حين يكون المنبر نقابيا والهمّ ثقافيا وتكون الثورة التونسية هي موضوع الجدل و موضع التساؤل، أنسى أو أتناسى نفوري الفطري من المحاضرات و أجلس كتلميذ شغوف بالدراسة يبحث عن أجوبة لنقاط استفهامه المتعدّدة. في أوّل لقاء لنادي جدل بعد الثورة و في تقديم ذكيّ و لبق أكّد الدكتور محمد كشكار أنّ هذا النادي و من خلال مراهنته و منذ تأسيسه على أهمّية و حتمية الفعل الثقافي كان من العناصر الممهّدة للثورة. مداخلة الأستاذ مصطفى العلوي المختص في علم الاجتماع و التي سمّاها تواضعا »مقالا« حبلى بالاشكاليات المعقّدة خاصة أنه من أنصار ما سماه منهج »جدلية التعقيد« و لم يكن هذا المسمى »مقالا« سوى مشروع حقيقيّ لكتاب قد يعدّ من المحاولات القليلة اذا تم - بل »أكاد أجزم« أنّها المحاولة الوحيدة الجادّة و العميقة في فهم آليات الثورة التونسية و تحليل حيثياتها و مدى ارتباطها بالعولمة في بداية حديثه أكّد العلوي أنّ اختيار اللغة الفرنسية لكتابة »المقال« مجرّد اختيار شخصي و ليس من باب المفاضلة. ولئن كان عنصر المفاجأة الذي تميّزت به الثورة التونسية قد حال دون التحضير المسبق لتقنيات محددة لدراستها فإنّ ربطها بالعولمة مسألة حتمية و لا جدال فيها ومن هنا انطلق العلوي في محاولة تعريف العولمة من منظور سياسي و اجتماعي و اقتصادي و ثقافي ولعل النقاط الأشدّ اضاءة في هذه المداخلة هي محاولة الاجابة عن السؤال الأكثر تداولا والأكثر خطورة: هل ما عاشته تونس ثورة أم انتفاضة أم انقلاب عسكري؟ ما وقع في تونس حسب تحليل مصطفى العلوي كان بمثابة »التخمّر« الذي أدى الى انفجار و هو أكبر من أن يكون مجرّد انتفاضة وهو ليس انقلابا عسكريا لأنّ الانقلاب العسكري عمل غير شعبي قد يغيّر المجتمع باتجاه ثوري أو يحدث عكس ذلك تماما. هل ما وقع في تونس ثورة اذا؟ الثورة لا تنتج فقط اصلاحات بل تؤدّي الى تغيير جذري و هذا ما لم يقع في تونس ، ما وقع في تونس يشبه الثورة المصغرة التي أدت الى تحقيق مرحلة الحريّة السياسية التي مازالت تتهددها جملة من المخاطر لخّصها المحاضر في النقاط التالية: -إمكانية عودة أذيال التجمع. إمكانية أسلمة الثورة. جعل الثورة تتجه اتجاها قوميا تقليديا. جعلها تتجه اتجاها يساريا راديكاليا. ومن أشدّ المخاطر محاولة جعل التحوّلات الثورية على مقاس ما تريده أمريكا. النقاش الذي أطلقت شرارته الأولى هذه المحاضرة في نادي جدل هو صورة مصغّرة لجدل قائم في جلّ البلدان حول هذه الثورة التي كانت لعنة على الدكتاتوريات ونافذة على الحريات لكلّ المقموعين في الأرض . غير أنّ الدكتور محمد كشكار و خلال فتحه لباب النقاش لم يخف بعض الخيبات التي لخّصها في عشر نقاط من ضمنها: تهريب الرئيس المخلوع بدل محاكمته و تسليم السلطة لرموز النظام السابق وقد دار جدل كثير حول من قام بالثورة و من استفاد منها، اذ رأى البعض أنّ عدم نجاح المسار الثوري أو- و حتى لا نكون بهذا القدر من التشاؤم- عرقلة المسار الثوري تعود الى عدم قدرة الشعب على الحكم بعد ابعاد رموز الحكم السابق، ذلك أنّ الثورة تمت دون قيادات حتى أنّ المعتصمين في ساحة القصبة رفضوا و بكل قوة كل الرموز السياسية محاضرة العلوي لم تمنحنا أجوبة قاطعة لأسئلة رافقتنا منذ بداية الثورة لكن لم يخرج أحد من هذه المحاضرة كما دخلها ، بل وأجزم أننا خرجنا جميعنا بجملة من المفاتيح لمحاولة فهم هذه اللحظة.