تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ رئاسة الحكومة: جلسة عمل للنظر في تسريع إتمام هذه المشاريع    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    وزير الرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    قسم طب وجراحة العيون بالمستشفى الجامعي بدر الدين العلوي بالقصرين سينطلق قريبًا في تأمين عمليات زرع القرنية (رئيس القسم)    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    تونس.. زيادة في عدد السياح وعائدات القطاع بنسبة 8 بالمائة    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    القيروان: انتشال جثة طفل جازف بالسباحة في بحيرة جبلية    عاجل/ العريّض خلال محاكمته في قضية التسفير: "هذه المحاكمة ستعاد أمام الله"    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    "نائبة بالبرلمان تحرّض ضد الاعلامي زهير الجيس": نقابة الصحفيين تردّ.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    تعزيز مخزون السدود وتحسين موسم الحبوب والزيتون في تونس بفضل الأمطار الأخيرة    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    البنك المركزي : معدل نسبة الفائدة يستقر في حدود 7،50 بالمائة خلال أفريل 2025    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ حوثي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الأفضل لتونس في المرحلة الحالية نظام حكم برلماني رغم ما فيه من سلبيات
عبيد البريكي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل في حوار خاص وشامل: عبد السلام لصيلع
نشر في الشعب يوم 29 - 01 - 2011

في هذا الحوار الشامل والخاص يتحدّث الأخ عبيد البريكي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل عن المرحلة الراهنة والمرحلة القادمة في هذا الطور الانتقالي الذي مازال فيه الشارع التونسي مسيطرا على توجيه الأحداث بعد الثورة الشعبية التلقائية.. وفي الوقت الذي مازالت شعوب العالم ومازال الملاحظون والمراقبون والمحلّلون السياسيون مبهورين بثورة شعب تونس العربي المسلم الفريدة من نوعها:
انتفاضة شعب
❊ في أقل من شهر، بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 حدثت ثورة شعبيّة في تونس فريدة من نوعها في العالم أسقطت النظام القائم برموزه ومؤسساته.. ماهو دور الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الحدث الزلزال والتاريخي؟
أريد أن أؤكد انطلاقا من تقييم شخصي ان ما حدث لا يمكن أن يعدّ ثورة بالمفهوم التاريخي وبالمفهوم الدقيق للثورة. لأنّ للثورة برنامجها وقيادتها.. والقيادة طبعا هي المدعوة إلى تكريس هذا البرنامج وبعد الثورة.. هي انتفاضة شعب.. انتفاضة عارمة فعلا حقّقت انجازا لو سئل الشعب التونسي خمسة أيّام قبل أن يحقّق هذا الانجاز لما صدّق، باعتبار ماذا؟ باعتبار طبيعة نظام الحكم الذي كان سائدا، أي أن هذا النظام الذي كان يحكم بالحديد والنّار. ولكن المهمّ جدّا، ربّما الدرس الأوّل، حتى إذا استبقنا الأحداث في الحديث هو ان كلّ نظام يقوم على ما قام عليه النظام السابق يبدو قويا في ظاهره ولكنّه هشّ في باطنه، يعني أنّ النظام الذي يمارس السياسة بالقوّة والعنف يحمل في باطنه بوادر انفجار، فالنظام الأقوى ربّما هو الذي يقوم على المكتسبات الاجتماعية وعلى الحريات والديمقراطية.. هذا نظام اسقاطه صعب جدّا لأنّه يقوم على مؤسسات.. النظام التونسي لم يكن قائما على مؤسسات.
أمّا عن دور الاتحاد العام التونسي للشغل، فأوّلا، ما قبل الانتفاضة، كان الاتحاد المنظمة الاجتماعية التي تراقب، لها بعض الأخطاء في التاريخ كمنظمة في بعض المسائل، أحيانا قد تتخّذ مواقف في أقصى اليمين في المنظمة بحكم تركيبة هذه المنظمة نظرا لأنّها نقابة.. وللنقابة حدودها، وإلى آخره.
