بودربالة يلتقي ممثّلين عن أعوان الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية    ملفات تهريب المهاجرين تمثّل 61 بالمائة من الحالات التي تعهدت بها اللجنة التونسية للتحاليل المالية في سنة 2024 (تقرير)    مقتل 40 مهاجرا غير نظامي غرقا قبالة سواحل تونس    خبير بيئي يكشف عنّ الحلّ الوحيد والفعلي لإنهاء التلوّث في قابس    برنامج تطويري جديد بحقل البرمة: الشركة الإيطالية التونسية تستعد لحفر 10 آبار لتعزيز الإنتاج الطاقي    بورصة تونس تنهي حصّة الإربعاء على منحى إيجابي    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة تُطلق طلب عروض لإعداد خطة استراتيجية للاستخدام الرشيد للطاقة في أفق 2035    عاجل: زلزال بقوة 4.5 درجات يضرب هذه الجزيرة    جوائز الكاف 2025: حضور تونسي بارز.. المنتخب ودحمان والشعباني والطرابلسي ضمن المرشحين    ثقتنا تامة في المجموعة المتوفرة للذهاب الى اقصى حد في المونديال (محمد امين النفاتي مدرب منتخب تحت 17عاما)    إحداث قسم جديد ضمن المهرجان الدولي للسينما في الصحراء بعنوان "سينما الملاجئ"    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    الترجي الجرجيسي الترجي الرياضي: التشكيلة الأساسية للفريقين    إتحاد الفلاحة يقترح دعم زيت الزيتون عوض الزيوت النباتية.. #خبر_عاجل    تونس الأولى عالميا في تصدير زيت الزيتون البيولوجي    سيدي بوزيد: تدخل طبي نوعي لمعالجة تعفن حاد بالمرارة دون اللجوء إلى جراحة    وزارة الداخلية تنتدب    النادي البنزرتي الملعب التونسي: التشكيلة الأساسية للفريقين    احذر: جلطة المخّ...حالة طارئة تتطلّب تدخل سريع    قضية عبير موسي: هيئة الدفاع تكشف عن تطورات جديدة..#خبر_عاجل    عاجل-التفاصيل الكاملة لجريمة بنغازي: 7 أطفال ووالدهم ضحايا القتل    عاجل: تقلبات جوية اليوم... وتَجدّد الاضطرابات نهاية الشهر    عاجل : الإعلان عن القائمات النهائية لرخص التاكسي الفردي لولاية تونس    تونس تصنع الحدث.. ضمن أفضل 25 وجهة عالمية في 2026    سليانة: 100 تلميذ وتلميذة سجلوا بالمعهد الجهوي للموسيقي و الرقص خلال السنة الدراسية الجارية (مدير المعهد)    مدنين: تنظيم الدورة الثامنة لمهرجان "الغربوز" ببني خداش من 27 الى 31 اكتوبر    الأشقاء يبقون أشقاءً: هكذا علّق قيس سعيد على الجدل بين تونس والمغرب حول التمور    وزارة العدل: انتداب 196 عدل إشهاد و222 خطة للتناظر بين كتبة وكتبة مساعدين للمحاكم    الليغا: إلغاء إقامة لقاء برشلونة وفياريال في ميامي    مصر : سحب أكثر من 17 مليون عبوة دوائية منتهية الصلاحية    عاجل/ تفكيك شبكة دولية لترويج المخدرات..وهذه التفاصيل..    مدنين على إيقاع مسرح التجريب    تبادل عنف ورشق بالحجارة داخل حافلة: القضاء يتدخل وهذه حصيلة الايقافات..#خبر_عاجل    جريمة قتل مروّعة بالمرسى: منحرفون يهشمون رأس عامل يومي بعد سلبه    الحماية المدنية : 629 تدخلا خلال24ساعة الماضية    تونس ضمن أفضل 25 وجهة سياحية في العالم لسنة 2026    دورة التحدي بريست بفرنسا للتنس: التوسي معز الشرقي يغادر من الدور السادس عشر    عاجل/ بلاغ هام للترجي الرياضي التونسي..    فتيات تونس يتألقن في أربيل... تتويج المنتخب للجودو بلقب البطولة العربية!    