أمام حيرة الشارع التونسي على مصير ثورة شعبه وضروة تحقيق اهدافها والمحافظة على مكتسباتها خوفًا عليها ن محاولات الارتداد والاحتواء. أمام حيرة المواطن التونسي الذي يتساءل عن واقع البلاد ومستقبل العباد حرية وديمقراطية أم إعادة بناء ديكتاتورية«. وأمام التغاضي الكبير واللاّمبالاة المفرطة التي دأبت عليها ثلاث حكومات تعاقبت على البلاد من حكومة بن علي إلى الغنوشي وصولاً إلى حكومة السّبسي، باعتبارها ثلاثة وجوه لعملة واحدة عاد بذلك المتظاهرون والمحتجون الى الشارع نظرا لانه لم يتغير شيء لذلك نقف اليوم حائرين متسائلين طارحين جملة من الاحراجات التساؤلية المتعلقة بالوضع العام وعودة الحراك داخل الاوساط وفي عديد الجهات. لنسأل: ما الذّي تغيّر في توسن بعد ثورة الكرامة والحريّة؟ وما الذي يبرّر عودة الاحتجاجات؟ وكيف ستكون ردّة فعل الحكومة امام احتقان الوضع وفقدانها للحلول الامنيّة السليمة والسلميّة؟ وإلى أي مدى ستواصل السّلطة سياسة الاستنكار والمماطلة تجاه الشعب؟ في المقابل: هل ستقتصرُ الاحتجاجات هذه المرّة على التظاهرة ورفع الشعارات أم أنّ هذه العودة تتطلبّ تجديد الآليات؟ بالتالي: ماهو دور المنظّمات والقوى الطلائعيّة الثورية والتقدميّة في ذلك؟ إنّ التطرّق إلى مثل هذه المسائل اليوم يعكس مدى حاجتنا إلى إيجاد الاجابة التي من شأنها ان تفتح الافق السياسي لمعرفة الرّاهن بمتطلبّاته والمستقبل بمقتضياته ورهاناته، وهو ما يعبّر على حقيقة الواقع وجملة الوقائع التي بات عليها المشهد السياسي العام في توسن والذي اثرّ جليا »وضمنيّا« على جميع مجالات الحياة نتيجة الارتباط العضوي والترابط الجدلي بين هذه المقوّمات المتأثّرة بسياسة النّظام وبرامجه وهو أمرٌ طبيعيّ. من هنا، وبطبيعة الحال يجب التأكيد على جملة الابعاد والخصوصيات التي نستشفّ من خلالها انّ وضعية الأمس تطرح نفسها اليوم وبأكثر حدّة بمعنى اشمل »لم يتغيّر شيء«. وإن تغيّرت الاسماء حافظت الحكومات على سياستها وبرامجها وأجهزتها القمعيّة حتّى أنّ ما يبرر عودة الحراك إلى الشارع اليوم هي الحالة التي آل إليها الوضع. هذه اللحظة ستكشف لنا عن المبرّرات والدوافع الرئيسيّة التي أعادت الرجّة إلى الاوساط الشعبية، أي عادت الحكومة إلى الظهور بنفس الوجه فعاد مقابل ذلك المواطنون بنفس الغضب الذي أعلنوه قبل هروب رائد الطغيان. عودة الحراك وروح النضّال الثوري يطرح جملة من الاشكاليات المتعلّقة بأزمة المشهد السياسي في الوقت الذي قَرُبَ فيه موعد انتخابات المجلس التأسيسي، ذلك الموعد كان من جملة الاسباب المباشرة التي جعلت الرّأي العام التونسي يقابله بالرفض باعتبار الظروف الحالية المزرية وضيق الوقت الذي لا يسمح البتّة بالاعداد الملائم لهذا الموعد التاريخي الذي سيقرّر حتمًا طبيعة النظام القادم. ولمعرفة الاسباب التي تقف وراء ذلك علينا ان نطرح سؤالاً اكثر عمقًا وتجذّرًا على نحو يستقيم فيه الوصل بين عودة الحراك وأزمة المشهد بصفة عامّة وحتى يكون تساؤلنا على هذا النّحو: لماذا نعود إلى الشارع؟ عُدنا والعودة أحمد، عُدنا لأنّ قناعاتنا كبيرة وراسخة كون أنّ الوضع الحالي أخطر بكثير ممّا كان عليه بعد 14 جانفي، نقول أخطر لانّ هذه الحكومة ليست »حكومة ائتلاف وطني« بقدر ماهي »حكومة ائتلاف بنعليني بورقيبي«. عُدنا أيضًا، لاننا نعلم أنّ هذه الحكومة لا تتحرّك إلاّ بالضغط والضغط الشعبي، فمن يدفع بها ومن يحرّك الوضع والتاريخ؟.. وحدها الشعوب المضطهدة والمقموعة قادرة على تحريكه ويكفي لشعب تونس العظيم ما عاناه أكثر من 50 سنة قمعًا واستبدادًا، قهرًا واستغلالاً. عُدنا أضا، لأنّنا لا نقبل ولم نعد نقبل بسياسة الوعود وإلى البعض برمي الورود، كما لا نَقبل بهذه الحكومة القائمة على قانون العطالة والجمود