كل تحول اجتماعي يفرز بالضرورة تعثرات في طريق إكمال هذا التغيير، أما اذا كان هذا التحول نتيجة لانتفاضة تسعى الى تأسيس ثورة على ما هو رديئ فإن الانزلاق يكون نتيجة محتومة لبعض التصرفات، ولم تشذّ انتفاضة تونس المجيدة عن هذا المسار تمثلت خاصة في بعض التصرفات الشعبوية التي أتى بها المسؤولون الذين تسلموا دواليب هذه الدولة بعد 14 جانفي، من ذلك ما أتاه وزير التربية عند استدعائه مجموعةً من التلاميذ لمحاورتهم في مقر الوزارة ولئن كان هذا الاجراء محمود ومطلوب بما يمثله من اتصال مباشر بين المسؤول والنّشْء والاستماع الى المشاكل التي يعانيها التلميذ ويقوي الترابط بين الاجيال فإنها تمثل في الآن نفسه خطوة نحو المجهول قد تخلق اضطرابا متواصلا بين التلميذ والمؤسسة التربوية اذا لم يكن هذا الاجراء مسبوق بمعرفة جيدة لمستوى التلميذ الثقافي والعلمي في ظل ما تعرض له من تهميش تربوي في حكم بن علي ودراسة نفسية لتطلعاته وهذا لن يحصل الا بسؤال الاطار التربوي الذي يباشر التلاميذ يوميا وفي المحصّل يجب ان يكون هذا اللقاء محسوبا من حيث الزّمن ومضبوطا من حيث الموضوع ومستوى النقاش وتبادل الآراء حفاظا على ما بقي من حرمة المؤسسة التربوية وصيانة لهيبة المربي لكن الذي حصل في لقاء السيد وزير التربية مع مجموعة من التلاميذ خرق كل هذه النواميس فلم يقع دراسة توقيت الاجتماع حيث وقع في وقت تشهد فيه البلاد انفلاتا فظيعا في كل المجالات وخاصة في المعاهد الثانوية التي شهدت في ذلك الحين تعطل للدروس وتحركات تلمذية تعكس ما يحصل على الساحة الوطنية من اعتصامات بل إن الامر في بعض المعاهد تجاوز هذا الحد ليصل الى تهديد الاطار التربوي دون سبب... أما من حيث موضوع هذا اللقاء فلم يقع درسه والاعداد له من قِبَلِ مختصّين في الميدان التربوي ليفهم التلميذ طبيعة المرحلة ويعمل على مواصلة تعلمه بل كانت تدخلات التلاميذ تغلب عليها »الثورجية« وتجاوز كل المحظورات كالمطالبة بالسماح بالتدخين داخل المعهد واستعمال الهاتف الجوال داخل الفصل... فهمشت بذلك الرسالة التربوية المتمثلة خاصة في احترام المعهد والمؤسسة والالتزام بالضوابط الاخلاقية ليصير محور اللقاء هو الحرية الكاملة للتلميذ في اتيان ما يريد فعله وما على الاستاذ الا الاستجابة لرغباته فينقلب بذلك بين الشعر المعروف للشاعر »أحمد شوقي«: قم للتلميذ ووفّه التبجيلا كاد التلميذ أن يكون...!!! أما من حيث الشكل فإن وزارة التربية تمثل المؤسسة المؤتمنة على مستقبل تونس والحاضنة الحقيقية لأجيالنا وبالتالي شخص وزير التربية هو الضامن الأول بعد الاسرة لتربية أبنائنا وعليه أن يحافظ على هيبته ويفرض احترامه من طرف الأولياء والتلاميذ لا لأن يسمح لأحد أبنائنا من الذين استقبلهم في الوزارة بارتداء قبعة اثناء الاستماع اليه... وبناء على ما تقدم كان وقع هذا اللقاء كارثيا على الاولياء الذين صاروا يخشون على أبنائهم في المعهد لما لمسوه من مستوى أثناء اللقاء المتلفز بين الوزير والتلاميذ وكذلك على نفسية بعض التلاميذ الذين صاروا يتعالون على المؤسسة التربوية وينظرون الى الأساتذة باحتقار وازدراء، كيف لا وقد ناقشوا وزير التربية بكل ندية وطالبوه بتحقيق محظورات لدى العائلة التربوية. أمام هذا الوضع المفزع انقلب المدرس بالنسبة الى الأستاذ خشية من ردة فعل عنيفة ومفاجئة قد تصدر من أي تلميذ لهذا السبب أو ذاك وصارت الحصة تحديا من قِبَلِ بعض التلاميذ لكل القوانين والتراتيب والأخلاق العامة. إن كتابتي في هذا الموضوع تهدف الى تنبيه الأسرة والاطار التربوي والمنظمات الاجتماعية للتعاون من اجل رتق هذا الفتق في العلاقة بين التلميذ والمؤسسة التربوية الذي خلفه اجتماع وزير التربية مع ابنائنا التلاميذ لما لهذا من انعكاس قد يتواصل في المستقبل.