لحضن أمّه في القرية عاد الهادي بطل رواية »أبناء السحاب« منكسرا فاقدا للذاكرة، عاد لطفولته حُطامًا،... عاد إليها قسرًا وليس اختيارًا الهادي أستاذ الفلسفة الخمسيني الذي عاش الحلم بكل معانيه عاد إلى قريته مهزومًا يعاودُ الانصات لخرافات أمّه العجوز وأحاجيها البسيطة. هكذا تنتهي الرواية ويبدأ التأويل وهنا نستشعر المرارة في الحلق التي تجاهلتها وأنت تقرأ فصول العمل الستة وأصدائها الستة... تسكنك المرارة بعد أن أجّلتها مع كل فصل وأنت تمنّي النفس ببارقة أمل واحدة... فالشخوص كلّ الشخوص مهزومة وبالية اذا استثنيا الجدّ نسبيّا لأنّه من زمن آخر، ولكن أبطال الجابلي ومجايلي بطله وأخلافهم كلّهم، مهزومين، الهادي الذي آمن بالثورة والعدالة الاجتماعية وزوجته قمر التي صوّرت على نحو سلبيّ أوّلا كامرأة غير فاعلة ثمّ صوّرت كامرأة فاعلة سلبيّا أو فاعلة على نحو قرّر له الكاتب أن يكون غير مسؤول ومنساق خلف سراب الطموح واثبات الذات بعشوائيّة. أبناؤهما دجلة وفرات، ضاع كلّ منهما في طريق الفرات نحو السلفية والتطرّف والدجلة نحو التطرّف المقابل في المخدّرات والتهتّك والأب المُطلّق المثقف إلى النسيان من خلال قدر أحمق قاده إلى عصا البرجوازيات الجديدة ذات التوجّه الميليشوي فانهالت على رأسه لتفجّره وتسرق منه كلّ الادراكات والذاكرة حتى عاد بطلب من أمّه إلى وضعه الأوّل طفلا في القرية وهو المُقام والوضع الذي كان يرى فيه خلاصه في حالات وعيه السابقة. هذه هي الحكاية المحفوفة بالكثير من القتامة حول الواقع السياسي والحقوقي والقانوني في البلاد وتحوّل بل انقلاب الكثير من المفاهيم.. التي رأى الكاتب انّ من تشبّث بها في صبغتها القديمة ضاع ومن تبنّى صيغتها الجديدة ضاع في اشارات لأزمة تأصيل الرؤى والمفاهيم في بلاد لم تنضج فيها لا القدامة ولا الحداثة... فالماضي كان مُدانا والحداثة أسقط علينا ولا خلاص إلاّ في العودة للأصول حسب محمد الجابليّ، إلى القرية رمز النقاء والصفاء القديم الذي بدأ الكاتب وكأنّه يستغفر ثورة أبطاله عليه فعاقبهم جميعًا وأعاد قائدهم إليه قسرًا... فحتى اللغة التي صاحبت عناوين الفصول الأخيرة كانت لغة تتوسّل بالقديم بلهجة الأجداد وحكمهم من خلال أمثال شعبيّة وإيراد احداث قديمة للإستدلال حول بلاغتها فهلاّ كان الجابلي عاجزًا عن تخيّل نبع خلاص لجيل الحلم وهلاّ يكون مُستبطنا للحُطام؟ كثيرا من السوداوية غصّت بها رواية أبناء السحاب رغما عن خصب الدلالة وكثير من القحط في المصائر.. وكثير من المحاكمة القاسية لمسار بلاد ساست أهلها بلا رفقٍ ولم تنجُ فيها إلاّ الرداءة... فالقانون منتهك بالمرتشين والحقوق مسلوبة بالسماسرة والخلاص ليس إلاّ فرديّا كريها مُحبطًا.. أو هو مستحيل أو عدمي بالعودة إلى وضع الجنين.. الذي يحتاج اعادة التشكيل والبناء، فالكاتب لم يكن أبدا رحيمًا بقراءة في هذا النص المرّ الذي صدر سنة 2010 موزّعا إلى 162 صفحة من الحجم المتوسط ومزيّنا بلوحة غلاف للرسام الاسباني خوان ميرو مطعّمة بحكمة للكبير حنضلة »سنكبر حين تصير الهزيمة أصغر«