عشرات يحلمون بلبنان يشبه تونس في ثورته، احتشدوا واحتفوا، أمس، بدعوة من »لجنة التضامن مع انتفاضة الشعب في تونس«، في حديقة جبران خليل جبران، قبالة »بيت الأممالمتحدة« في وسط البلد. احتفوا بثورة بلد عربي، على الرغم من تدهور الوضع السياسي في بلدهم لبنان. احتفلوا بثورة شعبية، لا ينكرون أنها حلم جميل يصعب تحقيقه في بلدهم: بلد الطوائف السياسية. لكل منهم رأي حمله إلى الحديقة، التي تزينت بلون عشبها الأخضر، وألوان أعلام تونس الحمراء. ثمة من عبّر عن رأيه في ما جرى في تونس، بصفته تونسيا، وثمة من أعلن عن موقفه من تلك الثورة، بصفته لبنانيا. وبينهما، مشوار حلم يرويه لبنانيون، بأسلوب تتداخل فيه نبرة السعادة، والحزن، والحلم... بانتظار محمد بوعزيزي لبناني، ولو بعد حين. قبل عشر سنوات من يومنا هذا، كانت مجموعة من النقابيين والصحافيين التونسيين، تخطط سرّاً - لثورة متواضعة تطالب بعدم التجديد لولاية خامسة للرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وكانت الخطّة تقضي بتنفيذ إضرابات مكثفة في ربيع العام الحالي. واجهت المجموعة معضلات شتى، جوهرها سؤال أساسي: »من سيقف إلى جانبنا؟«. وكان السؤال نابعا من تجارب سابقة، تخللتها مثلاً - دعوة مئة مواطن للاعتصام، فيفد نصف العدد. كما كان هناك سؤال آخر يتمحور حول حاجز الخوف من العقاب. المجموعة، كما يقول أحد أعضائها الصحافي التونسي منصف بن علي ل »السفير«، لم تتخيّل للحظة، أن تشهد تونس يوماً يشبه »ثورة أهلنا العفوية، وإنما كان حلماً جميلاً بالنسبة إلينا. كان حلما يصعب تحقيقه بغتةً، لكنه تحقق بفضل شاب طيّب الذكر أشعل شرارتها الأولى«. بسعادة متزنة ورصينة، يتناول بن علي أحداث ما قبل الثورة، وما بعدها. يقول الرجل المقيم في لبنان منذ 7 سنوات، أن شاباً طيّب الذكر، اسمه محمد بوعزيزي، كان شرارة الثورة التي التحق بها شهداء كثر مثل بوعزيزي، و»فجّروا احتقاناً قديماً عند شعب مظلوم، منذ أيام الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة«. يؤكد الرجل، بوجه يعلوه التفاؤل، إنّ »الوضع حالياً ممسوك من قبل لجان عمل للتنسيق بين الشعب والدولة، كاللجنة الوطنية للوحدة والعمل«، مشيراً إلى أنه »في السابق، ارتفع أمام الشعب التونسي حاجز الخوف والرهبة. الرهبة من العقاب. لكنه تغلّب عليه من أجل مطالبه التي اجتمع لأجلها«. الحاجز هذا، وفقاً لبن علي، موجود في لبنان »لكنه حاجز طائفي، وعندما يُكسر، يثور الشعب وينتصر«. بين اللافتات المتضامنة مع تونس، ثمة لافتة يحملها شاب عشريني، تقول: (هي نفسها ظروف القهر في تونس، ولبنان). تبدو اللافتة »تونسية«، نظراً إلى وجودها بين الأعلام الحمراء. عبارة «يتيمة» بين لافتات تنبض بالقوة، وتعبّر عن الافتخار والمجد. عبارة تطلب الانضمام إلى مجد تحقق في بلاد بعيدة. عبارة تقول، من عين ثانية: »أنا مثلكم، لكنني عاجز«. على بعد أمتار قليلة، ترتبط بالدائرة الحمراء نفسها، ترفع فتاة عشرينية لافتة ماركسية، تفيد بأنه »ليس للبروليتاريين ما يفقدونه، سوى أغلالهم، وأمامهم عالم يكسبونه«.علامات السعادة واضحة على سحنة الفتاة، غير أنها ممزوجة بطيف حزين يطوف في عينيها. لا تنكر هدى، وهي ربّة منزل أتت إلى الحديقة مع طفلتها، أنها تحسد »شعب تونس على ما حققه. نحن سعداء لأجلهم. نحسدهم على قوتهم في تخلصهم من دكتاتورهم الذي جثم فوق رؤوسهم. لكننا حزانى على وضعنا، فثمة رزم من الدكتاتوريين في لبنان، نأمل بأن نتخلص منهم، في ثورة نحلم بها«. حلم هدى يشبه حلم منصف بن علي، ويشبه أيضاً حلم الذين أتوا إلى الحديقة، وتحلقوا حول دائرتهم الحمراء. روز معلمة لبنانية. تقول، بصراحة، ان »الثورة في لبنان ضرب من الخيال في ظل الطائفية الموجودة. كلٌّ يسعى إلى كرسيه فقط، ولا أحد يكترث لهموم المواطنين«. عبارة تتردد يوماً تلو الآخر في لبنان. تضيف المعلمة الثلاثينية، من باب كسر العبارة الشهيرة، قائلة: »لقد تربيّنا على الطائفية منذ الصغر. هذا دستورنا .كي نثور، علينا اجتثاث ما تربّينا عليه. هل نستطيع؟ نحتاج إلى توعية الشعب«. تتسع الدائرة، شيئاً فشيئاً، مع وصول المحتفين حاملين الأعلام الحمراء. وتتحول الحديقة إلى »أنبوب« عيّنات، فيها المبتهج، المنتشي بعظمة الثورة وانتصارها على الظلم، وفيها من »سرق« السعادة ودفنها في ثناياه، على أنها ثورة قام بها هو، وفرح بطعمها هو، كعزاء له في بلد الزعامات السياسية. تتكرر الابتسامة الماكرة نفسها، عند السؤال عن احتمال انتقال العدوى التونسية إلى لبنان، مع علامات اليأس الواضحة في الرد: »أمر خيالي. أين النقابات في لبنان؟ إنها محسوبة على الطوائف. أين الطوائف؟ إنها في الحكم. من يحكم؟ أمراء الطوائف. من المحكوم؟ نحن. هل نثور؟ عبثاً نفكّر في الأمر«، يقول منسق »المرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظفين« أحمد الديراني. ثمة قاسم مشترك بين جرعة الأمل التي يتسلّح بها الديراني، وبين الجرعة التي تحدثت عنها روز: »ضخّ الوعي في نفوس الشعب«. وعي »ينبغي على الشعب التونسي الالتفات نحوه حالياً، بعدما ثار على الظلم الذي لحق به على مدى السنوات«، يقول الدكتور علي غرسلاوي، وهو أستاذ جامعي تونسي مقيم في لبنان. ويوضح الأستاذ الجامعي رأيه، مشيراً إلى أن »الوعي اللبناني، من أجل الثورة، مفقود حالياً هنا، على عكس ما جرى في تونس، بسبب تحالف الشعب ضد الفقر والهيمنة«، غير أن هناك وعيا آخر »ينبغي على شعب تونس معرفته: لا فرق بين من وصل إلى الحكم على ظهر الدبابات، وبين من يمكن أن يأتي إلى الحكم حالياً على حساب دماء شهداء الثورة«.