ملح العذاب يغازل ذكرى بقطر خصيب تذكّرت أمّي وخوف الوداع وماء القبل تذكّرت رفيقة تحتفي بغرور الحبيب تذكّرت ضيائي أعزفه للعابرين مواعيد اشتهاء كطفل شريد تذكّرت... تذكّرت... حتى احترقت«. إن رحلة الكتابة الشعرية مضنية لمن احترف الكلمات. وإذا كان الشعر في جوهره قائما على الدّهشة فطرائقه مختلف من شاعر الى آخر. اختار الشاعر التونسي محمد الهادي الوسلاتي لغة بسيطة وعميقة في آن واحد. لغةً شفافة مضيئة بعيدة عن الافتعال والغموض المصطنع والاستعارات القسرية. فالعمل الشعري الثالث الموسوم ب »سوسر من كتاب الجرح (1 ❊) يؤكد ان محمد الهادي الوسلاتي من طينة الشعراء الذين انحازوا الى البساطة في إجراء الكلام لكن هذه البساطة تذهب بعيدا في الدهشة: »معذرة كنت طفلا جاهلا بالحياة لا أعرف الأديان لعبي كانت آلهة من خزف وطين. (...) كنت ملحدا بالحبّ والعشق ملحدا بجميع الغلال...« تتحوّل الكتابة الشعرية لدى محمد الهادي الوسلاتي الى ضرب من »اللّعب الطفوليّ« وأحيانا تتحوّل الى تحدٍّ كبير ومصارعة مع جميع القوى: »كتبتك على الألواح قبل ابراهيم وموسى وعيسى قبل سلطان الموت قل اكتشاف النار واخضرار العشب قبل هطول السماء... لأجلك آمنت بالله والرّسل آمنت بسرّ العطر وفصاحة البرق«. تظلّ تجربة الشاعر محمد الهادي الوسلاتي مأخوذة دوما بطفولتها وجنونها ونزقها في رحلة بحث عن المعنى. وليس ثمّة من معنى سوى ذلك الدفء الانساني الذي تبحث عنه الروح. ( 1 ❊) مجموعة شعرية صدرت عن دار »إنانا« للنشر والتوزيع 2011.