مداخلات حول الإسلام الواحد... المتعدّد للمرّة الثانيّة يُسجل المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس جامعة الزيتونة تألقا في شراكته مع مؤسسة كونراد أدناور في تنظيم الملتقى الدوليّ "الإسلام.. واحدا ومتعدّدا". والذي سبقته ندوة دوليّة في شهر فيفري الماضي 2007 بعنوان "الدين وثقافة السلوك الحضاري في المجتمع الإنساني". والتي تناولت مسألة السلوك الحضاري وأثره السّلمي في العالم. فتعرّضت الندوة إلى ضرورة الوعي بإحياء القيم الإنسانيّة والقواسم المشتركة بين مواطني القرية العالميّة ،واحترام الاختلاف والتنوّع في سبيل تكريس حياة جماعيّة، وإمكانيّات تواصليّة، تستند إلى مبادئ الحوار والتعايش والتقارب. وتأسيس عقليّة إنسانيّة متفتّحة تقود الإنسانية إلى الخير، وتحدّد خيارات السلم ورقي العمران البشري، وتطوير أحوال الاجتماع الإنساني. كما أكدت الندوة أن خطاب حوار الحضارات هو في حقيقة الأمر رّد مناسب وضروري على فكرة حتميّة الصدام بين الحضارات. وأبرز الملتقى العلمي المنجزات الحضاريّة للجنس البشري، التي تبلور التعدّدية الثقافيّة والتنوع البشري الخلاق بصفة إيجابيّة على مرّ التاريخ الإنساني، رغم العقبات الناجمة عمّا نشب من تعصّب ونزاعات وما اندلع من حروب. وعرض المكاسب الإنسانيّة المتنوعة التي تجعل المتأمل في هذه المحاور الحضاريّة يبتعد عن اعتباطية الأحكام المسبقة والسائدة التي من شأنها أن تجمّد النظرة إلى بعض الحضارات. تجذير الفكر التنويري في هذا الملتقى الثاني من نوعه الذي سعى فيه المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس إلى تجذير الفكر التنويري وترسيخ منهج الانفتاح على الآخر وحوار الحضارات ودعم دور الفعل الثقافي المنفتح في فهم الإسلام. حيث أكدّ الدكتور العروسي الميزوري مدير المعهد الأعلى لأصول الدّين بتونس جامعة الزيتونة في كلمته: أن هذا الملتقى يتنزّل في إطار إنتاج المعرفة، وتطوير سياقات فهم النص الديني، وإظهار مدلولات قيمة "الاختلاف" رحمة. كما بين في حديثه أن القيادة السياسية لتونس وفرّت مناخا فكريّا وعلميّا، من شأنه أن يساعد على إرساء قنوات الحوار البنّاء والخلاّق. وأضاف أنّ الحوار بين الأديان والثقافات والاعتراف بالمتعدّد في فهم النص هو دعوة إلى نشر ثقافة التسامح. وقد تعدّدت المداخلات وتنوعت المضامين، رغم غياب بعض العناصر التي كانت ستظيف الجديد لهذا الملتقى أهمها الدكتور الأستاذ المتميّز محمد أركون عن جامعة السربون باريس بفرنسا، وكذلك الأستاذ أليفي روا عن معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية باريس فرنسا. تمحور موضوع الملتقى حول جدليّة الإسلام ككل دين حي لا يخلو تاريخه من جدليّة الوحدة وطلب التنوّع .إذ يبدو فكره الذي يحافظ على وحدة العقيدة وكأنه في صدام مع واقع الممارسة التي هي بالطّبع متعدّدة. فنجد أنفسنا أمام سؤال مهم كيف يمكن أن تفهم علاقة الوحدة والتعدّد في الدين الإسلامي عقيدة وشريعة؟ ما الثابت وما المتغيّر في الدين الإسلامي نظريّة وممارسة؟ ثم كيف تعدّدت ثقافات المنتسبين إلى هذا الدين رغم وحدة المرجع والأصول؟ وانطلاقا من هذا الواقع اللافت للنظر والجدير بالدراسة نظّم المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس ومؤسسة كونراد أدناور هذا الملتقى العلمي الدولي الذي تواصل يومين. ويندرج اختيار هذا الموضوع في سياق الاهتمامات الثقافيّة الراهنة وسعي المؤسستين الدؤوب إلى الكشف عن الحقيقة في إطار الحوار العلمي البنّاء. وقد تضمّن الملتقى المحاور التاليّة: 1-الوحدة والتعدّد في الإسلام عبر التاريخ (مظاهر الوحدة في الإسلام ومظاهر التعدّد). 2-التفاعل بين الوحدة والتعدد والكونيّة في الإسلام. 3-الوحدة والتعدّد في الإسلام بين النظري والممارسة الاجتماعيّة الثقافيّة. 4-الوحدة والتعدّد في الإسلام والإطار الاجتماعي الثقافي في العالم الإسلامي. أسئلة مطروحة مضمون الملتقى طرح العديد من الأسئلة، أهمّها: حداثة المواضيع المطروحة وعلاقتها بالمشروع الفكري الزيتوني ، ثم بالمشروع التنويري على حدّ ما ذهب إليه منظمو الملتقى وكذلك المداخلات التي عرضت العديد من الأفكار التي وصفها بعض الحضور بأنها اتجهت نحو المحذور والخروج عن المعهود. ثم فهم موضوع الانفتاح وإشكاليّة التوظيف واختلاف المواقف والمواقع ودرجات الاختلاف وقدرة المتخالفين على التفاعل مع موضوع الملتقى ونوع الخلاف ومهمّة التأويل. يبدو أن لجنة التنظيم استندت في مشروع الملتقى إلى مبدأ قول عمر بن الخطاب:"الدين حمّال أوجه" أي أنه قابل للتأويل. كما ظهر في الملتقى خطاب جديد على الساحة الفكريّة في تونس وهو الإسلام النسوي ومعانيه ودلالاته وأبعاده ودوره في تغيير الخريطة الفكريّة وظهور ملمح جديد من الفكر التنويري. ربما تكشف المداخلات عن العديد من الأجوبة وتطرح كذلك العديد من الأسئلة. الإسلام موحّدا الإسلام متعدّدا الإسلام أنواعا الإسلام مختلفا الإسلام متفقا الإسلام مجزّءا الإسلام هويّة غائبة أم حاضرة؟ كل هذه الأفكار قد تتحوّل إلى مشاريع فكريّة بدأت تظهر على الساحة الثقافيّة ولكن ليست في دائرة المسكوت عنه، إنما في دائرة المعلن الذي تمّ التأسيس لظهوره. أن تطرح مثل هذه الأفكار في الجامعة الزيتونيّة هو السؤال الأهم إلى أين ينحو المعهد الأعلى لأصول الدين ثمّ أيّ الحداثات قد اختار. الأسئلة تتوارد لتستنطق المضمر في المداخلات وتتفاعل مع ما بين السطور بين المعلن والمسكوت عنه. قد لا تجد الأجوبة المناسبة عن العديد من الأسئلة خاصة فيما يخّص الإسلام النسوي،الظاهرة الفكريّة الجديدة التي بدأت تطفو على الساحة الفكرية خاصة بعد المؤتمر الإسلامي النسوي في برشلونة سنة 2005. والذي حضرته العديد من الوجوه التي أصبح لها مكانتها في الساحة الثقافيّة العالميّة مثل: أمينة ودود التي أمّت أوّل صلاة مختلطة في أحد مساجد الولاياتالمتحدة الأمريكيّة وأثار ذلك ضجة كبيرة... الدكتورة إقبال الغربي من المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس تناولت في مداخلتها باللغة الفرنسيّة "الإسلام النسوي: الرهانات والمفارقات" درست تيّار الإسلام النسوي الذي ظهر في التسعينات في العديد من بلدان العالم وخاصة أمريكا وإيران وباكستان وإفريقيا الجنوبيّة. فبيّنت أن هذه القراءات التقدميّة تسعى إلى مصالحة الإسلام مع القيم الكونيّة بصفة عامة وخاصة مبدأ المساواة بين الجنسين. كما تعتمد على إعادة قراءة وتفسير النص القرآني من أرضيّة حديثة. ومن رائدات الإسلام النسوي نذكر مرغو بادران ،أمينة ودود،أسماءبارلاس ورفعت حسن. أمّا الأستاذة