كان سقوط النظام المصري حدثا جللا حتى أنني احتجت الى دموع لم أجدها. عشت مساء الجمعة الحادي عشر من فيفري كأبهى ما يكون: السيارات التونسية كانت تصرخ بمنبهاتها في كل مكان، ليس من اجل مقابلة رياضية للمنتخب وليس من اجل حملة مناشدة لبن علي!! بل من اجل انتصار الشعب المصري العظيم الذي عاش إذلالا وقمعا وبطشا في ظل فرعون الجديد الذي سام الناس سوء العذاب. تذكّر الناس جميعهم قصة فرعون حسب النص القرآني وتحرّك المخيال الشعبي وثأرت الاشياء القديمة لنفسها. فللقدامة سلطانها الآخذ ومكرها القاتل. كنت أهذي في الشوارع، اقتربت قليلا من شارع 14 جانفي 2011 فوجدته مليئا بالعصافير التونسية التي سبقتني الى الغناء منذ سنوات. كان الشارع الرئيس يضجّ بعصافير الاتحاد العام لطلبة تونس التي غنت بصوت واحد »من تونس حتى لمصر... ثورة... ثورة حتى النصر«. ومن امام مقهى الكون قاد الطلبة مظاهرة شارع الحرية 14 جانفي 2011. اخيرا، عادت لي النخوة التي كسرت ربع قرن في ظل نظام أحرق الزرع وأهلك الضرع. II مساء السبت 12 فيفري كنت في اتجاه قصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس وفي مبنى صار ملكا للشعب التونسي بعد ان كان ملكا للمافيا ولنظام فاشيّ حتى وإن لم تكن له نوايا توسّع عسكري في الخارج. نعم، كنت أدخل لأول مرة في حياتي القصر المبنيّ بدماء الشعب. المكان مبنى قصر المؤتمرات أخيرا، والزمان جبهة 14 جانفي. إن سعادتي لا توصف وأنا أشاهد تلك الجماهير الغفيرة وأكثرها من الشباب التونسي (الطلبة والتلاميذ). لكن لماذا لم أراهن على أيّ طرف سياسي قبل هذه الجبهة؟ ربما لأني كنت ألعن السياسة والسياسيين عن بكرة أبيهم وربما لم أجد مِنْ قَبْلُ جبهة سياسية حقيقية في حياتي. فان تكون كاتبا تونسيا وتدّعي أنك من النخبة التونسية لا بد لك ان تجد جبهة تمثل القوى اليسارية المناضلة ولابد لك ان تجد جبهة قوتها وعمادها الشباب، الشباب نفسه الذي قاد الثورة وسقطت منه ضحايا كثيرة فمعدل اعمار الشهداء هو عمر الشباب بلا شك، أعني ان عمر الجبهة 14 جانفي هو المستقبل والضوء التونسي الجديد. إني أكتب هذه الكلمات مؤمنا بالمستقبل التونسي مع جبهة 14 جانفي، داعيا كل الكتّاب التونسيين أن يتركوا المعارك التافهة لاتحاد الكتاب ولمشاكل الكتاب والنخب الزائفة امام المعركة الديمقراطية والسياسية الحقيقية، الى متى يظل هؤلاء الكتاب كائنات استعارية تركض في المجاز، إنهم يواجهون تاريخهم الحقيقي لأول مرة بعد ان جعلتهم الثورة التي هي بصدد البناء يغادرون تاريخهم الزائف! فمنذ يوم 14 جانفي غادرت حقا عالم المثل لأجد أصابعي في خضم التاريخ والنيران الحقيقية، ومع اول بيان لجبهة 14 جانفي صار لحياتي معنى اخر ومذاق لا يوصف، فسحقا لربع قرن من زيف الاستعارة والمجاز وسحقا لكل الكتاب الذين لم ينخرطوا في بناء هذا العالم الجديد، عالمٍ قائم على دستور جديد يقطع مع الرموز البائدة حكومة ونظاما ورجال أعمال وكتابا وفنانين واعلاميين أرادوا للدكتاتور ان يبقى جاثما على صدور الرجال وأفئدة النساء حتى 2019 ،وربما لألف عام، حتى كدنا ننام نومة اهل الكهف! وحدسي الاول والاخير هو ان العالم السياسي الذي صرت جديرا بأن أحياه مع شباب الثورة هو جبهة 14 جانفي... أنا كاتب تونسي سعيد جدا بتأسيس مجلس حماية الثورة، إنها المولود الشرعي للشعب التونسي وعلى الجميع كتابا وفنانين واعلاميين وممثلين وعازفين ونقابيين وطلبة ومحامين وغيرهم، الالتحاق فورا بهذا المجلس، وعلى الجميع هذا اليوم إسقاط بقايا النظام السابق وتأسيس عالم جديد وديمقراطية فريدة من نوعها في العالم. فما أراه حقا في جبهة 14 جانفي وفي مجلس حماية الثورة هو السبيل الوحيد لنيل ديمقراطية سنعلّمها في المستقبل لشعوب العالم. وعلى كل الاحزاب التي ذهبت ركضا وجريا كخيوط العنكبوت نحو حكومة ساقطة متهالكة »طال عليها سالف الأمد« ان تلتحق حالا بمجلس حماية الثورة والانسحاب الفوري من حكومة ميّتة في الاصل. وعلى جميع القوى الحيّة والفاعلة الالتحاق حالا بركب مجلس حماية الثورة حتى نحصل على زبدة لبن الربيع في مارس القادم. عندما تحقق الثورة اهدافها كاملة سأصبح تونسيا لحما ودما وعظاما، واصبح عملة ذهبية صعبة في العالم لكنها حتما ليست من تلك العملات التي هرّبها اللصوص الى البنوك السويسرية! (1 ❊) عنوان كتاب شعري للشاعر العراقي الراحل »سركون بولص«.