الإهداء: إلى حومة »كَيْدَهْ« وأبنائها، بمناسبة العام الجديد »جَاءكَ الغيث إذا الغيث هَمَى« يا زمان الأنس بحَيّنَا العتيق! لم تكن مجازب الباب قبل توسّعها في الاتجاهات الأربع سوى ثلاث أنهج لا غير تقطنها العائلات القديمة أصيلةالمدينة، هذه الأنهج مجتمعة تُدْعَى بحومة »كَيْدَهْ« وهذه التسمية لا تمُتُّ بصلة إلى الكيد بل هي محَْضُ سخرية من رتبة »الڤايد« اKAIDب التّقليدية إذ كان منزله يقع في الحومة التي تحتوي كذلك على العديد من المعالم التّاريخية: المسجد الأندلسي العتيق الذي شيّده المهاجرون الأندلسيون منذ أكثر من أربعة قرون، دار القاضي التي احتضنت بين جنباتها شاعر تونس الكبير أبي القاسم الشابي. ينبعث من أعطاف الحكومة شذى العطور وعبق البخور ليذكّرني بِمَرْبَعِ الطفولة وصبْوةِ المراهقة والشباب فَتَتْرَى المشاهد متتالية من الشقاوة واللّهو البريء إلى محاولات إثبات رجولتنا الأولى التي تتعارض مع الأمر والنّهي والعقليات القديمة، عقليات أولياء أمورنا. لن أنسى أيّام تعلّم التدخين مع فوزي الرياحي الذي يكْبُرُني بسنَتَيْنِ حيث كنّا نمارس ذلك سرًّا وكأنّنا نأتي جُرْمًا عظيما... ولن أنسى كيف سافرنا على متن دراجة »بيجو« نارية إلى أقربائه في مدينة طبربة عبر العاصمة ممّا أثار صواعق الغضب عند عائلاتنا. لن أنسى أبدا استنفارنا »الصيفي« أنا وزياد الرياحي لمنع أشقائنا الأصغر سنًّا من السباحة في نهر »مجردة« التي تقول الأسطورة »المجازية« بأنّه أقسم أن يبتلع شابًّا كُلًّ سنةٍ! لن أنسى سهراتنا الصّيفية في قلب الحومة، هذه السّهرات التي تؤثثها البهجة والارتياح خاصّة إذا ما انضمّ إليها طيب الذكر المرحوم علي الصيد طيَّبَ اللّه ثراه فتنطلق الضحكات »المُعْدِيَةُ« التي قلّ من يصمد أمامها. لن أنسى »شبه« المنتدى الثقافي ونقاشاته المعمقة كلّما جلسنا على عتبة منزل عمّ بلڤاسم السالمي وخضنا في مختلف المسائل. لن أنسى أبدًا طرائف ونوادر »مَالي«،لا أقصد الدّولة الموجودة جنوب الصحراء ، بل محمد علي التوكابري أطول أبناء الحومة قامة وأخفهم روحًا. انتقلت من حومتنا العربي إلى حي »عصري« منذ سبع سنوات لكنّني أمر يوميا بحومة »كَيْدَة« فتصفعني غُرْبَةٌ قاتلة هي غربة من تركوا »الحومة« والوطن في سبيل لقمة العيش: زياد الرياحي ورضا بن موسى وأنيس اليحياوي في إيطاليا، وِفَاق ومهدي في فرنسا، طارق التوكابري شقيقي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فأتمنّى على الأيّام أن تسعدهم وترُدَّ غربتهم.