سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«أي دور للنقابات في الانتقال الديمقراطي؟» كلمة الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في ندوة:
لا لإقصاء أي طرف في بناء تونس الديمقراطي
تندرج هذه الندوة الفكرية في اطار الحراك الذي يساهم فيه الاتحاد العام التونسي للشغل بمختلف هياكله للسعي الى التقدم بالثورة والدفع إلى تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لقد فجر شباب تونس وقواها الشعبية في مختلف أنحاء البلاد وخاصة في الجهات الداخلية، هذه الثورة العارمة ضد التسلط والاضطهاد والتفرد بالسلطة والفساد وارتهان الدولة ومؤسساتها لفائدة مصالح ضيقة لبعض العائلات والأوساط المرتبطة بها التي تنهب خيرات البلاد على حساب الشعب وقواه التي بقيت تعاني من البطالة وتدهور المستوى المعيشي وانعدام التنمية ومن كل مظاهر التهميش والاحتقار والاهانة وهي من الاسباب الرئيسية التي فجرت الثورة ويمكن اختزالها كما يلي: أولا: الأسباب الاجتماعية والاقتصادية: البطالة، تدهور المستوى المعيشي لعموم الشعب وبالأساس العمال والفئات ذات الدخل المحدود، الفساد، الثراء الفاحش للأقلية على حساب الأغلبية، توظيف مؤسسات الدولة وتسخيرها لفائدة مصالح هذه الاقلية. اختلال التوازن بين الجهات. ثانيا: الاسباب السياسية: الاستبداد، الاضطهاد، التفرد بالسلطة، ارتهان الدولة ومؤسساتها والتصرف فيها وكأنها ملك خاص. وقد احتضن الاتحاد هذه الثورة وأطرها منذ انطلاقتها عبر المشاركة الفاعلة لمناضليه ولهياكله القاعدية وتصاعد تجاوب الاتحاد مع هذه الثورة تدريجيا مواكبا تطور وتجذر شعاراتها وشاركت مختلف الهياكل المحلية والجهوية والقطاعية والقيادية في هذه السيرورة لتعطيها زخما ودعما كان له دور حاسم في إسقاط الدكتاتور وهروبه يوم 14 جانفي 2011، وواصلت هياكل الاتحاد دورها لتعميق الثورة ولتفكيك منظومة الديكتاتورية. وكان لنضالات الاتحاد دور حاسم مع بقية قوى الشعب ومع الثوار في إسقاط الحكومة الاولى ثم الحكومة الثانية لمحمد الغنوشي، وفي التوجه نحو مسار بعث المجلس التأسيسي وفي خلق مجلس حماية الثورة ثم في مرحلة ثانية في صياغة لجنة تحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. وكما انخرط الاتحاد في الثورة لإسقاط الدكتاتورية فانه منخرط في النضال حتى تحقق هذه الثورة أهدافها وتؤمن للشعب التونسي نقلة نوعية في حياته تضمن له مطامحه في حياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة تقطع مع كل اشكال التسلط والاقصاء والتهميش والانغلاق وتوفر ظروف ممارسته لمواطنته بشكل كامل في كنف الحريات العامة والفردية والمساواة التامة بين المرأة والرجل، وعبر ديمقراطية حقيقية قائمة على الحداثة والقيم الانسانية. إننا ناضلنا ونناضل كي يتم تكريس اهداف الثورة عبر صياغة دستور جديد يكرس المبادئ التي قادت الثورة ويضع الأسس لتحقيق كل أهدافها كاملة غير منقوصة. إن الدستور الجديد الذي نسعى الى بنائه عبر المجلس التأسيسي لا يجب بناؤه من عدم ولابد له ان يكرس ما تحقق للشعب التونسي عبر تاريخه النضالي الكبير من مكتسبات وان يسعى لتعزيزها عبر دعم وتأصيل قيم الحداثة والتفتح والمساواة بين المرأة والرجل والديمقراطية الحقيقية التي تكفل الحريات الفردية والعامة وتحترم حرية المعتقد في اطار احترام هوية الشعب العربية الاسلامية ومن خلال تحييد الدين عن المجال السياسي حتى يبقى الدين لله والوطن للجميع. إننا ملتزمون بالمساهمة في نضال شعبنا لارساء