انه لغنيّ عن البيان ان الثقافة حظيت باهتمام كبير منذ قدم العصور بوصفها انتاجا فكريا وايديولوجيا يتبلور في شكل عادات وتقاليد وفنون ونوادر وحكم... وهي تعكس بالضرورة واقع الصراع الطبقي الذي يتميز به كل مجتمع على حدة لأنها من اهم وسائل وطرائق دوام الشعوب وتواصلها وثباتها عبر التاريخ. ونظرا الى كل هذه الأهمية فقد عملت القوى الاستعمارية والدكتاتورية والرجعية على كبت كل فعل ثقافي ابداعي وطني في مرحلة أولى للسيطرة على الشعوب ووضعها تحت الهيمنة لانتاج ثقافة رجعية تابعة ورديئة. ثقافة الغباء... ثقافة الدكتاتورية لقد ركز النظام الدكتاتوري طيلة عقود من الحكم سلطته الثقافية الموجهة لخدمة الرأسمال والبورجوازية فضرب احتكارا على الورق والمطابع ودور النشر وزج بعدد كبير من المبدعين الأحرار في السجون واستنبط القوانين التي تحمي مصالحه. ومن ذلك عشنا انحطاطا في جميع مجالات الابداع: رواية، شعر، سينما، قصة، مقالة، مسرح... فعاشت الثقافة في غربة عن الواقع وعمّتْها انحلالات عميقة ومتنوعة حتى صار مجتمعنا بلا ابداع حقيقي تقريبا، مجتمع القطيع مخصي الفكر والعقل فأصبح للثقافة لون واحد وتوجه واحد وغباء متعدد الأنماط. وسيطرت ثقافة الشعوذة والسحر والخرافات والبكاء والنحيب وثقافة السبعة: »سبعة صبايا في قصبايا، السبعة الحية، سبعة ايام وسبعة ليالي، قطوس بسبعة أرواح وسابع العروسة واللفعة بسبعة روس« ووقع تكريس واقع جديد واقع الطاعة العمياء من اجل تدمير كل دَوْرٍ للثقافة في بناء المجتمع وتفعيل القطيعة بين الشعب وواقعه. الثقافة التي نريد يجب على الثقافة ان تنتقل من معسكر الدكتاتورية والرجعية الى معسكر الثورة والكرامة والحرية، ولن يكون ذلك الا بدراسة التناقضات التي يحوم حولها الواقع التونسي كي نتلمّس طبيعة الثقافة التي نريد وطبيعة الثقافة التي يجب النضال ضدها. فالثقافة يجب ان تكون في عمق الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لانها جزء من كل ولأنها السند المنيع ضد الردة وضد أعداء الثورة والشعب ويجب ان تكون كذلك ثقافة من اجل الانسان متصلة جدليا بواقعها قصد تنمية الوعي البشري وذلك بالبحث في أعماق التراث الانساني النير والوجه المشرق للتراث المحلي في ديناميكية متفاعلة مع المنتوج الابداعي يقطع مع الصنمية. لجنة لتقصي الحقائق »ثقافة« كي نخلص المشهد الثقافي من السماسرة ومصاصي دماء المبدعين ومن اجل اصلاح ثقافي حقيقي يمكّن المثقف من استعادة سيادته على دفة الثقافة ولضمان سيرورتها واستقلاليتها ودفاعا عن حرية الابداع وشفافية التمويل والدعم، لِمَ لا يقع تكوين لجنة مستقلة من المبدعين والمختصين لتقصي الحقائق في المجال الثقافي يكون مجال عملها محاسبة كل من تسبب في اهدار المال العمومي وخاصة صناديق الدعم ولجان الدعم على الانتاج واثناء الانتاج وما بعد الانتاج فكثيرة هي المشاريع السينمائية والمسرحية والكتب والعروض المدعمة. هناك من رأيناها على الساحة الثقافية وهناك من تبخرت وتبخر معها المال العمومي.