لكن الاتحاد قام باضرابات القطاعات.. وقام بالاعتصامات التي تنظمها القطاعات المضروبة.. القطاعات المجوّعة المقموعة، منها قطاع النسيج وقطاع السياحة، يعني هذه القطاعات هي التي يغلب عليها طابع الهشاشة، هذا ما سهّل دور الاتحاد فيما بعد لأنّ الحركة عندما انطلقت كانت حركة اجتماعية في جوهرها.. انطلقت من المطالبة بحق الشغل وبالمساواة بين مختلف الجهات وبالعدالة في التنمية.. وما سهّل موقف الاتحاد أيضا في التعامل مع هذه الانتفاضة هو انّ للاتحاد تصوّرا لمسار التنمية في زمان.. عنده دراساته ومواقفه، وقال إنّ تنمية مبنية على اللا عدالة بين الجهات وعلى اللا عدالة بين الفئات وعلى حرمان المناطق الداخلية من حقّها في الشغل وفي بنية تحتية متطورة وفي اقامة مواقع ترفيهية ومواقع تثقيف للشباب، هذه السياسة لن تؤدي إلاّ إلى تصحّر اقتصادي وتصحّر اجتماعي وتصحّر ثقافي.. وطبعا ثبت تاريخيا أنّ هذه الانتفاضة انطلقت من مناطق داخلية وعمّت، بعد أن كانت »الرديف« قبل، و»بن ڤردان« في مرحلة سابقة، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس هي حادثة سيدي بوزيد والشهيد محمد البوعزيزي.
حركة شعبية لم يقدها أي حزب
❊ هذه الثورة، أو الانتفاضة، هي شعبيّة تلقائيّة بحتة تجاوزت كلّ الأحزاب السياسية التونسية في الداخل والخارج، لكن هذه الأحزاب نراها تركب الموجة وتتسابق لاقتسام »الكعكة« على حساب الشعب ودماء شهدائه، ماهو تعليقكم؟
أنا أقول: مشروع لكل حزب سياسي موجود سواء كان علنيا أو سرّيا، أن يتعامل مع هذه الانتفاضة.. مشروع له.. ولا أريد أن أستعمل عبارة »أن يستغل« هذه الانتفاضة ولكن أن يتعامل معها وفق الأهداف التي رسمها لنفسه.. يعني جيّد جدّا عندما قلت: هذه الانتفاضة لم يقدها أي حزب سياسي، بل أذهب إلى أكثر من ذلك، تجاوزت كلّ تصورات الأحزاب السياسية وقراءاتها، أنآ لا أقول لم تهيّئ لها الأحزاب السياسية ولكنّها تحاول أن تستفيد من هذه الحركة، وهذا أمر أعتقده طبيعيا، ولكن الاشكال ليس هنا.. الاشكال هو: كيف يمكن أن »تستغل«أو أن تتعامل هذه الأحزاب السياسية مع الحدث من أجل تصور بنّاء يؤدّي إلى تمكين الشعب من حقّه في الممارسة الديمقراطية مستقبلا.. المهمّ هنا.. وأنا لا أستطيع أن أحاسب أو ألوم أي حزب سياسي.. كلّ حزب يريد أن يكرّس قناعاته من خلال ما توفّر اليوم لكن المشكل ليس هنا.. لا نريد لهذه الانتفاضة، دائما أقولها، أن تعود إلى الوراء.. لا نريد أن نسهّل عمليّة الالتفاف عليها، وهي ممكنة جدّا وبطرق مختلفة.. ونعرف تاريخيا أنّ عديد الثورات عندما لم تُحْمَ،، ولم تُحْمَ المبادئ.. وعندما لم تستطع التكتلات أو القوى السياسية الارتقاء إلى مستوى القدرة على استغلال ما تفرزه الثورة أو الانتفاضة، سهل جدّا أن يتمّ الارتداد على هذه المبادئ، وقوى الردة مازالت حيّة.
طبعا عندما أقول لا يجب أن نرتدّ عن هذا، ويجب أن نقوم باصلاحات كثيرة لابدّ أن أشير إلى أنّ نتحدّث عن الاصلاحات نقرّ أيضا بمكاسبنا الاجتماعية في التاريخ التي لا يجب أن تمسّ مثلا، أتحدّث دائما عن مجلّة الأحوال الشخصية في كلّ المواقع، هذا انجاز تاريخي. اليوم إذا أرادت أي مجموعة أن تدعو إلى اصلاح فيه تراجع عمّا حوته مجلة الأحوال الشخصية وبعض تنظرات الحضارة في تونس، أعتقد أنه يجب أيضا أن يتفطّن المجتمع إلى ذلك.
