إهداء: إلى يارا فراوس الخشناوي. هذه هي الفكرة الوقَّادة التي دعتني للكتابة إليكِ منذ أشهر وأنا أحدثكِ بما في نفسي من أمواج أخشى عليكِ أحيانا من التلاطم بين إيماناتي وكفري، ثم أواري ذلك خلف أدعية وأشعار وأفلام وموسيقى ترصّدت ما يكفي من الجمال فيها حتى تبلّك. والآن، ها أنتِ تعلنين عن وجودك الجميل بتموجك الذي أراه وأتحسسه كمن يتحسس الماء لأول مرة. ففي كل مرة تميرين في داخلي فيهتز داخلي، كل حركة لك تحرك ممر روحي وتجعلني أتذكر درويش، الشاعر الذي يحطم غروري »يا ليت لي قلبين...« فأسخر منه كان عليه أن يحمل لكي يصير له قلبان، إنه لإحساس غريب هذا الذي يعتريني كلما فكرت أنه لي رأسين وأربع أيد وأربع سيقان وأربع رئات وعشرين إصبعا... وقلبين نابضين... لقد استمعتٌ الى نبضك وتجسَّست على خلجاته، كان يخاطبني بلغة أفهمها لأنها لغة قلبي. الآن نحن متحدتان في جسد ولكن هذه الوحدة دامت ثمانية أشهر وخمسة عشر يوما، في خفية مني اندسستِ في جسدي وتكوّرتِ ثم تشكلتِ، يفترض ان ذلك كان مبتداه يوم 14 فيفري 2010 تصوري، يوم عيد الحب، لست أدري إن كنتِ بهذا اللؤم حتى تختاري تاريخ ميلادكِ في أحشائي يوافق عيد الحب، ولكنها خطة رائعة لكي تثبتي فعل حبك في قلبي، نعم، قد يبدو ذلك مدهشًا، أن أحبكِ مع أنني لا أعرفك، لا أعتقد أن لذلك علاقة بما يسمى إحساس الأمومة بقدر ما له علاقة جادة بقدرتك على تحطيم الميثولوجيا اليونانية في أن »فينوس« اشتقاق عن »زوس«، إنك جعلتني أصدق ان »فينوس« اشتقاق أخضر من فينوس، هذا أنت تسحبينني الى تأليه نفسي ذلك المنطق العجائبي الذي طالما رافقني خلال سنوات مراهقتي. لن أتوه بك كثيرا عزيزتي، يارا، واسمحي لي بمناداتك بعزيزتي فلك فضائل عدة عليَّ أولها تحطيم غرور درويش، ثم الانبثاق في عيد الحب، وكذلك كتابة الأسطورة فينوس فينوس لا ربّ لهما... نعم فضائلك كثيرة عليَّ فأنتِ الآن شرنقة منسوجة من دمي ومائي وحمّاي ولهفتي وغبائي وبكائي وفرحي واهتزازي و... ومنه هو، تلك الفكرة الوقادة التي افتتحت رسالتي هذه بالحديث عنها قبل تشعب مسارب اللغة بي... هو تلك الفكرة الوقادة التي تسكنني منذ سبع سنوات. لست أدري ايضا إن كنتِ بهذه الأسطورية حتى تختاري السنة السابعة لكي تحلّي معنا وبيننا على كل... قلت أنني عند ما قررت الكتابة إليكِ، ثمّة فكرة وقادة هزتني، كنت في حقيقة الأمر أنظر إليه أرصد كعادتي حركته في البيت، أراقب شرود عينيه ويده الرقيقة التي كثيرا ما يسند إليها رأسه قبل أن يقرر تحريك أزرار الحاسوب في اتجاه فكره ما... لا يكنّ ولا يهدأ، هكذا هو مذ عرفته خلال السنوات السبع، متطلع الى ما سيأتي، كأنه لا يقيم على هذه الأرض ولا قرار له فيها، حين اقتسمنا صخرة عجائبية على شاطئ حلق الوادي لم نتطلع إليك، لكننا امتشقنا نجمة واحدة فكافأنا