في بداية السنة الحالية 2011 صدر عن دار المهى للنشر والتوزيع بتونس »كتاب جيب« هو ديوان شعر من الحج المتوسط ضمّ بين دفّتيه 102 صفحة حوت 32 قصيدة وزّعت ما بين قصائد قصيرة وأخرى شبه طويلة جاءت في الشّعر الحرّ من السهل الممتنع كسا بعضها الغموض ورمز تشفيرها لدى التي نظّمها. هو باكورة أعمالها وحصاد سنوات فاقت الاربعين تخطّتها استاذة قديرة وشاعرة مرهفة الحسّ »مها عزوز« نضرة يتفتّق الربيع فيها جيلا بعد جيل كما لمحت لذلك في قصيدتها »جوّال« فلا غرابة إذن ان اطلقت على مجموعتها »أعشاب الاربعين« والاعشاب دائمة الاخضرار. هذا الديوان هو وليد زمن الثّورة وكان هنا منذ ايام خلت بمعرض الكتاب الاول بعيد الثورة »تونس حرّة« بقاعة العروض الى جانب الكتب المحظورة ما قبل الانتفاضة الشبابية لكنّه لم يحمل ولو إشارة واحدة إلى ثورة الشباب رغم انّ »مها« شابة وشاركت في الثّورة بالاعتصام في القصبة ولقد اكتفت بالاشارة في احدى قصائدها إلى مسألة بغداد وأتت في أخرى على مشكلة غزّة الابيّة فمجّدتها تمجيدا وعظّمت صمتها وشموخها وصمودها تعظيما ومثلتها بنفسها التي تأبى الخضوع قائلة: لا تعجبي سيّدتي فأنا بعد تلك الفتاة الاندلسية، كلّ المشكلة يا سيدتي ان حقول الزيتون تأبي الانكسار فيّ وعيون التّفاح تنكر الاحتضار عليّ وشد الزيتون يقرّح على الأبد جفنيّ. فإن لم تكتب شاعرتنا الرقيقة على الثّورة فبداخلها ثورة كبرى ضد الانتظار الممل الذي لا رجاء من بعده فتخاطب الحبيب عتابا بقصيدة عنونتها بالمشبّه بالغفل »ليت« (ص 51) وليت للتّمني. وتثور المتيّمة ضدّ وحدة العيش ومرارتها وآلام الغياب وعذاباتها ويتجلى ذلك في قصيدتها »غياب« »ووشم وشعور« التي تقول في مفتتحها: »يلزمني عامان آخران من الغياب وسنديانة عجوز ترفع عن مدامعها النّقاب وقطر يسيح كالوجع من أعين السحاب لأقول أحبّك وليس في نيّتي الانسحاب أيضا عبّرت عن ثورتها الداخلية كتابة ضد التّناقض وضد عدم الانسجام والتّجاوب كما عبّرت عن حاجتها الملحة إلى عواطف الشريك وتشير بالبنان إلى التفاهم والتّزاوج بين أصغر المخلوقات في قصيدة »جوْربان« فتقول: عند مراصد النّفس توقّف يسترق حديث الحرقة والكتمان ثم يبشر باعادة النظّام إلى غرفة تؤثّثها أزواج غير متشابهة للجوارب وأخرى للنّوتات وحدها كانت تملأ خزّان العواطف المهملة تناسل فيه السوس عرسا بعد عرس. تعبّر عن حسرة من شدّة الوجد وتشكو شحّة الحبيب وتجاهله فتدعوه إلى التّلاقي في موعد النّسيان (صباح الخير ص 32 وهما ص 31). لقد أضنتها عواطف الشريك الباردة وعدم القدرة على ارضاء رغباتها فلم تجد ملجأ سوى الاختلاء بحبيب تحت ظلّ الكرم تشكوه حرقتها لأنّها وجدت فيه سلواها وتسبح في احلام اليقظة بين ماض حلو وحاضر مضن غير عابئة بعامل البناء الذي يرقمها من فوق سطح الجار ولا تستفيق من أحلامها إلا على نداءات زوجها المتكرّرة فتكتم أنفاس حبيبها الذي اصبح عقب سيجارة في حبة التّين العقيمة، تلك حكاية ترويها لنا في قصيدة »حياتنا الطبيعية« ص 91. اما قصيدة »شهوة ملحة« فتأخذ الشاعرة الى عالم ورديّ ساحر لتصوّر شريط خلوة حميميّة بين عشيقين لكن في النّهاية تكتشف انها امرأة تغازل أوّل سيجارة تدخّنها. أخيرا أقف عند قصيدة »ارحل« التي تعبّر فيها عن عفّتها وصلابتها بالوقوف صامدة أمام مغريات ذات قيمة وترفض دعوة إلى خلوة في قصر معمور تنتهك فيه الاعراض مقابل هدايا ثمينة ومال كثير وأجود خمور فتتجّه نحو مغريها بقولها: ارحل DEGAGE سيدي خذ مالك وارحلْ خذ ما نسج النّفط من مخمل خذ قلائد اللّؤلؤ لفظ أنفاس معجّل خذ نزيف العمر المؤجل فحريمك أبدا لن أدخل وأذكر جيّدا أنّي بعشقي أبدا لن أخجل والحبّ عندي جداول عسل تخمر أرشفها على مهل فأسكر واستهلك مالي وعرضي وافر لا يقهر فتعلم يا حبيبي كيف تنسى وتعلم كيف تذكر.