تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية المجتمعية واتجاهاتها العلمية من خلال البحث السيسيولوجي التحليلي (الجزء الثاني)
نشر في الشعب يوم 04 - 06 - 2011

... خلاصة القول إن الهدف من عرض الاتجاهات المختلفة من التنمية هو محاولة الوصول الى وضع اطار تصوري متعدد الأبعاد في التنمية.
وبالتتبع التاريخي للاتجاهات السسيولوجية ندرك ان عددا من التيارات الاجتماعية قد تقاربت بعد ان كانت قد فقدت الاتصال، وبهذا يمكن القول بأن تقارب الاتجاهات السسيولوجية يمثل حلقة نمو للنظرية الاجتماعية التي يعتبر بعضها امتدادا للوضعية المتمثلة الآن في الرؤية الوظيفية، والبعض الآخر يعتبر امتداد الهيجيلية المتبلورة في الرؤية الماركسية... وتعتبر البداية الحقيقية لدراسات العلمية للتنمية من بداية الاهتمام بتطبيق الاتجاه الكلي وبدراسة البناء الاجتماعي من حيث اقامة نماذج يمكن استخدامها فوي تحليل النسق الاجتماعي.
وستقتصر هذه الورقة على التحليل النقدي للاتجاهين السياسيين في النظرية الاجتماعية وتفسير هما لما اذ يعتبر كل من الرؤية الوظيفية والماركسية من دعائم النظرية الاجتماعية... ومن المعروف ان كلا المنظورين قد تأثر بالحوادث المحيطة بها، فاذا تأملنا في كتابات ماركس مثلا نجد أنها تمركزت في رادسة اوروبا من اجل توضيح الحاضر والوضع نفسه فيما يتعلق ببارسوتر... وبصفة عامة، يمكن القول بأننا اذا أردنا معرفة أثر أعمال كل هؤلاء يجب ان نجيب على:
ما هي اصابات كل من الاتجاهين على الحوادث والمشاكل التي عاصروها.
وما هي الحلول الحلول المقترحة او التي تبنوها في هذا المجال؟
وكان الحل عند ماركس في الثورة وفي الخروج مهن دائرة الحلقة التقليدية وكسرها باستخدام القوة، فالانسان في نظره يتميز بالعقلانية وبالمقدرة على التحكم في النفس اما بارسونز فكان متأثرا بالاتجاه الليبرالي وبالعقلانية وكان تفسيره يتميز بالتكامل والتقارب بين اكثر من وجهة نظر للأفكار السابقة، والخلاصة انه يمكن القول بأن كلا الاتجاهين قد قام بثورة من محيط بيئته الاجتماعية، اذ حاول كل منهما اقامة وانماء نموذج للمفاهيم والافكار كمحاولة لفهم المجتمع.
1) نمو الوضع الطبقي وتغييره بالنسبة الى كل من البوجوازية والبروليتاوية.
2) نمو مصالح كل من الطبقتين وتغيرهما.
