تعيش تونس حالة دقيقة وحرجة جرّاء مخلفات وتراكمات دامت طيلة ثلاث وعشرين سنة دون انقطاع. وها قد جاء اليوم الذي انتصر فيه الحق على الباطل ليندثر الجائر وليعيش مختبئا كالفأر بعيدًا عن تراب تونس، وكي يُحْرَمَ من الحرية التي طالما حرمنا منها في عهده البائد المتسلّط. إنّ شعب تونس عاش محرومًا ومكبوتًا أو بالأحرى ذاق الأمرين ولم يجد آذانا صاغية تعيرُه اهتماما، فهو الآن في حالة من الانفراج والانفجار تدفعه إلى الاحتجاج والاعتصام للتّعبير عن رأيه بكلّ حريّة، وهذا حقّ مشروع له. لكنّ الوضع الراهن يقتضي من هذا الشعب الواعي الصّبر والتريّث وإلاّ فستتحوّل بلادنا إلى ما عبّر عنه الأمريكان بالفوضى الخلاّقة التي قد تزيد البلاد سوءًا وتأزّما. وما من شكّ في أنّ الوضع الاقتصادي في حالة ركود نتيجة عمليّات الحرق والسطو والنّهب التي ألحقت بالمصانع والمتاجر... وانّ مواصلة الاحتجاجات والاضراب عن العمل سيعمّق حدّة البطالةِ التي تعدّ السبب الرئيسي لاندلاع هذه الثورة المباركة. إذ تواجه كلّ القطاعات صعوبات كبيرة حتّى في خلاص الأجور بما في ذلك قطاع النسيج. إنّ تونس الآن في حاجة إلى نوع من النظام والهدوء والرصانة لارجاع الثقة إلى المستثمر الأجنبي الذي أصبح يشعر بالخوف من بعث مشاريع استثمارية قد يكون مآلها الاحتراق، والتي بامكانها توفير آلاف مواطن الشغل كما أنّ اقتصادنا ينتعش تحديدًا من قطاع السياحة الذي يدرّ علينا العملة الصعبة، فشارع الحبيب بورڤيبة الذي كان يعجّ بالسّياح نجده اليوم خاليا من هذه الفئة التي تُعدّ ركيزة أساسيّة للاقتصاد التونسي ف 42٪ من الفرنسيين غيّروا اتجاههم بسبب عدم استقرار الأوضاع. وبالتالي على الشعب التونسي أن يستوعب أنّ الحكومة الحالية ماهي إلاّ حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال لمدّة 6 أشهر فقط، وعليه أن يتحلّى بالهدوء وأن ينظر إلى الأمور بعقلانيّة، حتى تستطيع هذه الحكومة أعمالها الوقتيّة وتضعَ النقاط على الحروف لتهيئة أرضية ملائمة لا تمتّ للماضي بصلة لامتصاص الغضب الشعبي. ولعلّ ما يزيد الطين بلّة بعضُ الأشخاص الذين ركبوا على الأحداث وصاعدوا في وتيرة الفوضى والاضطرابات واتخذوا من الثّورة حجّة لقضاء مصالحهم الخاصّة. فبناء المنازل في أراضي الدولة والمطالبة بالزيادة في الأجور والسكن العشوائي لن يزيد الوضع إلاّ تأزّما. فنحن الآن في حاجة مُلحّة إلى تضافر الجهود ووضع اليد في اليد لبناء تونس جديدة أي »تونس الجميع« في مثل هذا الظّرف العصيب لرسم ملامح دولة جديدة قوامها الحريّة والدّيمقراطية.