ماذا يتوقع العمّال التونسيون هذه السنة من احتفالية عيد الشغل في ظلّ الثورة التونسية؟ ماذا ينتظر شباب تونس العامل ان يعيش في غرة ماي من حضور عمالي وجماهيري كبيرين بهذه المناسبة العالمية؟ هل سيجد الشباب والعمال مذاقا آخر لهذا اليوم العالمي؟ ام ان الثورة التونسية سوف تضفي بصمتها على احتفالية عيد الشغل بتونس لهذه السنة؟ تساؤلات اخرى تطرح نفسها هذه السنة: من سوف يتولى تنظيم هذه التظاهرة العالمية التي للجميع دون استثناء الحق فيها؟ كيف ستنظم احتفالات هذه السنة جهويا ومحليا ووطنيا؟ كل هذه التساؤلات رفضها النظام السابق وقبلها المجتمع المدني وفي مقدمته المنظمة النقابية بشيء من التنازل عن الحقوق المكتسبة التي كان يتمتع بها العمال في مثل غرة ماي من كل سنة وبما أن الامر كان ممنهجا من السلطة تقلص حجم هذه الاحتفالية التي تكون بدايتها سنويا في قصر قرطاج لكل الاطياف دون استثناء ولا فخر لأحد عن الاخر في الخروج عن هذه القاعدة المفروضة بل العكس هو الصحيح حيث اصبح الكل في سياق دائم للحضور وتقديم جموع المكرمين من بينهم الا من كان من المغضوب عليهم والذين كان عدم حضورهم رفضا من السلطة وليس عزة نفس منهم فالكل سواسية في هذه النقطة ثم تقتصر الاحتفالات فيما تبقى من وقت ليوم غرة ماي على ساحة محمد علي بالعاصمة وبعض الساحات في عدد قليل من الاتحادات الجهوية وما تبقى كانت فيها الاحتفالية تقام داخل قاعات شبه مغلقة حتى انّ احتفالية بطحاء محمد علي تقلص حجمها أيضا واصبحت تقام داخل القاعة باعتبار ان الاتحاد العام التونسي للشغل هو المنظمة الوحيدة الوفية لهذه الذكرى التاريخية في حياة عمال العالم وكنت تحدثت عديد المرات على اعمدة جريدة الشعب عن تاريخ الاحتفالية التي كنا نعتبرها نوعا من المران على التظاهر وممارسة الحق النقابي بالبلاد حيث كان الجميع يشارك وكانت مدينتنا تستعد قبل اسبوع او اسبوعين لهذا اليوم الكبير الذي يضرب معه الجميع موعدا لا يخلفه اي كان لكن بالممارسة التيذكرتها آنفا تلاشت الفكرة من مخيلة الشيب قبل الشباب لان كبار السن كانوا قد عايشوا مثل تلك التظاهرات فبقي لهم منها بعض الذكريات الجميلة اما الشباب ارجو ان يكتشفا هذه السنة المعني الحقيقي لغرة ماي او عيد الشغل ويعلمون بأنه ليس يوم راحة فقط بل هو على دلالات ومعان عظيمة جدا قدم له السابقون من العمال التضحيات الجسام من اجل ذلك تحدثت عن عيد الشغل قبل قدومه بقليل للفت النظر إلى هذا الموعد المهمّ ونحن مازلنا لم نحتفل كما ينبغي بنجاح ثورتنا بتونس امام بعض الانفلات والاعتصامات والدسائس التي تحاك ضدها والساعية إلى هدم قيمها والحيلولة دون أهدافها والشباب التونسي المتعلم والمتحضر ثم لابد من ان نربط الاحداث ببعضها وأن نعظي لهذا التاريخ العالمي بعده الحقيقي في ظلّ الثورة التونسية لانه في واقع الامر عيد الشغل هو ايضا نتاج ثورة على واقع عمالي ومهني واجتماعي مرير كانت تعيشه الطبقة الشغيلة في العالم بصفة عامة والفرد بصفة خاصة من قمع وخصاصة وحرمان وبطالة وتشرد وغطرسة رأس المال والسعي إلى الربح دون النظر للمسائل الاجتماعية والانسانية بأي طرف وهو تماما ما كنا نعيشه قبل 14 جانفي بطالة وحرمان وتفاوت جهوي وحقوق اجتماعية منتهكة ورأس مالية مجحفة استباحت كل شيء زادتها بطالة حاملي الشهائد العليا استفحالا لقد تنفس عمال العالم الصعداء لثورة اهل شيكاغو سنة 1886 وسنت القوانين