عندما يقف المواطن التونسي عند حقيقة مفزعة من تلك التي يروّجها بعض النّاس هنا وهناك، يشعر أنّ إرادته قد سُلبت منه فعلا، لأنّ المصلحين الثوريين قلّة في هذا البلد، ومن يملك وازعًا انسانيّا أو مستوى من المسؤولية الوطنية ليس عليه أن يصدّق الأباطيل المؤثّرة التي لا تمتّ إلى واقعنا بصلة تُذكر. لقد اكتشفت للتوّ أنّ الشعب التونسي مازال غريبا عن واقعه، أو بطريقة أخرى مازال غير قادر على استهلاك الحريّة التي منحها لنفسه. ولعلّ الثّورة لم تكن مصدر العلاج في الحقيقة إنّما كانت المحفّزة إلى التّغيير الجذريّ في الأفق الاجتماعي والسياسي. ومن باب أولى أن تتحقّق الارادة كاملة في الوسط الاجتماعي وذلك بانتهاج مسلك أخلاقيّ جديد، ومبادئ ثوريّة عميقة. لكن ما يثير استغرابنا اليوم، لماذا يُساق الشّعب خلف نُخب همّها الوحيد إدارة مصالحها الخاصّة دون أيّ اعتبار لكرامة المواطن وحقوقه المشروعة؟! ربّما يلاحظ البعض هذا التّفاوت الاجتماعي بين أُناس ساقهم الجهل إلى رفع أصواتهم لهدم كلّ حقّ في هذه الأرض. ولسائل أن يسأل: متى نسمح لهؤلاء الفوضويّين بتدمير الوطن؟ لقد مرّت الثّورة بمرحليّة خطيرة، ومن المهم أن يعي كلّ طرف مسؤولياته الثوريّة، بدل الانسياق إلى مطالب ماديّة بعيدة كلّ البعد عن القيم الإنسانيّة. طالما اعتبرت أنّ نوعًا من الانسحاق المرضيّ يثير الفئات الشعبيّة التي ليس لها أيّ يقين بواجباتها أمام الوطن كما ليس لها أيّ اعتبار للأخلاق الدّاعية إلى الفضيلة وتهذيب الأنفس. إنّ هذه الحالة المرضيّة تجعل الشّعب غير قادر على التّصرف أو إبداء أيّ موقف، وإنّما يستند بالأساس إلى العنف والهمجيّة المطلقة، لهذا نرى المقتنعين تمامًا بنشر الفوضى يُربكون الأمن في البلد، ويعتقدون أنّهم أحرار فعلاً. وهم لايعلمون أنّ الحريّة إذا لم تكن تحت الواجب الأخلاقي فليس لها من قيام أبدًا، ولذلك فالغالب في هذا المجتمع اصطناعه لقوانين ومبادئ باطلة وفاسدة رسّخها النظام السّابق، وتواصلت في أذهان البعض فعقدوا العزم على تطبيقها والتّعصب لها. لقد تُركت تونس مسرحًا للجهل بعد أن أسقطت يد الظالمين. ولعلّ الظّلم كان من أهمّ مرتكزات هذا الجهل، لذلك علينا أن نلوم أنفسنا، وأن نسعى إلى اصلاحها قبل فوات الاوان.