جميل أن نكون مؤمنين بحركة التغيير الذاتي ومدى ضروريتها لبناء انسانيّة بكل المقوّمات الإيجابيّة لأنّ تغيير ما حولنا من فساد أخلاقي وسياسي، واقتصادي وثقافي... إلى آخره، هو رهين مدى صدق رغبة التغيير بدواخلنا نحو الأفضل والإيجابي. لكن السؤال المهم هنا من هي الفئة الراغبة فعلاً في حركة تأسيس واعية وصادقة تنطلق من الداخل لتؤثث الخارج الذي يتألّف من مشاتِل اجتماعية مختلفة كاختلاف الصيف عن الشتاء. ونحن كمجتمعات تشكّل هذا الكون نختلف عن بعضنا بعضا حضاريّا بكل ما تشتمله كلمة حضارة من ثقافة، تاريخ، بيئة، وفنون ولكن يجمعنا فكر اقتصادي موحّد وهو فكر الاقتصاد الرأسمالي بكل ما فيه من طبقيّة وجشع وانتهازيّة وفساد في طريقه الى إتلاف كلّ الثوابت الإنسانيّة بقيمها وخصوصيتها. فأصبح ثلاثة أرباع المجتمعات ان لم أقل أكثر تمتهن سياسة الأنا العليا وما بعدي الطوفان، ويسرق الكل بعضه البعض حتى الفقير إن لم يجد ما يسرقه من أخيه، يحسده على صبره أو على ما تبقى من عقله. إذا هذا الربع أو أقل من الربع من المجتمعات المثقفة والتي تحمل في داخلها فكرًا وهمًّا انسانيّا وتسعى بكل طاقتها إلى البناء الايجابي والتغيير الفعّال من أجل تأسيس الأفضل، هل تقدر بما تمتلكه من سلاح الإرادة والوعي بضرورة إعادة تشكيل خارطة الفكر الإنساني وبناء مجتمعاتها من الداخل والخارج..! هل تقدر على مجابهة القمع والإبادة وسياسة ليّ الذراع من قبل ثلاثة أرباع المجتمعات التي تعتنق مبدأ الرأسمالية ورغبة الاستحواذ على كلّ شيء... وأنا أقرأ بعضًا من تأملات الراحل (غاندي (Ghandi commencez par changer en vous ce que vous voulez changer autour de vous: بعدما انتهيت من قراءة هاته التأملات ارتحت واستبشرت خيرا بأنّ هنالك من المفكرين والزعماء من لديهم عمق انساني يدفعهم إلى تغيير ما بذواتهم والتأثير في الآخر كي يتغيّر طبعا نحو الأفضل. ولكن عندما تذكرت بأنّ هذا الزعيم مات شهيدًا لأفكاره وقناعاته قبل أن يفرح بتنفيذها على أرض الواقع مثله مثل عديد المفكرين الذين انتهوا قبل أن يبدؤوا. أصبت بالإحباط لأنّ إشعال فتيل من النور في بيت مظلم وموصد النوافذ والأبواب لن يجعل النور ينبثق الى الخارج ويصل إلى الآخر الى يغلق على نفسه الأبواب والنوافذ ويرضى بالظلمة التي تسكنه ويسكنها ويرفض التغيير خوفًا على مصالحه الظلاميّة.