المنظمة للعلاقة الشغلية والحياة الاجتماعية والحد من البطالة وتشغيل الاطفال والنساء اللائي لَقِينَ حقوقهن في عدم التشغيل والعمل بالليل والاعمال المرهقة وغيرها فتغير بهذه الثورة وجه العالم الذي لم ينس شهداء غرة ماي الذين اقيم لهم نصب تذكاري تخليدا لتضحياتهم وترسيخا لاسمائهم التي انحنت لها جبابرة الرأسمالية في تلك الفترة وربطها بهذا اليوم العالمي الذي اصبح موعدا ثابتا يلتقي فيه جميع عمال العالم كل بطريقته في احتفالية متنوعية لتأخذ طابع المهرجانات والكرنفالات وهاهو الشعب التونسي يعيد التاريخ إلى المربع الاول ويستحضر تلك الفترة بكل ما تختزله من ألم وحرمان وقمع وقهر ليثور في وجه الطغيان تماما على نفس شاكلة اهل شيكاغو الذين بدأت حركتهم تصاعدية حتى اطاحوا بقوى الجبروت ونفس الشيء قام به الشباب التونسي تدرج في ثورته جغرافيا من أقاصي الجنوب لتمتد بخطًى ثابتة صوب العاصمة موعدها بطحاء محمد علي انطلاقا وعودة إلى كل تحرك رافض للظلم والقهر والبطالة وتقييد الحريات وتكتيم الافواه وكما كان في شيكاغو اصبح في تونس كان الجزاء من نوع العمل العمل نضال وتمسك بالحقوق والحريات وحق التشغيل والجزاء رضوخ المتسلطين والمستثمرين على حساب العمال والعاملات وبما ان الهدف في كلا المحطتين كان نبيلا والمقصد كان واضحا يبقى الحس العمالي والانساني دائميْن مهما تغيرت الاعراق والاديان أو الاديولوجيات فالمطروح اليوم على كل مكونات المجتمع المدني بتونس وهي متحررة من كل قيود ومعفاة من وجوب تلبية دعوة حاكم قصر قرطاج وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل بطبيعة الحال انطلاقا من ارثه النضالي ومخزونه الثقافي العمالي وثقله الاجتماعي بالبلاد واحتراما لقدسية ساحة محمد علي في الحراك النضالي الاجتماعي والوطني كل ذلك يفرض على المنظمة ان تتقدم الجميع وتؤسس لاحتفالية غير مسبوقة يشارك فيها الجميع دون استثناء خاصة انّنا في عهد الثورة التي في رحابها لم يعد هناك محرّم وممنوع وغير مرخص فيه وألغيت في حضورها كل التهم المسبقة وقد اثبت هذا الشباب قدرته على تأطيره اكبر المسيرات والمظاهرات والتجمعات حجما وقدرته على احترام النظام العام والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة هذه السنة سوف تمتزج احتفالية ثورة شيكاغو بثورة تونس التي سوف يعطيها الشباب بعدا احتفاليا في اطار سلوك اجتماعي وترابط وطني منقطع النظير لان هذا الشعب يريد ان يكذّب الترهات والدعايات المغرضة التي تتحدث عن شعب غير واع وانه قابل للجنوح في اي لحظة ان لم يكن مراقبا وممسوكا بيد من حديد لقد فند كل ذلك بالملموس وأعتقد انه قادر على تنظيم احتفالية عظيمة بكل المقاييس وان يقطع نهائيا مع ان يكون عجينة طيعة في يد السلطة او من لف لفها مهما كان لونها او حجمها أو منهجها لان الفرد هو أساس كل بناء اقتصادي واستقرار اجتماعي وسياسي والحكومات متعاقبة والفرد باق والانظمة زائلة والوطن قاسم مشترك بين الجميع وان مثل محطة غرة ماي لا تزيد المجتمع والعمال الا تماسكا وتآخيا نريد ان يكون لعيد الشغل الاول بعد الثورة المباركة طعم خاص جدا تونسي الاهداف عالمي الطابع والمرامي والشعارات ووجه الشبه بين الثورتين أنهما غير مسبوقتين في تاريخ العالم غرة ماي 1886 و14 جانفي 2011. لكل واحدة خصوصياتها وطعمها الخاص وتبقى الافضلية عندي لثورتنا بعفويتها وعدم انتسابها إلى أي كان.