نقول جمود، لما آلت إليه في قراراتها وتحديد وجهة مواقفها بالمستقبل على أساس الماضي. وهو ما يبرّر حقا عودة الناس إلى الشارع من أجل أن لا تعود تونس إلى الوراء، من أجل ان لا تجهض الثورة وتنتصر بذلك الثورة المضادّة على نضالات شعبنا التاريخية. وتأكيدًا لذلك نقف على حقيقة التراجع والتّململ في المواقف والانقلاب على جملة التصريحات والتعهّدات من طرف الحكومة. وكي لا تعود الثورة إلى الوراء أي إلى أنصار النظام البائد وردّ الاعتبار الى هيبة الدولة البوليسية التي حكمت بالحديد والنار الدولة التونسيّة. وما يؤكد ذلك أكثر أنّ جملة الاحتجاجات في الشارع التونسي كانت أسبابها واضحة ومطالبها اوضح لكن ردّة الفعل التي قوبلت بها هذه التحركات من قبل بوليس السّبسي قامت على قمع الاحتجاجات الشعبية بكل وحشية وشراسة من قبل قوات البوليس التي سارعت الى اطلاق القنابل المسيلة للدموع مقابل اطلاق الناس لشعارهم المرحلي »الشعب يريد الثورة من جديد« فهل لذلك من مبرّر أم أنّ ذلك تأكيدٌ لرغبة ذلك العجوز الذي تنطبق عليه مقولة »هرمنا«، لأنّه حقيقة هرم وأصابه الهذيان، وما يزيد ذلك تأكيدًا ردّة فعل الوزير الأول على تصريحات وزير الداخلية السابق عندما قال حرفيًّا (يكذب)، وعندما سُئل متى يُحاسبُ رموز الفساد؟.. أجاب: »من له »ڤرام« من الرجولية من عامّة الناس أو من الصّحافيين فليتقدّم بشكوى ضدّ الفاسدين« اما عن هروب المساجين وجّه التهمة إلى إدارة السّجون بحجة احتجاجهم على الزيادة في الأجور. من جهة أخرى، وفيما يخصُّ الوضع الامني سُئل: هل يجعلُ إعلانُ حظر التجوّل واحتقان الوضع في البلاد وعودة الغضب الشعبي من موعد الانتخابات في 24 جويلية أمرًا صعبًا؟.. فأجاب بأنّ موقف الحكومة في علاقة بتاريخ الانتخابات رسمّيًا مهما كانت الظروف! بالتالي، أين الهيئة العليا التي شكّلت لتراقب الحكومة فأصبحت الحكومة تراقب الهيئة وتتجاوزها أيضًا. في المقابل: عندما سُئل عن دور الاحزاب ورفضها لهذا الموعد،.. أجاب: »خلّيهم يحكيو على رواحهم«. إذًا، عُدنا إلى استكمال مهامّنا الثورية، لأنّ عديد الثورات التي لم تكتمل في العالم وعبر التاريخ حُوسب عليها المتسببون فيها. هنا نسأل من تسبّب في الثورة التونسية؟ لنجد أنّ الجهات المفقّرة وصغار الفلاحين والشباب العاطلين هم الذين ثاروا على الوضع تبعًا لذلك لا يجب اليوم ان نصمت عن هذه الممارسات اذ يجب علينا الصمود أكثر والمضي إلى الأمام من أجل أن لا تذهب دماء شهدائنا ودموع عيون أمهاتنا في أيدي سماسرة التاريخ الذين باعوا الوطن، فيبيعونها لأعداء الثورة. كذلك، إن كانت تصريحات رئيس الحكومة عند ذلك الحدّ وبطريقة ساخرة من شعب غاضب عائد إلى الاحتجاج في الشارع، ومن جلّ مكوّنات المجتمع المدني الرافضّة لجملة القرارات التي لا تخدم مصلحة البلاد والعباد، ماذا يعني كلّ ذلك؟.. بعد أن تمّ الاعلان عن اطلاق الحريّات من تظاهر وتعبير وصِحافة إلخ، حتّى يُقمع التظاهر ويمنعُ التعبير وتضربُ الصِّحافة والصِّحافيون. هُنا، أستدعي إلى ذاكرتي تلك الكلمات التي جاءت على لسان الشاعر التونسي »عبد الفتاح بن حمودة« عندما قال: »خُذُوا كلّ شيء واتركوا لنا الحريّة« نعم، خذوا الكراسي والحقائب الوزارية واقتسموا ثروات البلاد وتاجروا بدماء الشهداء في المزاد العلني وارهنوا البلاد، لكن اتركوا لهذا الشعب ذلك الهامش من الحريّة، بعد أن ظنّ الشعب نفسه قد تحرّر وافتك الحريّة وبنى دوة ديمقراطية عصريّة ووقف على حقيقة الممارسات الوحشية تجاه الاحتجاجات الشعبيّة، استفاق من حُلمه وقطع مع أوهامه وتأكّد من ضرورة مواصلة النضال من أجل المحافظة على مسار الثورة في اتجاه استكمال مهامّها كي لا يذهب كلّ شيء في مهبّ الريح!. جهادوج: ماجستير فلسفة (نقابي وناشط حقوقي)