حكومة ائتلافية
❊ بعد هروب بن علي تشكّلت حكومة وطنية مؤقتة كان الاتحاد العام التونسي للشغل فيها، ثمّ انسحب.. لماذا هذا الانسحاب؟
هذا السؤال تردّد كثيرا، يقول: كيف يمكن للاتحاد أن يدخل في مشاورات ثمّ يتراجع؟.. قبل هذا، اسمح لي أنّ هناك مسألة لابدّ أن أوضّحها، ذلك أنّ هناك عددا من المشكّكين يطرحون سؤالا جوهريّا هو: أيّة علاقة للنقابة بالسياسة وما دخل النقابة في الحديث عن الحكومة؟ أجبت عن هذا مرّات وقلت: الاتحاد في جوهره سياسة.. الاتحاد عندما نشأ لم ينشأ منظمة حرفية مهنية ضيّقة تطالب بتحسين الوضع المادي، بل انّه نشأ منظمة واعية عبر قياداتها، لأنّ تحسين الوضع المادي لا يكون إلاّ عبر اجتثاث الاستعمار الفرنسي. اذن، فهو هدف سياسي في أصله. ثمّ مع حكومة بورڤيبة، أوّل حكومة تتشكّل في تونس والتي أوكلت إليها مهمّة بعث المجلس التأسيسي، كانت متشكّلة في نصفها من نقابيين.. نصف حكومة بورڤيبة أعضاء في الاتحاد العام التونسي للشغل. إذن، منذ انطلاق بناء الدولة الحديثة كانت المنظمة ممثّلة في هذه الحكومة. وأكثر من هذا أنّ البرنامج الذي أعدّه الاتحاد في شخص أحمد بن صالح وكان هو المشرف آنذاك، اسمه البرنامج الاقتصادي والاجتماعي اعتمد في بناء الدولة الحديثة.. هذا المعطى الثاني.. والمعطى الثالث نحن لسنا منظمة متحزبة.. نحن منظمة مستقلّة عن الأحزاب.. هذا طبعا يعني أن تكون المنظمة معنية بتقديم تصوراتها السياسية رغم أنّها ليست متحزبة.. لا يوجد أي حزب يمثّلنا، لا الحزب الحاكم ولا أي حزب آخر.. نحن فقط الآن ممثّلون عبر الاتحاد العام التونسي للشغل، اذن من حقّنا أن نبدي وجهة نظرنا السياسية من خلال وجودنا في السياسة.
الآن، آتي إلى سؤالك، عندما بدأت الاستشارة، أوّل ما تمّ التوجّه إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، قالوا: ما رأيكم؟ قلنا: رأينا أن تتشكّل حكومة ائتلافية، هذه الحكومة الائتلافيّة يجب أن يتوفّر فيها شرطان. الشرط الأول أن تكون خالية من كلّ رموز النظام السابق، يعني كلّ شخص تحمّل مسؤولية وزارية في عهد حكومات بن علي لا يجب أن يكون في هذه الحكومة.
أمّا الشرط الثاني فيجب أن تكون هذه الحكومة ممثلة لكلّ الأطياف السياسية في البلاد.. عندما أقول الأطياف السياسية أنا استثني الحزب الحاكم وأستثني أيضا الأحزاب التي كانت موالية والتي كانت تدافع عن الحزب الحاكم أكثر من الحزب الحاكم، وهي معروفة، هذه التي تمّ التزيين بها في المشهد السياسي. هذا هو الموقف المبدئي للاتحاد، ولم نتحدّث عن بقيّة الأسماء، هذا هو الاشكال، يعني الأمين العام عندما كان يفاوض ويتشاور لم يتحدّث عن بقيّة مكوّنات الحكومة.. قدّمنا هذا التصور وانتظرنا.. لم نكن نعرف الأسماء سوى ستّة، ثلاثة قدّمتها الاتحاد.. وثلاثة قدّمتها أحزاب المعارضة التي تحدثنا معها، حزب مصطفى بن جعفر ثمّ نجيب الشابي ثمّ أحمد بن ابراهيم.. ستّة كنّا نعرفهم.. فوجئنا بهذا، كان موقفنا ردّة فعل آنية لأنّ هذا لا ينسجم مع ما حدّدناه من شروط اذن، نسحب مرشحينا من هذه الحكومة لهذا السبب سحبنا مرشّحي الاتحاد العام التونسي للشغل.
