إذا كانت الطّباع طباع سوء فليس بنافع أدب الأديب (1) كل امرئ راجع يوما لشيمته وإن تخلق أخلاقا إلى حين (2) مباشرة بعد قيام الثورة والانتصار على الدكتاتور وزبانيته طالعنا الإعلام المرئي في تونس بتغيير اسم قناة 7 إلى القناة الوطنية التونسية ولكن يبدو واضحا ومع مرور كل يوم بأن تغيير اسم القناة قد جاء بجرّة قلم وأن الساهرين على تسييرها هم من حاشية وابواق النظام البائد والعميل الفاسد مازالوا يلعبون بالنار وطبعهم يبلغ تطبعهم فهم يرومون المراوغة واستبلاه الجماهير. من وسخته غدرة أو فجرة لم ينقه بالرحض ماء القلزم (3) لقد تناسى هؤلاء بأن شهداء الثورة وشبابها الثائر الذين دفعوا ومازالوا يدفعون ثمن الحرية بأغلى ما لديهم يريدونها قناة وطنية قلبا وقالبا شكلا ومضمونا وليس شعارا أجوف يعيدها بمرور الأيام إلى صنيعها الفاسد المعهود والمألوف والذي بلغ درجة عالية لا تضاهيها ولا تعادلها درجة اعلامية في العالم من التطبيل والتزكير وتزييف والواقع. لقد خرجت كاميرا التلفزة الى الشارع كعادتها وبنفس التمشي الساذج والعمل الصحفي الحقير لتسأل من اختارتهم مسبقا عن السوق واثمان الخضر والغلال والحوت واللحوم والبيض والدجاج وعن الحركة الاقتصادية عموما لتلقى أجوبة سمعناها بالامس القريب: كل شيء موجود كل شيء متوفر والحمد للّه لا بأس علينا الاثمان رخيصة الاثمان في متناول الجميع.. وهنا نتساءل من يخاطب هذا الاعلام الرخيض؟ من يخاطب هذا البوق الذي أبقه ولفظه الشعب وقال كلمته فيه حينما زلزل أركان عرش أسياده؟ هذا البوق كان يقول عن الرئيس السابق حامي حمى الدين والدولة واليوم أصبح ينعته بالفار والمخلوع. وحينما كان يسمي من اطلقت العنان لعائلتها كي تفسد الحرث والنسل وتأتي على الاخضر واليابس بتوجيهاتها سيدة تونس الأولى. هذا الإعلام البائد مازال يراوح مكانه بالحديث عن برويطة الشهيد البوعزيزي وتمجيدها وحول ريبورتاجاته في سيدي بوزيد للحديث عن عالم البراوطية وفي حقيقة الامر لا يمكن إلا ان نقول له دع برويطة البوعزيزي جانبا ولا تتخذها قميص عثمان به تتاجر. هذا الاعلام لا يستحي بعد أن زلزلت الثورة كل معاقل الرجعية والانتهازية وقصفت الاراجيف والبرامج التمويهية تطلع علينا لتشدنا سهرة كاملة للحديث عن أوال السباح التونسي أسامة الملولي ومشكلته وعائلته مع رئيس جمعية السباحة التونسية. ان الاعلام الذي اشتشهد من أجله الكثيرون من شباب وكهول تونس وقمع واضطهد وجرح من أجله الآلاف يريدونه اعلاما يتحدث في مسائل جوهرية تسير خطوة خطوة مع انجازات الثورة وحتى تتحقق الديمقراطية التي تقوم على الفصل بين السلطات، الفصل بين الدولة والقوانين المنظمة للمجتمع، حق الشعب في انتخاب كل مؤسسات الدولة من لجان تسيير الاحياء إلى المجالس البلدية والجهوية إلى الولاة والمعتمدين إلى البرلمان ورئاسة الدولة، إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، حرية الإعلام والنشر والتعبير والتنظيم والغاء كل القوانين والتراتيب المقيدة للحريات الاساسية، سحب الامتيازات الخاصة من كل الممثلين الذين يتم انتخابهم والاكتفاء بتمتعهم بالأجور التي يحصُلون عليها في وظائفهم السابقة، حل البوليس السياسي وكل أجهزة القمع الخاصة، فصل المؤسسات التربوية عن الأحزاب وتوكيل ادارتها إلى الاساتذة والطلبة والتلاميذ ضمن مجالس ادارة منتخبة. كما ان الحديث عن تحقيق المطالب الاجتماعية عبر الإعلام لا يجب ان يكون من خلال حوارات هابطة وساذجة تتحدث عن ثمن كيلو السمك، اللحم، البطاطا، البصل، الليمون، الظروف السكنية التعيسة، البنية التحتية المفقودة فهذا في رأينا عمل تضليلي مبرمج يمعن رغم قيام الثورة في تضليل الجماهير واستغبائهم بل من خلال تطبيق المهام العاجلة المطالب بإنجازها بشكل مباشر وفوري وخاصة منها الترفيع الفوري في الاجور وتقليص الفوارق بينها التخفيض الفوري في أسعار المواد الاساسية والمحروقات، تمكين المعطلين عن العمل من منحة قارة وتغطية اجتماعية وصحية مجانية، الترفيع الفوري في منحة الدراسة للطلبة وتعميمها دون شروط الترسيم المجاني في مفتتح السنة الدراسية والجامعية لكل الطلبة وإلغاء الطابع الجبائي في المناظرات الوطنية وإعفاء الطلبة من الدفوعات عند الترسيم للامتحانات، الترسيم الفوري لكل العمال الوقتيين والمتعاقدين والإلغاء المباشر لكل أشكال المناولة، ان دمّ الشهداء الذي سقى أغلب تراب بلادنا العزيزة تونس لا يمكن ان يكون مدادا يطالب بانجازات عملاقة في مستوى الثورة ولا ان يتحول إلى صالونات اعلامية حوارية » بلاتوات« تفرغ فيها الجعب وتنفس من خلالها الأفواء ونعود بذلك فرحين مسرورين! (1) شاعر (2) ذو الإصبع (3) ذو المجدين