الكلمة نشيد العالم... هذا ما تذكرته من كلام سابق لصديق شاعر وأنا أترك العنان لشيء من الامتلاء الجمالي وأنا أقف تجاه البحر.. حيث الربوة المطلة بعنفوان الشموخ على الأزرق حيث المرسى الجميل للسفن والمراكب تحت سماء وارفة الزرقة... بسيدي بوسعيد... هي ذاتها اللحظة الشعرية والحالمة التي رأى فيها الشاعر خالد النجار الكلمة وهي تحتفي بالعالم في معرض حديثه عن شاعر كبير... يرى الشعر على نحو مخصوص إذ يقول في حوار له مع الباحثة الفرنسية خديجة بسباس: «...أضع شكلا لشيء ليس له شكل واضح في أعماقي... شيء يفور ويرسل إشارات فأحاول أن أضع شكلا لهذا العماء: وليس بالضرورة أن يكون هذا الشكل قابلا للإيصال... فكثيرا ما أكتب تحت ضغط اعتمالاتي الداخلية». هذا هو الشاعر والفنان لوران غسبار في بيته الشعري القريب من البحر وهذا أيضا ما أعادني إلى هذا الكتاب الذي صدر عن دار التوباد في ترجمة للشاعر النجار وراجعه الشاعر عزوز الجملي. كثيرة هي الأشياء التي تعيدنا إلى هذا الشعر الخالص الذي أعفى لغته ومعانيه من الصخب والافتعال وخواء البلاغة كما يقول خالد النجار في نص خاص بهذه الكتابة الغسبارية: «إن اللغة والشعر ليس سوى شيء واحد... جملة بسيطة فتحت لي أفقا في فهم الشعر... أنا القادم من مناخ شعري عربي طغى عليه في تلك الأيام الغناء والايديولوجيا والتجريد وخاصة البلاغة الخاوية، كل هذا على خلفية سريالية غير واعية بسرياليتها وهو الهول الأشد والأمر التراجيدي الذي جعلنا نقول الغموض لأجل الغموض، وليس الغموض الذي يتبدى بوضوح لأنه معادل لتجارب الإنسان التي لا تستطيع الإحاطة المطلقة بها الإنسان المهتز في قاربه، الإنسان السائر في ليله الأبدي... كانت تلك الجملة التماعة بارقة فتحت لي بعد ذلك شيئا فشيئا، وعلى امتداد سنوات لاحقة آفاقا رحبة في التعرف على الفعل الشعري... وعلى شعره هو...». قصائد لوران غسبار تنهل من هذه العطور في لغاتها الشاسعة وفق وعي شعري يحتفي بالنور والحس والدهشة في سياق من النظر أو بالأحرى الصورة... هي الصورة الشعرية الموحية والتي يطغى فيها الوصف... ذلك ما لمحه الشاعر في رحلته الوجدانية الثرية... لوران غسبار ولد سنة 1925 في ترنسلفانيا الشرقية من عائلة هنغارية زاول تعليمه الثانوي في مدينته الميلادية ماور شفادراشيلي. وفي 1943 التحق بمعهد البولتكنيك في بودابست بعد أشهر ألحق بخدمة العلم. في أكتوبر 1944 فشلت محاولة عقد سلم منفصلة، أعقبها احتلال ألماني وتنصيب حكومة نازية أرسل إلى الخدمة في معسكر عمل في منطقة الصواب الفرنسية. وفي 1945 فر من المعسكر وقدم نفسه إلى وحدة من الجيش الفرنسي قرب فولندلاف. درس الطب في باريس - عمل جراحاً في مستشفيات القدس وبيت لحم 1970- استقر في تونس بسيدي بوسعيد وعمل جراحاً في مستشفى شارل نيكول المركزي. يعيش الآن بين باريس وتونس. يمارس الكتابة و التصوير الفوتغرافي. من مؤلفاته : الحالة الرابعة للمادة ومناجم وأرض المطلق وأجساد ناهشة والبيت قرب البحر وأشجار زيتون.