مازلنا على شروطنا
❊ هل مازالت نفس شروطكم قائمة للدخول في أي حكومة وحدة وطنية؟
في يوم الجمعة الماضي اجتمعنا في الهيئة الادارية للاتحاد أعدنا التقييم وكان الموقف واضحا هو الدعوة إلى حلّ الحكومة وإلى إعادة تشكيلها وفق الشروط التي حددناها سابقا ووفق مطالب المتظاهرين. أنا لا أفهم الآن كيف يقتنع رئيس الحكومة بالتراجع عن هذه الحكومة والمسيرات تجوب الشوارع من شمالها إلى جنوبها؟.. غير طبيعي.. لماذا لا يقتنع بأن تكون ممثلة لكلّ الأطياف السياسية وهم بصدد تمكين هذه الأحزاب من تأشيرات يوميّة؟ هذا هو الاشكال . وها أنّهم أخذوا كلّهم تأشيرة، لماذا لا يتمّ إدراجهم في الحكومة؟ ثمّ لماذا لا يقع إبدال هذه الوجوه المعروفة.. والشعب التونسي كلّه يعرف التاريخ الآن؟ وأعتقد أنّه من المفروض حلّ الحكومة وإعادة تشكيلها من جديد وفق هذه الشروط ليطمئن الشارع على الأقل ولنتفرّغ إلى أشياء أخرى أهمّ من هذه التشكيلة.
مدّة غير كافية
❊ هل مدّة ستة شهور القادمة كافية لملء الفراغ السياسي في البلاد وإجراء انتخابات تشريعية وبلدية ورئاسية؟
لا.. إجراؤها لا.. ستة أشهر لا أعتقد، وإنّما ربّما تهيّئ الستة أشهر المقبلة. المسألة مسألة تركيبة وتشكيلة وإرادة. يعني مثلما قلت إذا أصبحت الحكومة على هذه التركيبة ويفسح المجال للاصلاحات السياسية فإنّ ستة أشهر كافية للإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية. أعتقد ذلك.
المصداقية والآليات
❊ ماهي رؤيتكم للمستقبل السياسي في تونس بعدما تمّ العفو التشريعي العام والاعتراف بكل الأحزاب السياسية وعودة المنفيين وإطلاق سراح المساجين السياسيين؟
هنا الإشكال.. هذه اجراءات جيّدة.. وهي طلبات الشارع وأنا لا أريد أن أقول انّ أوّل بيان أصدره الاتحاد العام التونسي للشغل يتضمّن هذه المطالب بالضبط.. بالضبط.. فيه دعوة إلى محاسبة بن علي وتجميد الأرصدة وتأميم الممتلكات.. فيه الدعوة إلى حكومة برلمانية.. وفيه اصلاحات سياسية وإلى آخره.. ثمّ اطلاق سراح كافة المساجين ومسألة الاعلام لكن المشكل دائما في الآليات الكفيلة بتكريس هذه القرارات.. لا يمكن في اعتقادي أن تكون حكومة متألفة بهذا الشكل قادرة على تكريس هذا.. نحن كنّا نسمع من قبل في عهد بن علي الرئيس المخلوع مثلا أنا آخذ بيان سبعة نوفمبر، آخر جملة فيه »لا ظلم ولا قهر بعد اليوم«، ثلاث سنوات أولى كانت هكذا، اختمار وإلى آخره، ولكن بعد ذلك أصبحت القاعدة العامة هي الظلم والقهر، وكل واحد يختلف معه في الرأي إلاّ وكانت النتيجة مسألة معروفة. المشكل ليس في الخطاب.. المشكل ليس في القرار... المشكل في كيفية تطبيق هذا القرار. انّ تطبيق هذا القرار يكون بأناس يملكون من المصداقية ما يكفي.. أو يتمتّعون بمصداقية تؤهلهم لإنجاز هذا وليسمعهم الناس على الأقل.. ثمّ الآليات الكفيلة ماهي؟ اليوم لابد من ارجاع المؤسسات.. لابدّ أن يعود الحكم بمؤسسات لأنّ الحكم السابق ليست فيه مؤسسات.. اليوم مؤسسة القضاء المستقل يجب أن تعود.. ومؤسسة الاعلام الحرّ يجب أن تعود.. ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن تعود.. يجب أن يكون بالفعل حكما قائما على دولة القانون والمؤسسات.. هذه هي الآليات الكفيلة بتطبيق ذلك.