البحر بأن تقاسمناه حبرا ومدادا... من ساعتها وهو يرتفع وينخفض بالموج، يصفّر في وجه الريح، ليحرك السحب ويعتصرها لغة قد ترفعني الى أعلى عليين، وكثيرا ما ترميني ك »عشتار« الى أسفل السافلين، لكنني لم أفتأ منذ سبع سنوات أنبض بحبه، لست أدري، الهدوء زرعه في نفسي أم لأنه ذاك الذي لا يكنّ ولا يهدأ. مشغول بالأفكار، يولّدها كضباء ترتع في ذهنه وتحركه في كل اتجاه، مثل المجنون، تنأى به هواجسه ثم يدنو. ولد نوّه ما به يصالح الموج طحلب الصخر فيخلقان سويا لغة خضراء زرقاء، أتربع على مرجها كعروس بحر تحاول سحب »إيليس« الى صخورها الملعونة. أو ك »جنية بحرية« كما كان يحلو له أن يسميني. سأكون صريحة معك، لم نفكر، لا أنا ولا هو في أنك ستكونين سحابة ولدها تبخر موجنا على حافة الشعر والنثر، لكن حياتنا تغيرت منذ أعلنت عن انبثاقك صرت أكثر حساسية، خوفي من فقدانه تضخّم وأحيانا يكاد يهلكني، يفترض في المنطق العادي أنك ما سيوثق ارتباطي به، وكشرقية، ها أنت تتحركين الآن راسمة بعض الموج على بطني، هل يزعجك أنني لا أفكر بأنك ما يمكن أن يمتن وثاقنا الغليظ، دعيني أساررك لكي نكون صديقتين على الدوام، قلت كشرقية يفترض أن تزيد ثقتي بأنني لن أنفصم عنه أبدا، طالما أنت بيننا، ولكن ولأنه لا يكن ولأن وجودك سيحرّك وظائفي الاجتماعية التقليدية، فإنني صرت أخاف أن أتلهى بأنفاسك عن أنفاسه وبيديك عن يديه. عن حرير يديه، وببكائك عن قلقه »التسونامي«، لست أدري إن كان تفطن لخوفي ذاك لأنني طالما أخفيته بالمكابره وبالحفاظ على نرجسيتي التي يعشق. تحكمت في حركتي، بينما ظلت حركته على غاية من الحرية ولعل ذلك أكثر ما يغيظني خلال هذه الأشهر ويعمّق دائما شعوري بالخوف من أن يستمر بعد حلول مركبك، لا تغضبي عزيزتي فإن حبّي له هو الذي يجعلني بهذه الأنانية، لا أريد أن يكون انخلاقك بمثابة كشف حقيقة فردانيته وأنانيته ولو أنني لمست منها الكثير خلال هذه الأشهر وطالما بررت له لا يكنّ . عزيزتي، هذه أنا وهذا هو، الآن نتطلع إليك، نرتقب صوتك، نحاول أن نؤثث إقامتك الجميلة في حبرنا وفي حرّنا وفي تحرّرنا... سنكتشف سويّا، وكل على هدى إيقاع قلبه كيف ستعبثين بكلينا، وسنقتسم معا لذة تشكيلك حتى تنشقّي عنا وترسمي لك آيات تفرّدك بالبحر... بضع أيام أخرى، أتخيلك فيها أما هو فدائم الحلم بك، صباحا يستيقظ ليحكي لي كيف أنه رآك في أحلام كثيرة لا يستطيع تجميعها، وهو سبب آخر أغتاض لأنك شاركتني مساحة مناماته... والآن أيتها اللئيمة، لا أدري متى ستقرئين هذه الرسالة ولكنني أعرف أنها ستغضبك وستفرحك في آن، فتقبّلي منّي ذلك حبّا وكرها وتذكّري أنها رسالة أولى قبل حلولك، أما ما سيأتي فسيكون من فعل نبضك، ونبضك هذا، اخترت له ميقاتا لئيما لكل شيء في حلولك، اخترت شهر نوفمبر، أي شهر مولدي ومولده...