يعتمد النظام التربوي في تونس على جملة من الكفاءات العلمية والبيداغوجية الضامنة لتحقيق أهدافه الأساسية في بناء إنسان المستقبل، إنسان واع بتاريخه وواقعه وعيا نقديا،فاعلا فيه، ومسئولا عن ذاته وعن كل الإنسانية وذلك «بايقاظ مؤهلاته وتنمية شخصيته بابعادها الخلقية والوجدانية والعقلية وتسليحه بما يكفل وعيه بذاته وبالاخر» كما ورد في القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لسنة 2002. وتعد شهادة التبريز إحدى أهم السبل التي توخاها التعليم في تونس للنجاح في رهاناته الوجدانية والمعرفية والقيمية. وهي شهادة علمية وبيداغوجية اعتبرت عند المختصين التربويين في المدرسة الحديثة مؤشرا مهمًّا على مدى التقدم الذي بلغه هذا النظام التربوي وذاك، إذ يؤكد النص القانوني المنظم لمهام الأستاذ المبرّزِ على أن المبرِّزَ يقوم «بالتدريس أساسا بالتعليم الثانوي» وهو مكلف تبعا لذلك بالمهام التالية: المشاركة في مجالس الأقسام والتوجيه وفي سير الامتحانات. المشاركة في الاجتماعات ذات الصبغة البيداغوجية. المشاركة في أشغال مجموعات الدراسات والبحوث البيداغوجية المنظمة في مؤسساتهم. «كما يمكن تكليفهم بتقديم المساعدة البيداغوجية وبتاطير المدرسين»... (الامر عدد 2438 المؤرخ في 19 اكتوبر 2004). إن المتأمل في هذا الأمر يلحظ دون عناء مدى الحيف الذي لحق بالمبرز خاصة في مستوى النقطة الأخيرة إذ وردت فيها صيغة «يمكن» بما يعنيه ذلك من غياب للإلزام وللحق في المطالبة به، بل إن واقع الممارسة التربوية يكشف في الغالب عدم اخذ تلك النقطة بعين الاعتبار من قِبَلِ سلطة الإشراف والهياكل المعنية بتنفيذ السياسة التربوية. إن المنتظر من الأستاذ المبرّز هو أن يقدم الإضافة في التحصيل المعرفي والتكوين البيداغوجي وأن يؤدي واجبه المهني للارتقاء بالمنظومة التربوية الى المكانة التي تنتظرها المجموعة الوطنية.لكن هذا المأمول منه يواجه عراقيل وصعوبات وجب الحد منها ضمانا لنجاح المبرز في مهامه هذه، ونتقسم هذا الصعوبات الى: صعوبات تشريعية إذ يفتقد المبرز إلى نص قانوني في الثانوي والعالي يحدد بدقة مشمولاته ويطورها بما يتلاءم ومنشود المدرسة التونسية اليوم. صعوبات هيكلية: إذ ينتمي المبرزون الى صلاحيات وزارتين: وزارة التربية ووزارة التعليم العالي وهو وضع نتج عنه حرمان المبرز من مكانته العلمية والبيداغوجية في الوزارتين: فهو في التعليم العالي لا يتمتع بنفس حقوق مدرسي التعليم العالي من مساعد واستاذ مساعد واستاذ محاضر واستاذ جامعي... بل تسند إليه كل المهام التي يقترحها المجلس العلمي دون مراعاة لكفاءته وفي مخالفة صريحة لما يقره النص القانوني الذي يصرح إن الاستاذ المبرز «يقوم... بمهام التدريس والتاطير البيداغوجي». ولكنه في مستوى الواقع لا يُعترف له بهذا الحق في التكوين والتاطير، أضف الى ذلك انه ينظر إلى المبرّزين في مستوى تسيير مؤسسات التعليم العالي وكأنهم «جسم غريب» عن الجامعة فالمبرز لا يشارك في تقديم المقترحات في مستوى الدروس والاشغال الموجهة بل يلزم بتدريس ما يقترحه استاذ المادة، وهو لا يتمتع بأي وزن في مستوى المجلس العلمي أو في انتخاب رؤساء الاقسام والعمداء اذ ليس له الحق في الانتخاب اصلا، وهو لا يملك حق النشر في المجلات العلمية التابعة للجامعات باقسامها المختلفة، أما في المستوى التأجير فانه وضع لا يُحسد عليه إذ ليس له أي امتياز مادي يوازي الأعمال الموكولة إليه. وإذا كان النص القانوني المنظم لمناظرة الاستاذ المساعد يشترط الماجستير مع تقدم