السبيل الأفضل
❊ في رأيكم ماهي الشروط التي يجب أن تتوفّر في رئيس تونس القادم؟
رئيس تونس القادم يجب أن يحكم عبر الفصل بين الحزب والدولة، يعني هذا هو مربط الفرس.. اذا استمررنا في الحكم الرئاسي وفي نمط الحكم الرئاسي دون ان نقرّ بالصياغة العملية للفصل بين الحزب والدولة لن ننجح وسنعود إلى حيثما كنّا. لماذا؟ لأنّه سابقا عندما يطلع الرئيس.. عندما »يُنتخب« بالطرق المعروفة، كانت النتيجة معروفة، يسعى إلى أن يصبح ممثّلاً لحزبه.. الرئيس لا يمثّل حزبه في الرئاسة.. هو يمثّل كلّ الأحزاب عندما يصبح رئيسا.. ويجب أن يحكم بهذا الشكل.. الرئيس عندما يأتي لتعيين رئيس مدير عام لشركة لا ينظر في هويته السياسية.. ينظر في كفاءته فقط.. هياكل الدولة يجب ان تتحرّك بعيدا عن الانتماءات الحزبية.. اذا نهجنا بذلك.. وإذا ألزمنا الرئيس بالحكم عبر قانون واضح ودستور واضح تتمّ فيه تنقيحات جوهريّة تسير في اتجاه تكريس ديمقراطية فعليا، أعتقد أنّ ذلك هو السبيل الأفضل للحكم الرشيد.
نظام برلماني
❊ هل من الممكن أن يقع إقرار نظام حكم برلماني؟
وارد جدّا.. هذا هو الطلب.. وهذا هو الأفضل جدّا رغم ما فيه من سلبيات، قد لا يكون حكما قارا نظرا للانتخابات المتعدّدة.. لكن أفضل سبيل الآن في المرحلة الحالية هو هذا النظام البرلماني.
ظاهرة انفلات
❊ لو تواصل الانفلات في البلاد.. ولو فشلت القوى السياسية التونسية في اختيار رئيس جديد هل تتوقعون تدخل الجيش لحسم الموقف واستلام الحكم؟
أنا دائما عندما أفكّر في هذا الأمر بشكل شخصي وهذه ليست مسائل نقابية أحاول أن أستبعد هذا الاحتمال.. أحاول أن أستبعده رغم انّه ليس مستبعدا، أحاول استبعاده لأنّ في النهاية اذا حدث هذا الفراغ، واذا واصلنا في ظاهرة الانفلات في بعض المسائل، اتحاد الشغل الآن ربّما هو في حيرة إزاءها، كأن تأتي جماعة للسطو على مؤسسة أو لشل حركتها، من هؤلاء؟ من يقودهم؟ من أين هم؟ إلى آخره.. هذا الاعلام الذي وكأنّه كان في قفص وخرج.. يعني هناك ظاهرة انفلات في مستويات متعدّدة نخافها بصراحة. عندما تصل مرحلة الانفلات نخشى أن تسير الأمور في اتجاه النقيض، عندئذ نخسر كلّ ما أنجزناه.
الاهتمام بالسياسة
❊ بالإضافة إلى نشاطه النقابي، هل سيواصل الاتحاد العام التونسي للشغل اهتمامه بالسياسة؟
الاتحاد لا يمكن أن لا يهتمّ بالسياسة.. سيواصل اهتمامه بالشأن السياسي.. لأنّ هناك تلازما بين ثلاثة أشياء إذا قيّمناها.. نحن فعلا نريد الاصلاحات الاجتماعية، لكن هل يمكن ان تنجز الاصلاحات الاجتماعية دون ارادة سياسية قوية ودون سياسة؟ لا.. الخيارت السياسية هي التي تؤثّر في الاجتماعي وهي التي تؤثر في الاقتصادي، اذن اذا أردنا ان نحسّن الوضع الاجتماعي ومكتسبات العمّال يجب ان نواصل الاهتمام بالسياسة، وليس بالاجتماعي والسياسي فقط السياسي لا يتطوّر الاّ باعلام حرّ يدفعه الى الأمام، فنحن معنيون اذن بالشأن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومعنيون بشأن الاعلام في بلادنا.
