ردّا على »الشاعرة« آمال موسى في مقالها »تونس وتغيير التغيير« المنشور بصحيفة الشرق الأوسط الاثنين 17 جانفي أرسلت هذه المادّة إلى ذات الصّحيفة مباشرة بعد صدور مقالتها في الشرق الأوسط التي فيها »للشاعرة« آمال موسى على ما يبدو ركائز ودعائم و»أكتاف« ضمن منطق المحسوبيّة الذي يفيض على خارطة الأقطار العربيّة. أرسلت للشرق الأوسط التي هي وكما يشار بلا انقطاع »جريدة العرب الدوليّة«، أنا عربيّ ربّما لكن ربّما »الشاعرة« أكثر عروبة منّي. »الشّاعرة« التي كانت آخر ما لجأ إليها النظام كآخر ورقة خاسرة على شاشة قناة 7 السّابقة أو المخلوعة، فلم يرد لها ربّما- »أكتافها« الحارّة (السّخان) أن تنشر مادة نردّ فيها على نوع من الحيرة هي تؤرّقنا الآن، حيرة في سرعة »قلب البرنس« من أجل مطر لا يجب أن ينقطع، وهو مطر يتّجه طبعا إلى الجيب. وبعد أن صارت بلادي لي فكّرت جديّا في الردّ على الشاعرة وعلى »الشرق الأوسط الدّولية« في »جريدة الشعب التونسيّة«، وهذه »الشّاعرة« التي تطلّ على الملتقيات الشعريّة في كلّ مرة إطلالة »نجوميّة« لتبدأ كما يبدأ أشباهها بالتسبيح باسم بن علي الفار والوالي والعمدة إلخ...وهي تمثّل أنموذجا لهذا المثقّف الذي يعيش في صالة معضلته الحاضرة لكننا اخترنا الردّ عليهم من خلالها لأنها تمثل المثقفة الأجدر بالرّد من غيرها. طبعا ستستغرب السيّدة آمال موسى وستسأل شخصها الكريم ثمّ وبمادة مكتوبة في منبر من المنابر المتاحة لها عن هويّتي، فمن أنا حتّى أردّ عليها وعلى مؤنّثها الذي من ريح؟. وستكفي صفتي البسيطة الآتية: أنا (ولا أعوذ بالله من كلمة أنا) من أولئك الذين لم يشاركوا »الشاعرة« المذكورة في قهوتها كلّ خميس على صفحة من صفحات الصّباح التونسيّة لمرارة تلك القهوة السّامة. ولقارئ نبيه أن يعود إلى أرشيف الصّباح التونسيّة حتّى يتفطّن لما نتفطّن له. للتوّ تركت عصاي واستسمحت لجنة الحيّ وأمسكت عصا القلم فقط من أجل كلمة بسيطة فيما تحاول السيّدة آمال موسى قوله بأساليب ملتوية. في حين كان يكفي أن تقدّم اعتذارا صريحا من الشعب التونسي ومن التّاريخ ومن الشعر الشّفيف. في مقالتها المنشورة في الشرق الأوسط تحت عنوان »تونس وتغيير التغيير« الاثنين 17 جانفي والتي أجبرتني على ترك تلك العصا المقدّسة وحتى أكشف للقارئ الكريم ما ستأتي عليه هذه المادّة علما وأن نفس الحرقة التي كانت دفعتنا إلى مسك العصا مع »أولاد الحومة« هي نفسها ما يجعلنا نمسك القلم وهي أيضا ما جعلنا لا نسقط فيما سقطت فيه آمال موسى وغيرها كثير. نحن نرفض العنوان سيّدتي »تونس وتغيير التغيير«، فهذا »التغيير« بألفه ولامه التعريفيّتين يثبت اليوم وبالواضح زيفه، إذ هو لغة صمّت الآذان وحالت بين الحقيقة والعالم. لم يكن هناك من تغيير سوى هذا اليوم، ونحن نرفض »كلجنة حيّ« عامرة بالحياة وبالصّدق لأيّ ممّن كان بوقا لتغيير مزيّف أن يحاول أخذ ميكرو من ميكروفونات التغيير الحقيقي الذي مازلنا نصنعه وسندافع عنه ولن نتراجع عن ذلك لأنه حقيقيّ كما تتراجع اليوم السيّدة موسى لتبحث عن زهرة أخرى لأجل امتصاصها بعد أن اتّضح زيف هذا »التغيير« الذي شربت منه السيّدة موسى »قهوات« كثيرة. طبعا لم تكن آمال موسى الوحيدة التي كان لها فنجانا ضمن المائدة المغتصبة من الشّعب، فغيرها كثير. لقد مثّلت السيّدة موسى سيفا مسلولا من سيوف الحزب الحاكم المخلوع الكثيرة، إذا ما صحّت لنا هذه الاستعارة من التّاريخ الإسلامي. فلقارئ أن يعثر في صفحة »الشّاعرة« في موقع جريدة الشرق الأوسط نفسها تبريرات عديدة لما تعتبره الأوساط الشعبيّة والحقوقيّة جريمة واضحة، انظروا مقالتها التي عنوانها »الرّابطة التّونسيّة لحقوق الإنسان وعنق الزّجاجة« وتردّ هذه الأزمة التي دامت طويلا لأشخاص بعينهم وأن بن علي الهارب »حيث دعا الأطراف المعنية بموضوع الرابطة إلى العمل الجاد لتجاوز أزمة هذه المنظمة العريقة خلال الأشهر الستة المقبلة« هذا ما استخلصته السيّدة موسى من »خطاب الرئيس زين العابدين بن علي في الذكرى الثالثة والعشرين للتحوّل« ثمّ وفي مقالة أخرى منشورة في نفس المنبر