هوشماند زادة شهرزاد من المعهد العالي للدراسات حول الأديان والثقافات، المعهد القريقوري، روما إيطاليّة فكانت مداخلتها بعنوان "الإنسان الكامل في التشيّع الأثني عشري" تناولت خلالها خصائص التشيّع الأثني عشري كلاما وفلسفة وتصوّفا. وهي الاعتقاد في وصيّة النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب بالخلافة من بعده. وتوالي الإمامة في نسل علي من فاطمة الزهراء إلى غاية الإمام الغائب، مع التوقّف بالتحليل عند ثلاثة محطات رئيسية فاتحة السلسلة وخاتمتها مرورا بالإمام الحسين بن علي. وذلك من خلال جملة من النصوص التي تبرز خصائص هذه العقيدة، لاسيما الناحيّة الروحانية ذات الصلة الوثيقة بعقيدة الإنسان الكامل، كما نجدها عند المتصوّفة. مما يجعل من مفهوم الكمال الإنساني جسرا رابطا بين السنة والشيعة وبين الأديان عموما. أما الأستاذ باقادر أبو بكر من جامعة الملك عبد العزيز الرياض المملكة العربيّة السعوديّة فكانت مداخلته بعنوان "الوحدة والتعدّد في الإسلام في سياق الأطر الاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي" مقاربة أنترولوجيّة تضمنّت المداخلة السؤال الفيبري الذي أعاد صياغته مؤخرا " هف " حول لماذا لم يتم تدشين العالم الحديث في الحاضرتين الإسلاميّة والصينيّة رغم توافر كافة المقدّمات الراعيّة لذلك، وتم في سياق المذهب البروتستانتي! ولكن الإشكال الذي تناولته المداخلة بالتقصّي ومن نفس المنظور، فهو بالرغم من أن مفهوم الجامعة في سياق الحضارة الإسلاميّة في الأزهر والقرويين والزيتونة والنظاميات وبيت الحكمة، وقامت على نموذجه فكرة الجامعة الأكاديميّة في الغرب (السوربون وأكسفورد وكامبردج وهيدنبرغ وبلونيا وليتزج، وحتى الجامعات في العالم الجديد في هاردفرد وغيرها) على أسس دينيّة، فإن مفهوم الجامعة في العالم الإسلامي في صورته الأساسية يبقى تقليديا بل ورافضا لعمليات التحديث والتأسيس للعلوم الحديثة. فقد تمكنت الجامعات ذات الأصول الدينيّة في الغرب من التأسيس للفكر الحديث مع المحافظة على تراثها القديم. ثمّ بيّن كيف أنه على العالم الإسلامي إعادة اكتشاف مفهوم الجامعة من جديد، والقيام بالفصل بين نوعين من التعليم ؛ تقليدي وحديث. في هذه المداخلة سعى الأستاذ باقادر أبو بكر إلى تقديم بعض التفسيرات لتلك الظاهرة، ودراسة التبعات التي ترتبت على ذلك في أنظمة التعليم ومشاريع إصلاحها في عالمنا. الأستاذ بوزعيبة محمد من المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس جامعة الزيتونة الذي بيّن في مداخلته بعنوان "الاختلاف بين المذاهب الفقهيّة الطرافة والإيجابيات" أن النصوص الدينيّة تنقسم إلى نصوص ثابتة وهي نادرة وقليلة وتهتم بجانب العبادات ونصوص ظنيّة وهي كثيرة ووفيرة وتهتم بسائر مجالات الحياة. ومن خلالها فتح باب الاجتهاد وتوسّع نطاق الاختلاف بين العلماء، فالاختلاف رحمة وفسحة ومرونة. يعتمد على إعمال العقل والإقناع وقوّة الدليل، ويساير العصر ومواكبته ويحترم العادة ويعتدّ بها. بين التعدّدية والتوحيدية وأبرز الأستاذ جورج جبّور من جامعة حلب سوريا والذي كان عنوان مداخلته "التقريب بين المذاهب في الإسلام الموجبات والمعوقات والآفاق" أن نشوء المذاهب مظهر تعدديّة، ومحاولة التقريب بينها مظهر توحيدي. ثم أضاف أنه رغم أن التقريب لم يغب عن ساحة العمل الفكري الإسلامي منذ البدايات. إلاّ أن السعي إليه وموجباته ازدادت في الوقت الراهن. ثم طرح العديد من الأسئلة أهمها أين نقف الآن في موضوع التقريب؟ وما معوقاته؟ وما آفاقه؟ وقد حملت مداخلتُه الإجابة عن هذه التساؤلات. إذ قارب بين المسيحية واليهوديّة وربّما مع ديانات أخرى. وقدّم الأستاذ الجعبيري فرحات من كلية العلوم الإنسانيّة والاجتماعية 9 أفريل تونس مداخلة بعنوان موقف الفكر الإباضي من إشكاليّة الإسلام واحدا ومتعدّدا. تناول فيها مسألة المفكرين وقوله تعالى "إن الدين عند الله الإسلام" ثم تعرّض إلى التساؤل: هل الإباضيّة خوارج أم لا؟ حيث قدّم تحليلا وافيا حول الموضوع. وتناول الأستاذ الحضراوي محمد في مداخلته النصّ القرآني والتأويل الواحد والمتعدّد حيث بيّن أن المراوحة بين الوحدة والتعدّد تعكس معادلة المقروء. ثم أن النص القرآني موضوع البحث، يمتلك قيمته التمثيليّة على المستويات الثقافية والاجتماعيّة والحضاريّة انطلاقا من مقوّماته الاعتيادية ومنظومته التشريعيّة. وبالنظر إلى النص الديني المكتوب يتبيّن أنه يقوم على شفافيّة لسانيّة. فالقرآن متّحد السور والآيات والكلمات والحروف، وهو بهذا يمثل مرجعيّة متوحدّة لكل بحث معرفي في مجال الإسلاميات. إلاّ أن البناء السيميائي لهذا النص المرجع. منفتح على مختلف الرهانات الإبستيمولوجيّة، ومختلف المشاريع العقليّة، والتأمليّة التي تنتجها استراتيجيات القراءة في مقاطع التاريخ... وقد تعدّدت المداخلات وتنوعّت المضامين إذ شارك الأستاذ باركاري صامبي من باريس فرنسا بمداخلة عنوانها "الإسلام الإفريقي التوحد والهويات"، والأستاذ ناكودا سهيل المحليّة الإسلاميّة عمّان الأردن بمداخلة عنوانها "الإسلام في آسيا في مواجهة العالم الحديث" والأستاذ كريستيان لوشون من الأكادمية العلميّة لما وراء البحار باريس فرنسا بعنوان "الواحد والمتعدد في الإسلام" في الفضاء اللاّييكي الفرنسي وكانت مداخلة الأستاذ كريستيان ترول معهد سان جورج فرنكفورت ألمانيا بعنوان "الإسلام معيشيا ومتصوّرا في سياق وطن وعالم متعدّد" مولانا أبو بكر أزاد(1888-1958) أنموذجا. أمّا الأستاذ عبد الودود غورو عضو معهد الدّراسات الإسلاميّة العليا فرنسا فكانت مداخلته بعنوان "التعدّد والحرية الدينيّة في الإسلام". وكانت مداخلة الأستاذ عبد القادر النفاتي من المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس بعنوان "علم الكلام والفهم المتعدّد". والأستاذ صادق كرشيد من المعهد الأعلى لأصول الدين بتونس فكانت مداخلته بعنوان "مواقع الانترنات الإسلاميّة بين الائتلاف والاختلاف". أمّا الأستاذ حلبي عبّاس ممثل الطائفة الدرزيّة بلبنان فكانت مداخلته بعنوان "الدروز الحاصل الأخير لمظهر التعدّد في الإسلام". فضاء النقاش كان مؤشّرا آخر عن حداثة الزيتونة وفهم الإسلام في إطار الاختلاف خاصة وأن العديد من الوجوه التي عرفت بدفعها لحداثة الزيتونة قد حضرت هذه الندوة، ويبقى السؤال الذي يتدافع ليكون في المقدّمة أيّ الإسلام سنقف عنده وكيف سينجز هذا الإسلام المتعدّد وهل توصّل التأويل إلى فهم أنواع الإسلام المزعومة. إنّ الموضوع يتجاوز الإسلام واحدا متعدّدا إلى سؤال آخر أين الإسلام المتعدّد من التأصيل.....؟