أودّ بداية أن أتوجّه إليكم بأحرّ التهاني بمناسبة انتخابكم رئيسا لهذا المؤتمر، وهو مؤتمر تاريخي بكلّ المقاييس باعتباره يسجّل انعقاد 100 دورة في مسيرة المنظمة منذ انبعاثها سنة 1919. وهي دورة تاريخية بحكم المواضيع الهامة التي تطرحها هذه السنة والتي لها انعكاسات عميقة على حياة العمال والشعوب في العالم، التي تنتظر الكثير من منظمة العمل الدولية وتتطلّع إلى تعزيز دورها ومكانتها لمساعدتها على تحقيق طموحاتها في السلام القائم على المساواة والعدالة الاجتماعية والحريّة. وهذا ما أكّده السيد المدير العام في خطابه الافتتاحي لمؤتمرنا هذا عندما وجّه نداءه العاجل من أجل عهد جديد من العدالة الاجتماعية والنموّ الاقتصادي القائم على التنمية المستديمة، وذلك بغرض تقديم الإجابة للتقلّبات المتزايدة في عالم الشّغل. وإنّنا نتّفق تماما مع هذا التوجّه ونعتقد جازمين أنّ الالتزام بمعايير العمل الدولية وبالحقوق الأساسية في العمل هي الطريق الأمثل للتقدّم على طريق العدل الاجتماعي ومحاربة الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية التي تعصف بعالمنا والتي فاقمت من مظاهر هشاشة التشغيل ومن الفوارق الاجتماعية ومن حالات التمييز بكلّ أشكالها. سيدي الرئيس، أتوجّه اليوم إلى مؤتمركم هذا قادما من بلدي تونس الذي انطلقت منه أوّل شرارة في ثورة العدل والكرامة والحريّة في ديسمبر من السنة المنصرمة، والتي أدّت إلى إسقاط نظام الدكتاتورية والفساد الذي جثم على صدور التونسيين على مدى أكثر من عقدين من الزمن. لقد أدّى نجاح شعبنا في ثورته السّلمية هذه إلى تحفيز بقية شعوب منطقتنا العربية على التخلّص من عقدة الخوف ورفض الخضوع إلى الأمر الواقع، والانتفاض ضدّ أنظمة القمع والاستبداد في مشرق الوطن العربي ومغربه بهدف بناء مستقبل جديد قوامه الحريّة والديمقراطية والقضاء على مظاهر الفساد والحيف والتمييز، والتطلّع إلى التحقيق دولة القانون والمؤسّسات ومجتمع العدل والمساواة. إنّ ما يميّز الثورات العربية عن باقي الثورات المعاصرة هو نجاحها في الرّبط بين المطالبة بالحريّة والديمقراطية من جهة والمطالبة من جهة أخرى بتوفير العمل اللائق للشباب وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد. لقد أدركت شعوبنا أنّه لا يمكن الفصل بين العدل السياسي والعدل الاجتماعي وأنه لا أسبقية لهذا عن الآخر، لأنّ للديمقراطية وجهان، وجه يتعلّق بالحريات السياسية والحقّ في التعبير والتنظيم، ووجه يندرج ضمن مفهوم الديمقراطية الاجتماعية كالحقّ في العمل وفي الحماية الاجتماعية وفي مجانية العلاج والتعليم والمساواة الكاملة. سيدي الرئيس، لقد لعب الاتحاد العام التونسي للشغل دورا محوريا في نجاح الثورة السلمية التونسية، ومن حيث تأطير المظاهرات والاعتصامات وتنظيم الإضرابات وبلورة شعارات الثورة ومطالبها، وما كان لاتحادنا أن يلعب هذا الدّور لو لم يحافظ طيلة سنوات الدكتاتورية والاضطهاد على استقلاليته وإقدامه على التضحية في سبيل حرية قراره والتزامه بمصالح عماله وطموحات شعبه. وإننا لعازمون على مواصلة دورنا في حماية الثورة وتحقيق كامل أهدافها. وإني لأغتنم هذه الفرصة لأتوجّه بالتحيّة والشّكر إلى السيد خوان سومافيا المدير العام للمنظمة لوقوفه إلى جانب شعب وعمّال تونس، منذ بداية الثورة وخلالها وبعدها، كما أثمّن عاليا ما وجدناه من دعم وتأييد لدى الاتحاد النقابي الدّولي ITUC-CSI ومن لدن النقابات العربية والإفريقية الشقيقة وبقية المنظمات النقابية الدولية والجمعيات غير الحكومية في مختلف القارّات، بما شكّل حافزا هاما لنا للصمود حتى إسقاط الدكتاتورية وإبعاد أذيالها. وإننا نتطلّع اليوم إلى أن تواصل المنظمة والحركة النقابية الدولية وكافة قوى الحرية والديمقراطية في العالم دعم الثورة التونسية ومساعدتنا في تحقيق أهدافها والحيلولة دون الاستيلاء أو الالتفاف عليها. فحماية الثورة بتونس ومصر وتشجيع المدّ الديمقراطي الذي يجتاح الوطن العربي اليوم يمرّ أساسا من خلال إنجاح ثورتي تونس ومصر ومساعدتهما على تلبية المطالب التي ثار من أجلها الشعبان والمتمثلة في ضمان الحريات العامة والفردية، وتحقيق مبادئ العمل اللائق والسير قدما على طريق العدالة الاجتماعية. سيدي الرئيس، إنّ العدل والحرية هما أساس السّلام والاستقرار، كما أنه لا معنى للعدل والحرية إذا لم يأخذا طابعا كونيا إنسانيا، ولذلك فإننا نعتقد جازمين أنه لا يمكن تحقيق السّلام والاستقرار في العالم دون القضاء على آخر معاقل الاستعمار في العالم وذلك بتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واستعادة أرضه وبناء دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف، ولذلك فإنّنا بالقدر الذي نؤكّد فيه على أهمية التقرير الذي أعدّه السيد المدير العام حول أوضاع العمال الفلسطينيين والعرب في الأراضي المحتلة فإننا نؤمن بأن إزالة المستوطنات والإقرار بحقّ العودة واحترام الشرعية الدولية في هذا المجال هي الطريق للسّلام العادل والدائم والشامل بالمنطقة. شكرا لكم على حسن الاستماع.