عاجل/ اصطدام عربتي المترو 5 و3: الكشف عن أسباب الحادث..    بعد خسارة نوبل.. ترامب ينال جائزة "مهندس السلام"    عاجل: واتساب ومسنجر يطلقو أدوات جديدة تحميك من التحيل الإلكتروني!    اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه بعد سرقة قياسية بقيمة 88 مليون يورو    هل تريد يومًا منتجًا؟ لا تفعل هذه الأشياء الخمس عند الاستيقاظ    العدل الدولية تُصدر اليوم حكماً في قانونية منع إدخال المساعدات للقطاع    سقوط عشرات الضحايا في تصادم بين حافلتين في أوغندا    طقس اليوم: أمطار بالشمال وانخفاض في درجات الحرارة    الكونغرس يلاحق بيل كلينتون في قضية إبستين المثيرة!    قيس سعيد: بلاغ استثناء المغرب من تصدير التمور غير مسؤول يقتضي الواجب مساءلة صاحبه    يوم الخميس مفتتح شهر جمادى الأولى 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    في افتتاح تظاهرة «عين المحبة» في موسمها الثاني...تكريم المطربة القديرة «سلاف»    عاجل: مفتي الجمهورية: الخميس 23 أكتوبر أول أيام شهر جمادى الأولى 1447 ه    مصر.. اكتشاف تمثال ونفق يقرب العلماء من مقبرة الملكة كليوباترا    الدورة 28 للمهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين مهداة لروح مؤسسها الفقيد أنور الشعافي    المؤتمر الثامن للطب العام والعائلي: مقاربات طيبة ونفسية واجتماعية للتهرم المتزايد للسكان في تونس    تأمينات البنك الوطني الفلاحي: رقم الأعمال يزيد ب9،8 بالمائة ويبلغ 136 مليون دينار موفى سبتمبر 2025    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام المعتصمين بالقصبة
نشر في الشعب يوم 02 - 04 - 2011

يا صديقيّ (1) هذه قراءتي لمشهد اعتصام القصبة فأقرّاها أو ادحضاها لأن العلم أصدق إنباء من معالجة الأوضاع و تحليلها بطرق انطباعية و ذاتية.
حملة إعلانية انطلقت منذ أسبوع تدعو المعتصمين بالقصبة إلى العودة للعمل فكل أبواق الإذاعة و التلفزة سخّرت لتصعيد اللهجة ضد المعتصمين و تحميلهم تدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد . وسائل الإعلام من إذاعة و تلفزة أعطت الكلمة لكثير من المواطنين ليحمّلوا المسؤولية للمعتصمين لما يقع على الصعيد الاقتصادي والتربوي والتعليمي وما سينجر عن ذاك من سنة دراسية بيضاء . رجال أعمال خرجوا إلى الشارع غاضبين صاخبين يشكون و يتذمرون مما حصل لهم من كساد الموسم السياحي و ما سيلحقه من خسائر جسيمة لا تحمد عواقبها بسبب اعتصام القصبة بالعاصمة و باقي مدن البلاد .
إنه طوق إعلامي على مدار الساعة يوجه التهم و يكيل اللوم الشديد للمعتصمين بالقصبة و هنا تأتي الأسئلة :
لماذا يصر المعتصمون على البقاء ؟
لماذا يصر المعتصمون على تطويق القصبة والوزارة الأولى رغم البرد و الجوع و العطش و الأرق و السهاد ؟
لماذا كل هذا الإصرار ؟
من يكون وراء كل هذه العناد ؟
ما الذي يجعلهم في كثير من ساعات النهار أو حتى طيلة أيام الاعتصام لا يستمعون ولا يتفاعلون معا نداء الذين يتباكون على ما سيؤول إليه الوضع الاقتصادي بتونس ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة في رأينا لا بد من العودة إلى المدن والمواطن والبيئات التي جاء منها هؤلاء المعتصمون بالقصبة ومن أين هم منحدرون اجتماعيا.