في اعداد أطروحة الدكتوراه أو التبريز لا غير فإن الواقع الحالي يبين أن لجان الانتداب خاصة في المواد الإنسانية لا تحفل بهذه المقاييس ولا تقرأ أي حساب للفصل 34 من شروط الانتداب في خطة مساعد، بل إن بعض لجان الانتداب عدت التبريز عاملا لعدم قبول المترشح المبرز بتعلة أن الاولوية لمن لا يعمل إذ أن المبرّز يكون في العادة مدرسا في الثانوي. في حين أن المطلوب هو تثمين دور شهادة التبريز للرقي بجودة التعليم العالي، ومن دواعي ذلك اليوم الترتيب المتدني لجامعاتنا على مستوى التصنيف الدولي لأحسن الجامعات (تصنيف شانغاي الأخير) مما يجعل من المراهنة على الكفاءة العلمية والبيداغوجية أمرا ملحا وضروريا لتجاوز هذا التردي، أما على المستوى النقابي فان الأمر يشهد تحركات من طرف النقابة العامة للتعليم العالي لعل بعض مكاسبه ظهرت في إعادة الاعتبار إلى المبرّزين التكنولوجيين ولكن رغم ذلك لا يزال مبرزو العلوم الإنسانية على نفس الحال من الإقصاء والتهميش العلمي والإداري. أما في وزارة التربية فوضْع المبرّز ليس أفضل حالاً، إذ خلافا لزميله في التعليم العالي الذي يدرس 12ساعة فهو يدرس 15 ساعة، وإذا كان المبرز في التعليم العالي لا يشتكي من سيف الأغلبية والأقلية فان الأستاذ المبرز في الثانوي يقاسي الأمرّين من الاثنين: فالنظر إليه من جهة الأغلبية تبرزه لا يمثل شيئا وعليه فهو مطالب بالخضوع إلى مطالب الأغلبية في مستوى التأجير إذ هو ينظر في مستوى الزيادة في الأجور بالأستاذ الأول، ولم يتمتع بزيادة خصوصية إلا مرة واحدة وكان ذلك في فترة الأستاذ الفقيد محمد الشرفي، فعوض أن يثمن دوره العلمي والبيداغوجي نجد وزارة التربية لا ترى حيفا في تنظير المبرز بالأستاذ الأول، وهو لا يتمتع باي إنصاف مثلا في مستوى الترشح للإدارات المركزية داخل الوزارة أو في المندوبيات الجهوية كما هو الأمر بالنسبة إلى إطار التفقد. فهل يعقل أن يتواصل هذا الحيف اليوم؟ ألم يحن الوقت بعد لمنح المبرز حقوقَه الماديةَ والمعنويةَ كاملة؟ -أما النظر إليه من جهة الأقلية فيؤدي عمليا إلى عدم الاكتراث بهذا الصنف في مستوى النضالات النقابية للقطاع إذ رغم ما تضمنته لوائح مؤتمر النقابة العامة الأخير من تنصيص مهِمٍّ على ضرورة إيلاء المبرّز المكانة التي يستحقها في المستوى العلمي والبيداغوجي والمادي،فإن هذه المطالب، رغم هذا المجهود، تحتاج اليوم إلى مزيد من التفعيل ومزيد من الحرص على تحقيق مطالب المبرّز في الثانوي من حيث المشاركة في لجان التأليف وفي الإشراف على الامتحانات الوطنية وفي الإعداد البيداغوجي لإطار التدريس ، كما يجب على الاتحاد العام التونسي للشغل والهياكل النقابية الممثلة لقطاع التعليم الثانوي أن تعمل من اجل إرساء تأجير عادل ومنصف للمبرّز يناسب كفاءته العلمية والبيداغوجية، كما تجدر الملاحظة هنا أن التعلل بالعدد الصغير للمبرّزين مقارنة ببقية زملائهم ليست بالحجة المقنعة نضاليا ونقابيا، إذ أن من أهم أسس النضال النقابي كما أرسته مدرسة حشاد العظيم هو العمل على أن يأخذ كل عامل حقه بحسب الكفاءة والجدارة لا أن يهضم حق أقلية بتعلة أن الأغلبية نالت حقوقها. إن العمل على فتح آفاق مشروعة للمبرز لهو اليوم من أوكد ضرورات كل نضال نقابي آلَى على نفسه أن ينتصر دوما لحقوق منظوريه المعنوية والمادية بقطع النظر عن وزنهم العددي أو الانتخابي، وهو نضال يندرج في صلب الدور الأصيل للاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة العريقة في مستوى الدفاع عن الوطن وحقوق العمال.