3) نمو السلطة والقوة وتغييرهما بالنسبة لكل من الطبقتين ولقد حاول اDik At Kinsonب توضيح التناقض في تفسير ماركس للوضع الطبقي من حيث ان الطبقة البرجوازية ليست طبقة واحدة ولا تتميز بإهتمامات نقية اPure Interenب بانتشار النمط التجريدي اAbstrait Typeب وانما يلاحظ انه يوجد اكثر من اهتمام داخل الطبقة البورجوازية التي تنقسم الى شرائح تحاول كل فيها ان تخضع الأخرى الى سيادتها وسيطرتها... كما انه من الممكن ايضا ان تعتمد الحكومة والدولة على طبقة مضادة للطبقة البرجوازية، وهذا يناقض ما قال به ماركس في نموذجه التجريدي من ان الدولة ما هي الا المجلس التنفيذي للطبقة البرجوازية ومن هذا يستخلص اDik Atkinsonب أن البناء الفوقي للسياسة لا ينبثق من البناء الاجتماعي ولا من الاوجه الاقتصادية ولا من التقسيم الطبقي بل عكس ذلك هو صحيح اذ ان البناء السياسي هو الذي يسهم في البناء الاجتماعي والاقتصادي ... خلاصة ما سبق ان النقد الذي يوجه الى ماركس من ان الطبقة البرجوازية او طبقة العمال ليست متجانسة، وانما قد تنقسم الطبقة الواحدة منها الى شرائح تحاول كل شريحة ان تفرض سيطرتها على الاخرى داخل الطبقة الواحدة، وهذا بطبيعة الحال يؤدي الى اختلاف اهتمامات كل شريحة داخل الطبقة الواحدة، وقد اثبتت الشواهد ايضا عكس ما قال به ماركس من ان الدولة تساند وتدعم الطبقة البرجوازية، اذ قد يكون العكس هو الصحيح، فقد تدعم الدولة بواسطة طبقة اخرى غير الطبقة البرجوازية، ويستطرد اDik Atkinsonب قائلا من المحتمل ان يقود مثقفو الطبقة البرجوازية عملية التنمية، وينتموا الى الطبقة الثورية، ومن هنا تنحصر أفكار ماركس الخاصة بأن ايديولوجية الطبقة هي التي تجعل الافراد متشابهين في علاقاتهم بوسائل الانتاج... كما يعلق اDik Atkinsonب على أفكار ماركس الخاصة بقيادة طبقة البروليتارية بعملية الثورة والتنمية لصالح الغالبية من أفراد المجتمع بقوله انه من الضرورية ان يوضع في الاعتبار اختلاف عادات وقيم وأنظمة المجتمعات ويعتقد اDik Atkinsonب أنه من الصعوبة بمكان إنكار ان العمال في بعض المجتمعات في انجلترا والولايات المتحدة قد حققوا أهدافهم بوسيلة سليمة دون اللجوء الى استخدام العنف ودون السيطرة على مقاليد الحكم... وذلك يكون ماركس من وجهة نظر اDik Atkinsonب قد أغفل العادات والاخلاقيات الكامنة في الافكار الخاصة بالاهتمامات الطبقية واختلافها من مجتمع الى آخر.
ودور هذه العادات والاخلاقيات والقيم في تشكيل الحياة السياسية كما يلاحظ اDik Atkinsonب أن التغير من نموذج معين للتنظيم الاجتماعي للانتاج الى نموذج اخر لا يعني بالضرورة انتصارا للطبقة المقهورة والمستغلة فقد أوضح التاريخ الاوروبي مثلا ان الطبقة البرجوازية الصغيرة القوية هي التي قضت على النظام الاقطاعي.
أما تنبؤات ماركس عن زوال الطبقة الوسطى والانتصار للاشتراكية في اكثر الامم تقدما وتصنيعا فقد ناقضته الاحداث التاريخية الفعلية، هذا الا ان التاريخ قد أثبت عكس ما كان يتوقعه ماركس بالنسبة الى الطبقة الوسطى ايضا، فهي التي قادت ثورات العالم النامي، كما ان قادة الحركات الثائرة في أوروبا خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي هم الذي يمثلون الآن الفئة المحافظة في أوروبا وهذا يعني ان التجمعات الثورية في العشرينات والثلاثينات تمثل الآن الاتجاه المحافظ في تلك الدول.
