أجزم ان لا أحد يعرف مثلي حماسة عدنان الهلالي للفعل الثقافي في مدينة سبيطلة، فهذا المسرحي والشاعر المشنوق دائمًا بقدرة مرهفة على السخرية والتندّر التلقائي والمتسربل كلما قابلته بالابتسامات المرّة عن واقع ارضه الثقافي دائما ما يبدو لي شبيها بدونكيشوت في اصراره على مقاومة كل العتمات المظلمة التي كرّسها النظام السابق لتظل مدينة سبيطلة تحديدًا وكامل ولاية القصرين والوسط الغربي عموما تسبح في بحر من التجهيل والتفقير المعرفي والفكري والثقافي... كل دورة من مهرجان ربيع سبيطلة، التظاهرة الأضخم والاعمق في بلاد العبادلة والتي أسسها عدنان الهالي، كل دورة يتحمل عدنان مشاق تنظيمها وتأمين نجاحها واكثر من ذلك أنّ كل دورة يتعاظم الهاجس النوعيّ ويتضاعف الرصيد القيمي للتظاهرة من خلال الضيوف والفقرات التي كان دائما عدنان مايستشير اصدقاءه دون أن يستأثر هو بالرأي والاختيار... مدينة سبيطلة التي همشّها نظام الرئيس الفأر وحوّلها إلى بؤرة للفساد والفقر حوّلها عدنان الهلالي إلى أيقونة تجوب عواصم الدول الاوروبية والامريكية كل سنة من خلال تظاهرة »الحلم الطائر«... سبيطلة أيضا ارتفع بها عدنان الهلالي عندما همى بمجازاته على »فرطيطو« و»زلباني« وارتفع بهما إلى مراتب عليا وهما اللذان اسقطهما نظام الفساد إلى الحضيض... عدنان الهلالي، لم يكن يتسوّل الأموال ليموّل الأنشطة الثقافية، ولم يتنازل يوما ما عن استقلالية »ربيع سبيطلة« لحزب الخراب الوطني الذي مارس عليه شتى صنوف التضييق والقمع حتى يُفشل أيّة بارقة امل في ارساء ثقافة نوعية وتقدمية تقطع مع ثقافة »الفولكلور القصريني«. عدنان الهلالي، لا أعتبره مثقفًا فقط، بل هو مثالٌ حيّ للمناضل المتشبث بجذوره، المدافع عن أرضه وعن حق ابناء ارضه في الفعل الثقافي وهو ربما لذلك واجه فيما مضى، ولا يزال، شتى صنوف الاقصاء ومختلف محاولات الاحتواء ولعل آخرها القضية التي رُفعت ضدّه من طرف المندوب الجهوي للسياحة بسبيطلة بعد أن أدلى عدنان الهلالي برأيه في نشاط هذه المندوبية، رأيه الذي أشاطره فيه، والمتمثل في أن هذه المندوبية هي »مندوبية ظل وتعتيم سياحي« وهي أيضا »مندوبية لم ترتق الى مستوى مكتب الارشاد السياحي«... وما أثارني شخصيا للكتابة عن هذه الحادثة »السرياليّة« هو تواصل ذهنيّة القمع الرمزي، فمن حق أي مواطن أن يُبدي رأيه في أي مؤسسة أو ادارة، ومن واجب أي مسؤول أيضًا، أن يتصالح مع ذاته حتى يكون قادرًا على الاعتراف بأخطائه في تحمل المسؤوليّة... وان كنت لا أعرف السيد رضا الحنبلي شخصيا، المندوب الجهوي للسياحة فإنّي أعرف حق المعرفة موت هذه الادارة في تنشيط المنطقة سياحيا وجعلها منسية رغم ما تزخر به من مواقع أثريّة وأماكن بيئيّة كان بإمكانها أن تكون قبلة لآلاف السياح... وكان أيضًا بامكان المسؤولين عن السياحة في سبيطلة أن لا يجعلوا منها مكانًا لأكل »المشوي« وتحميل العسل والتفاح واللوز في سيارات المسؤولين العابرين بأرض الكاهنة وجرجير وفرطيطو والزلباني...