الصور التي بثتها القناة التلفزية من حيدرة ،كسرة، الجريصة، تاجروين ، الرديف ، أم العرائس، تالة و المضيلة و غيرها من هذه الصور التي تجسد بحق معاناة هؤلاء السكان لا من قلة وجود مكتبات عمومية أو مقاهٍ أو نزل أو دور شباب و إنما من عدم وجود ماء صالح للشراب و لقمة تسد الرمق ولا سبيل إلا للاتجاه إلى القمامة فهم يجدون فيها ما ينجون به من الموت .
يا صديقيّ إننا نرى أن إصرار هؤلاء على البقاء معتصمين بالقصبة سببه رفض نفوسهم و مشاعرهم العودة إلى أحوال وأوضاع أصبحوا و أضحوا و أمسو و باتوا عليها كرهتهم الحياة وذاقوا بها ذرعا و أيقنوا أنهم ليسوا من عداد المواطنين و من عداد من لهم الحق في الحياة في العيش الكريم، في التنفس ككل المخلوقات على وجه البسيطة .
لقد هب هؤلاء المعتصمون هبة الرجل الواحد إلى القصبة و الأمل يحدوهم بأن لا يعودوا إلى أهلهم وذويهم و مواطن سكناهم إلا و على أيديهم بشائر النصر و أن تنمحي إلى الأبد:
صورة الأخ الأشعث الحافي يرتع بالقرب من كوخ من الطين جاثم إلى الأرض.
صورة كوخ و لا كوى كأنه مغارة منحوتة قد بني كما اتفق سقفه من قصدير أو سعف النخيل يستوي هنا وينخفض هناك وبأسفل الكوخ ثقب تدافع منه ماء عكر عشش فيه البعوض يطفر منه ويحط عليه في كل آن يحوّم عليه تحويما.
صور أطفال ذاهبين إلى شبه مدارس في أماكن قصية حفاة عراة طواة البطن قدا اتخذ الوسخ و القّمل من رؤوسهم أعشاشا هنيئة مطمئنة في غبش الفجر و عند غروب الشمس في الحر والقر. حرموا من أيام اللهو و المسرة و الحياة الهنيئة الخالية من قساوة العقل .
صور الريف تختلط فيه أنوار الصباح بدخان المصانع و النفايات (يبني لي غيرو ما ليش في خيرو وصابر بس آخرك إيه يا صبر (2)).
صور مبانٍ أحجارها صماء قذرة شوارعها بلا أسماء حيث الكهرباء معطل و الماء آسن... يعيشون في غسق مطبق وحيث قضي نحب الإسعافات و العلاج.
صور الأراضي القاحلة تنتظر طوفانا لعلها من بوار تنقذ ، بها دواب عجفاء، حدباء، جرباء، ضلعاء، وعظامها ناتئة أصحابها ينظرون إليها بحسرة.
صورة أب ناتئ عظام الكتفين عضه الدهر بنابه، يحمل هم الدنيا، عالمه الداخلي خال من الفرحة تغمره القتامة .
صورة أم غسلت الملابس حتى يبست أطرافها و خاطت بقايا من خرق حتى عشا يصرها حسرةً على أبنائها ترى العوائق تتضاعف أمامها يوما بعد يوم حتى تخرج بهم إلى الشمس و الهواء الطلق.
صورة شباب مجتمعين بياض النهار و سواد الليل في مقهى ينخرهم القلق و تتمزق أحلامهم و آمالهم, لا مستقبل و لا خير ينتظرهم أبواب الشغل الموصدة أمامهم كسم قاتل.
هل هذه هي الأسباب التي من أجلها فعلا أصر المعتصمون على البقاء في القصبة بالعاصمة و كرهوا بسببها العودة إلى أوضاع كرهوها كمن يكره أن يأكل لحم أخيه ميتا؟
مصدق الشريف
(1) عالما الاجتماع و النّفس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.