شهدت المحكمة الابتدائية بسوسة يوم 29 مارس 2011 حادثا ألقى بظلاله على الساحة القضائية وأسال حبرا وأطلق العنان لتأويلات كثيرة، ويتمثل هذا الحادث في تعمد 50 عون أمن اقتحام المحكمة واخراج زميلهم من غرفة الايقاف حيث صدرت في شأنه بطاقة ايداع وذلك باستعمال القوّة واحداث حالة اضطراب وتشويش كبرى بالمحكمة والتلفظ بعبارات ماسة من اعتبار قاضي التحقيق والسلطة القضائية. هذه الحادثة تعد خطيرة بكل المقاييس لانها تعتبر سابقة في تاريخ القضاء ومسا من هيبة المحكمة خاصة اذا كانت صادرة من أعوان امن كان من المفترض ان يكونوا أول حماة القضاء والمدافعين عن حرمة المحاكم لا أوّل من يتجاوز القانون ويدوس هيبة المحاكم ويستهين بسلطة قاضي التحقيق، ورغم مرور أكثر من نصف شهر على هذه الحادثة فإنها اليوم تقفز مجددا إلى سطح الاحداث لتثير عديد التساؤلات والتخوفات خاصة على اثر البلاغ الصادر عن وزارة الداخلية بتاريخ 15 أفريل 2011 والذي أوضحت فيه ان المعلومات التي تمّ تداولها مؤخرا عبر بعض وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية حول »تعمد 50 عون أمن التهجم على المحكمة الابتدائية بسوسة واخراج زميلهم من غرف الاحتفاظ لا صحّة لها«. هذا الانكار للحادثة بمرمتها جملة وتفصيلا وتقديم رواية اخرى تكاد تكون مخالفة ومناقضة التي اعلنتها جمعية القضاة التونسيين دفع بهذه الاخيرة الى اصدار بلاغ صحافي أكّدت فيه أنّه »خلافا لما جاء في بلاغ وزارة الداخلية المذكور فإن وقائع الاعتداء قد حصلت فعلا بالمحكمة الابتدائية بسوسة بتاريخ 29 مارس 2011« وهو ما اثبته التحقيق الصحفي الذي قامت به التلفزة الوطنية التي تحوّلت صبيحة 16 أفريل 2011 الى المحكمة الابتدائية بسوسة وتلقت تصريحات قاضي التحقيق بالمكتب الثالث بالمحكمة الابتدائية بسوسة حول الوقائع اضافة الى تصريحات بعض القضاة وعدد من الاطار الاداري للمحكمة وكتبة المحامين الذين أكدوا رواية الاحداث طبق ما جاء بتقرير السيد قاضي التحقيق. كما طالب المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين في بلاغه بفتح تحقيق إداري وقضائي في تلك الوقائع لخطورتها ولما فيها من مساس بحصانة القضاء واستقلاله وعبّر عن احتفاظ جمعية القضاة بما لها من حق في اثارة الدعاوي ردا لاعتبار القضاء واقامة للعدل. في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق النهائي فإن ما وقع في المحكمة الابتدائية بسوسة من تجاوز مسّ من هيبة القضاء وحصانته واستقلاليته يعد اختبارا حقيقيا وجديا لمدى جديّة القائمين على تطبيق القانون تكريسا لدولة القانون والمؤسسات التي نادى بها الشعب وسالت من أجلها دماء شهداء ثورة الحرية والكرامة.