دوامة الفوضى والاحتجاجات المسترسلة في تونس تتصاعد وتيرتها يوميا، والشارع التونسي بين أخذ وردّ حول المطالب السياسية التي ينادي با معتصمو القصبة وبين المطالب الاجتماعية التي ينادي بها بقية الشعب التونسي. الثورة حدثت والشباب انتصر والطاغية رحل والحكومة الحالية تغطّ في سبات عميق. والى الآن لم تتصدّق علينا بقليل من الكلام لنعرف أين نحن والى أين نسير؟ اعتصامات يومية أمام المرافق العمومية من وزارات وولايات ومعتمديات، اعتصامات داخل المدارس والمعاهد والجامعات، فمن الذي سيخمد نيران شعب انتهكت حقوقه وسلبت حرياته طيلة ربع قرن من الزمن؟ من الذي سيبني جدار الثقة من جديد بين الشعب والحكومة؟ إن ما يزيد من خطورة الوضع هؤلاء المجرمون الذين فرّوا من السجون أو بالأحرى تم تحريرهم من قيودهم قصد ادخال البلاد في متاهة يصعب الخروج منها، ناهيك عن ميليشيات »التجمع« التي مازالت تجوب أرجاء العاصمة لتندسّ في صفوف المعتصمين وتقوم بأعمال شغب لتشوّه صورة المحتجين ونحن على علم ودراية بهذه اللعبة القذرة. ولعل ما أوقد المشعل من جديد وألبّ الشعب التونسي بعد هدوء نسبي تلك الأموال والمجوهرات والآثار التي وُجدت بقصر »المعلّم« بقرطاج، والحال أنها أموال الشعب التونسي وصندوق التضامن 26 26 الذي أوهمنا به مصاصّ الدماء ليضحك علينا والأغرب من ذلك ان يخرج أحدهم ليستبله الشعب التونسي ويبلغنا بأن الاموال تقدّر ب 41 مليار هل يعقل هذا؟ هل يجوز؟ كل تلك الثروة التي شاهدناها بأم أعيننا لا تتجاوز الأربعين مليار؟ وما خفي كان أعظم. ان مصطلح »ثقة« انعدم بيننا وبين هذه الحكومة على الرغم من شفافية واستقلالية بعض عناصرها، لكن لا يمكن لمثل هذه العناصر ان تقوم بدورها في ظل وجود أيادٍ ملطخة بدماء شهدائنا الابرار وساهمت في التستّر على عمليات الفساد المستشري في حكم بن علي. أكثر من شهر ونصف مرت على الثورة التونسية لكن للأسف لم نلمس أية استراتيجية واضحة للحكومة الحالية على مستوى الاصلاح السياسي والاجتماعي، فلجنة تقصّي الحقائق الى الآن لم تمدّنا ولو بتقرير يلخص الى أين وصلت دراسة ملفات المواطنين بالاضافة الى بعض اعضاء اللجنة المشكوك في مصداقيتها وحيادها. وحتى اللحظة لم تتكرم الحكومة المؤقتة بالحديث عن المجلس التأسيسي والدستور الذي يعد المطلب الأساسي والرئيسي لمعتصمي القصبة، هؤلاء الشرفاء الذين افترشوا الأرض ليلا نهار رغم قساوة الظروف المناخية دفاعا عن كرامتهم وعزتهم في سبيل ارساء حكومة قوامها الديمقراطية الحقيقية لا تمت للنظام السابق بأية صلة. إن ما أفاض الكأس وعكّر المزاج هو صندوق الأمل الذي اقترحته الحكومة الحالية لتتعامى بذلك عن مطالب الشباب العاطل عن العمل بعد 23 سنة من الأمل. فسياسة الصندقة استهلكت ولسنا في حاجة الى أقنعة لُبستْ في عهد بن علي. ما من شك في أن الشعب التونسي في حاجة الى قرارات جذرية تخرجه من حالة الاحتقان التي يمر بها. والحكومة المؤقتة مطالبة بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي لضمان الانتقال الديمقراطي وبناء ملامح الدولة الجديدة دولة قوامها العدالة الاجتماعية.