مسألة غير واردة
❊ هل من الممكن ان يتحول الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حزب عمّالي؟
مستحيل.. الى الآن المسألة غير واردة.. الاتحاد سيحاول هذا رأي النقابيين أن يكون بعيدا عن الصراعات الحزبية، وليس بعيدا عن السياسة.. لا يريد ان يزجّ بنفسه في هذه الصراعات. أكثر من هذا الحزب العمّالي لا يقلقنا كنقابيين فقط وإنّما حتى الحساسيات السياسية قد تغضب لهذا الخيار لأنّ الاتحاد تقريبا هو المنظمة الوحيدة المنظمة في البلاد بهياكلها الوطنية، وبالهياكل الجهوية والمحلية والقطاعية، عنده تنظيم كامل يتحرّك وفق أهداف وتوجهات ووفق منطلقات معيّنة، لهذا السبب لا أعتقد أنّ مسألة الحزب العمّالي مطروحة الآن لأنّها مثلما قلت تُدخلنا في صراعات حزبية نحن لا نريدها الآن.
فترة صعبة جدّا
❊ في رأيكم ماهي تأثيرات ما وقع في تونس على الأوضاع الاقليمية والعالمية؟
الفترة المقبلة ستكون صعبة جدّا بالنسبة إلى آيّة حكومة. لماذا؟ لأنّ هناك أوّلا في الوضع الداخلي توترات، والوضع الاقتصادي فيه مشاكل نتيجة هذه المؤسسات.. الاقتصاد التونسي مبنيّ على السياحة، وآفاق السياحة أصبحت غير واضحة لأنّها دائما مرتبطة بالأمن في البلاد، أعتقد انّ هذا المتنفس بالنسبة إلى الاقتصاد التونسي في التصدير سيتواصل.. لكنّنا ربحنا أشياء كثيرة، أوّلا علّمنا اشقاءنا العرب درسا أي من أراد الحياة لابد أن يسعى إليها والقدر سيستجيب، يعني اتضح الآن أنّ الشعب التونسي هو شعب ارادة أبي القاسم الشابي.. وأعتقد أنّ هذا سيكون انطلاقة بالنسبة الى الآخرين مثلما يحدث الآن في بلدان عربية.. أصبح كلّ الناس يطالبون بالشغل وحتى نزعة الاستشهاد عن طريق الحرب أصبحت »عدوى«. أرقى أشكال المواجهة ان يضحّي الشخص بنفسه من أجل الآخر وفي اطار الاحتجاج عمّا يحدث.. هذه »العدوى« بدأت تنتقل الى الآخرين، وما ربحناه في المستوى الاقتصادي الآن سيتقلّص خوف المستثمرين التونسيين والعرب والأجانب. في الماضي ماذا كان يحدث في تونس؟ ان تأتي لإنجاز استثمار معيّن يأتيك »جماعة الطرابلسي« لأخذ حصّتهم وإلاّ لا يقع استثمار.. وأحيانا هم يأخذون الثلثين وأنت تأخذ الثلث بأموالك.. سيتحسّن الاستثمار، وستنتهي عملية السطو والتسلّط، اذن، هذا ما قد يطمئن المستثمر في تونس وحتى المستثمرين العرب والأجانب، علما أنّ عددا من المنظمات الدولية اتصلت بنا وأبدت استعدادا لمساعدة العمّال في تونس، وكاتحاد لم نتخذ قرارا في هذا الشأن.
طور انتقالي
❊ في نهاية هذا الحوار، هل من إضافة؟
الوضع صعب ومعقّد.. المرحلة مثلما قلت منذ البداية تقتضي وحدة كلّ القوى الوطنية من أجل واقع أفضل. أنا ربّما دعوت الى هذا من زمان وأعيده، اليوم المرحلة ليست مرحلة صراع بين الأطياف السياسية وليست مرحلة صراع حول »أنا أرى طبيعة المجتمع كذا.. وأنت تراها كذا.. إلى آخره...«. على هذه القوى أن ترسم لنفسها أهدافا آنية يشترك فيها الجميع لنتعامل مع هذه المرحلة تعامل المحنكين سياسيا والقادرين على اخراج البلاد من هذا الطور الانتقالي هذا أفضل ما يمكن أن تنكّب عليه كلّ المجموعات السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.