الشرق الأوسط تتوخّى السيّدة نفس الأسلوب بتبرير الحادثة التي أشعلت الثورة التونسيّة باختزالها في قولها »تصرفات فردية غير لائقة من طرف أعوان البلدية« هذا ما دفع البوعزيزي المسكين إلى إحراق نفسه وإحراق الصّدور حسب رأي »الشّاعرة« التونسيّة. واضح أنها عانت الكثير في كتابة هذه الموادّ لأنّه وكما لا يخفى على أحد من الصّعب أن تجد تبريرات مقنعة للجريمة. وأعرف كواحد من »لجنة الحيّ« أنها ستعاني الكثير دون أن تتمكّن من تبرير ما فعله قلمها بأعصابنا وبمرحلتنا التّاريخيّة الماضية. وسوف لن تتمكّن من تطهير قلمها إن صحّت العبارة لأننا نؤمن إيمانا راسخا أن القلم لا يمكن أن يكون ملكا للذي يعاني من انفصام ثقافيّ وفكريّ وحتى إيديولوجي. مع أنّ في حوارات لجنة الحيّ الليليّة كنّا نجد أحيانا مبرّرات للذي أجبر على تخبئة ضميره أثناء الاستبداد الماضي مع شرط الاعتراف من لدنّ الذين خبّؤوا ضمائرهم بصريح الاعتراف. والحال أن السيّدة آمال موسى تحاول عبر قلمها الملتوي الخروج »من عنق الزّجاجة« فإنّها تصرّ على مغالطتنا نحن كلجان حيّ. الكثير من النخب التونسيّة تحاول هذا اليوم عبر منابر ك»التلفزة الوطنيّة« التي وبعد خلع بن علي لم تتفطّن إلى الرقم »7« إلا بعد تثبّت طويل. وهذا دليل قاطع على أنّ الرّقم »7« مازال رقما فاعلا في كواليس تلك التلفزة. الدّليل القاطع على ذلك أنّ مراسلين إلى الشوارع التونسيّة القريبة وإلى المقاهي المجاورة مازال على لسانهم ثقل في نطق الاسم الجديد للقناة التونسيّة الرّسميّة بل وبعضهم يزلّ لسانه فينطق الرّقم »7«. ولا أنّ السيّدة موسى بدورها تعوّدت هي الأخرى على الرّقم المذكور. فلماذا تلحّ في المقالة التي نعقّب عليها المنشورة في الشرق الأوسط على مغالطتنا بمحاولة تبنّي رقمنا الجديد. تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ موسى كاتبة المقالة المذكورة تحاول مغالطة قرّاء الشرق الأوسط كما يحاول الكثير اليوم في تونس وذلك بجعل هذه الثورة ثورة فارغة ممّا هو نخبويّ أو ثقافيّ. وتحاول جاهدة أن تجعلها مجرّد ردّة فعل عفويّة عن الجوع. سأقول للسيّدة آمال ما نقوله اليوم أثناء حكاياتنا الليليّة لنسيان الخوف والبرد في ليالي لجان الأحياء الطويلة أنّ لو كان مطلب هذه الثورة هو ملء البطون لكان النظام وجد حلا سهلا لذلك ولكانت الثورة تلك انتهت على إثر الخطاب الأخير المموّه لبن علي المخلوع. وأنها لغياب السيدة موسى عمّا حدث فهي لم تكن ترى مطلب »الحرّية« في العيون، »الكرامة« في الأيادي، »الحلم« في القلوب. لقد كان المثقّف الحقيقي والذي كانت آمال موسى من بين الكثير الذين شاركوا في إقصائه من المشهد الثقافي التونسيّ قد تماهى مع تلك الشعوب واندسّ بينها من أجل بعض الدّفء ولأنّه لم يستطع بيع كلمته ولا ذمّته. فتونس النظام المخلوق لم تكن مجتهدة كما تقولين في مقالتك »تونس والصّدمة الخلاقة« المنشورة في الشرق الأوسط لا في »التحديث« ولا في »التنمية الاجتماعية« كما تقولين وكما تعلمين وكما لأيّ مطلع أن يتأكّد من ذلك اليوم بعد خلع النظام بثقافة ثوريّة لن يقف أمامها شيء. الحقيقة أنّه وقبل أن أعود إلى الوقوف إلى جانب الأصدقاء في لجنة الحيّ ومسك العصا بدل القلم، أنه لو لم تكن »الشاعرة« آمال موسى شخصيّة من شخصيّات المسرحيّة التي حيكت في آخر نفس للنظام وذلك ليلة سقوطه صحبة ممثّلين آخرين كسامي الفهري ومعزّ بن غربيّة وغيرهم لكنّا صدّقنا قلمها ولما كنّا وضعنا كلمة الشّاعرة بين مزدوجين. إذ نحن نؤمن أنّ على الشعراء وعلى كلّ مثقّف حرّ ووطنيّ أن يلتحق اليوم بلجان الحيّ بعصاه وبقلمه كما يفعل شعراء وكتّاب ومثقّفون لا تعرفهم صحيفة الشرق الأوسط ولا غيرها من الصّحف. ونحن نطلب من المشهد الثقافي الرّسمي التونسي الذي كان يدا فاعلة في اغتصاب شعب كامل بمثقّفيه وبكامل ألوانه والذي هو اليوم بصدد البحث عن مخرج حال آمال موسى أن يلزم الصّمت بعد أن يقدّم اعتذارا رسميّا من هذا الشعب وقد قرّر عدم الصّمت، لأنّه سيهذي حارسا للبلاد بعصاه ليلا ونهارا وسيلتجئ إلى القلم إن وجب الأمر.