نظام جمهوري ديمقراطي يحترم ويقوم على سيادة الشعب وينظم بناء مجتمع مدني قائم على المواطنة والحرية. ولأن الحقوق الاجتماعية هي الضامنة للكرامة التي مثلت إحدى الشعارات الاساسية للثورة فلابد للدستور الجديد ان يصحح ما طرأ من تراجع واختلال في المستوى الاجتماع للفئات الشعبية وذلك عبر تكريس مجانية التعليم والحق في الصحة وفي مجانيتها والحق في السكن اللائق. إننا نقدس العمل كقيمة سامية ونعتبره حقا من واجب الدولة توفيره لكل موطان ضمانا لكرامته، ووسيلة يحقق من خلالها ذاته ويمارس بها انسانيته. لقد كان للاتحاد العام التونسي للشغل دور فاعل في اعمال المجلس التأسيسي الاول لسنة 1956 وهو دور حتمه ثقل وزن المنظمة ودورها الريادي في الحركة الوطنية بقيادة زعيمها فرحات حشاد، وقد ضحى النقابيون بدمائهم لتحرير هذا الوطن واليوم علينا جميعا ان نعمل ليكون للاتحاد دور فاعل في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها بلادنا. إن استهداف الاتحاد من جهات مختلفة والسعي لإلهائه وارباكه وابعاده عن المساهمة الفاعلة في بناء مستقبل تونس هدفه تحييد منظمتنا كقوة اجتماعية وشعبية اساسية وتهميش دورها كقوة توازن في المجتمع من القوى الاساسية الضامنة لاستقرار البلاد وللحداثة وللتقدم بها. إن بلادنا اليوم في مفترق الطرق وهي في حاجة الى كافة الطاقات لمجابهة تحديات المرحلة القادمة. فحجم الاصلاحات لا يحتمل اقصاء او تهميش اي طرف ولابد من التأكيد هنا ان الاصلاح ليس حكرا على الاحزاب السياسية بل هو مشروع ضخم يستوجب مشاركة كافة مكونات المجتمع المدني والقوى الحية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي سجل حضوره ومشاركته في كافة المحطات التاريخية والمواعيد الوطنية الكبرى، ولم يقتصر على ترديد الشعارات بل قدم البرامج والبدائل منذ الخمسينات والستينات وهو الطرف الوحيد في المجتمع المدني وفي أوساط الاحزاب والمعارضة الذي عرف بآرائه ومقترحاته من مختلف قضايا التنمية والبناء الديمقراطية ومنها قضايا التعليم والصحة والتشغيل والجباية وترسيخ أركان الدولة الديمقراطية وغيرها من القضايا التي خصها الاتحاد بزخم هائل من الندوات والدراسات والكتب والمنشورات. إن الانتقال اليوم من واقع الثورة الى واقع الدولة الجديدة يتطلب جهدا كبيرا لتحويل شعارات الثورة الى واقع ملموس، فاذا كان شعبنا قد نجح في انجاز ثورته فهو مطالب اليوم بتكريس اهدافها وهي عملية محفوفة بالمخاطر لان قوى الردة والتطرف لن تفوت اية فرصة للانقضاض على الثورة وإجهاضها ولعل من ابرز هذه الفرص ضعف الدولة الذي يشكل أرضية ملائمة للفوضى ولكل اشكال الانتكاس. إن الاصلاح ورشة عمل كبيرة سيشارك فيها الاتحاد بكل طاقاته لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية وارساء منظومة تنموية عادلة. وعلى الجميع ان يدرك ان ببعد الاتحاد على دائرة الاصلاحات الجوهرية سوف يعطل المسار الثوري ولن تستفيد منه سوى قوى الجذب الى الوراء وقوى التطرف والعنف بمختلف ألوانها. إن الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية هي في جوهر العمل النقابي وهي من أولويات المنظمة الشغلية. غير ان هذه الاصلاحات لن تتحق الا في اطار اصلاح شامل للنظام السياسي وهو ما يستوجب تعبئة نقابية عريضة لكسب رهانات المرحلة الاولى من الثورة وفي مقدمتها المجلس التأسيسي بوصفه الحلقة الرئيسية التي ستحدد ملامح المستقبل ومصالح الدولة الجديدة. إن الخيارات الاقتصادية والسياسية لها انعكاس مباشر على أوضاع ا