناك فالأجدر بها اذا أن تموت و تدفن في بطون وطنية. أذكر الآن خروفي الذي رفضت المعلمة الاعتراف بأنّه يقرأ قصيدة عن الحرية كنا حفظناها ورددناها صغارا وأتساءل إن كانت درجة وعي الخرفان قد تطورت منذ ذلك الحين الى الآن و هل قرّرت أخيرا الخروج من الدور الكلاسيكي للضحية المستسلمة أو على الأقل اختيار الأرض التي تموت عليها. خبر آخر يؤكّد لي أنّ في الأمر مكيدة »دبّرت بليل«، مفتي تركيا الشيخ علي برادق يمنع ذبح الأضاحي إذا استمرت أزمة اللحوم، لا أظنّ الأمر مجرد مصادفة بل يبدو أنّ الخرفان تعمل و على مستوى عال جدا على التعريف بقضيتها و كسب الأنصار والمنادين بحقها في الحياة، وربما لم تنسى الخرفان أيضا في خضم دفاعها عن حقوقها أن تعبّر عن مساندتها التامّة واللامشروطة لبعض القضايا الساخنة الأخرى كالدفاع عن القدرة الشرائية للمستهلك »لانسان« و التلويح ببعض اللحوم الأقل ثمنا التي يعدّ استهلاكها أكثر حفاظا على التماسك الاقتصادي الأسري و هي لحوم الخيول والحمير والتي بدأت فعلا تلقى رواجا في بعض الأوساط ولا ندري تحديدا ان كان ذلك بدافع الفقر أو هو مجرّد اختيار »ثقافي« تكمن خلفه الحركة التحررية الشاملة لقطيع الخرفان، هذه الحركة التي أطاحت بشعار »دليلك المفيد في شراء خروف العيد« ورفعت و بصوت واحد شعار »دليلك الأمثل في اختيار الخروف الأجمل« والتي لم تنس الجانب الديني لخدمة مصالحها فأكّدت أنّ عيد الاضحى سنة و ليس فرضا.