واعتقد اDik Atkinsonب بقصور التصنيف الطبقي عند ماركس فقد يوجد شخصان متفقان في الاهتمامات والموقف فيصنفان في طبقة واحدة في الوقت الذي يختلف فيه موقفهما من نوعية العمل الذي يمارسانه، فيصنفان مرة ثانية في طبقتين مختلفتين ورأى اDik Atkinsonب أن ماركس لم يتعامل مع المستوى النظري العقلاني للانسان... وانما تعامل فقط مع العلاقات الاجتماعية وخاصة تلك التي تعرقل التنمية. فإذا كان للفاعل اهتمامات بقية مرتبطة بالوضع الطبقي واذا كان الفاعل في موقف معين يعمل فيه بطريقة عقلانية وتعاونية، فإننا لا نكون في موقف جامد بين المعايير البنائية وبين اهداف الفاعل، خاصة القول ان ستخدام ماركس لمعايير العقلانية والفعل الواعي التي استخدمها بارسونز ايضا في العلاقة بين الفاعل والهدف في الموقف الطبقي، فقد أدى به الى الغموض في النواحي الخاصة بالذاتية والموضوعية.
ولقد وجه »ج . ب تايلور« نقد الماركس في بعض ما أعد له في المنشور الشيوعي كقول ماركس »عندما يحكم المجتمع طبقة العمال، وعندما تستطيع هذه الطبقة تحويل علاقات الانتاج لصالحها او لصالح غالبية أفراد المجتمع الكادحة تكون المرحلة القادمة من مرحلة المجتمع بلا طبقات... ويعلق »تايلور« على ذلك يقول ان الدياليكتية لا يمكن ان تؤدي الى القضاء على الصراع نهائيا ولا تؤدي الى مجتمع بلا طبقات... هذا لا يمكن اثباته على الاطلاق الى جانب انه لا يوجد دليل على ان الصراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية والعمال يؤدي حتما الى ديكتاتورية طبقة العمال، أو الى تسلمها لزمام القيادة فذلك لم يثبت بعد... خلاصة ما سبق ان ماركس لم يستطع ان يثبت ان الصراع الطبقي سيؤدي بالضرورة الى سيادة طبقة العمال على أساس ان الطبقة البرجوازية ان تنقض على طبقة الاقطاعيين وتأول الزعامة منها، وبذلك تخيل ماركس انه من الممكن ان تفعل طبقة العمال ما فعلته الطبقة البرجوازية كذلك لم تكن يستطع اي ماركس ان يثبت ان نجاح الطبقة العاملة في القضاء على الطبقة البرجوازية وسيادتها للمجتمع سيؤدي في النهاية الى مجتمع لا طبقي... وذلك لان الديالكتية لا يمكن ان تقف عند نهاية معينة لاتسامها بالاستمرارية.
وبالتتبع التاريخي للثورات من خلال المنظور الماركسي، نجد انه قد حدثت بالفعل ثورات في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ولكنها لم مطابقه للمفهور الماركسي كما نجد ان الثورة لم تندلع في اي مجتمع من المجتمعات الصناعية الرأسمالية كما تنبأ ماركس وتبين ايضا من التحليل التاريخي ان الثورة قد اندلعت في روسيا التي كانت في مؤخرة المجتمعات الرأسمالية.
وتحليل الثورات في كل من الصين والدول الافريقية نجد انها تختلف عن نوعية الثورة التي نادى بها ماركس، ونتائج الثورات التي حدثت لم تصل الى مرحلة الشيوعية المتوقعة وهذا كله قد ساعد على نظرية ماركس، كما نكشف من التحليل التاريخي للواقع ان العالم اصيب بالدمار بعد الحرب العالمية الثانية ولم يكن هناك اي نشاط للشيوعية الا في الريف اليوغسلافي فقط، بل قد لوحظ ايضا ان الدول التي تم تحريرها بمساعدة القوات السوفياتية لم تأخذ بالشيوعية الا نتيجة هذا التحرر وان الثورة الشيوعية لم تنتصر وتظهر مشكل مادي الا في روسيا فقط، ولذا يمكن القول بأن الثورة قد حدثت في الدول المختلفة ولم تحدث في دول رأسمالية متقدمة، كما يوضح التتبع التاريخي للدول ايضا ان الثورات التي حدثت في القرن العشرين وبصفة خاصة في الثلاثينات من القرن الماضي لم تكن من النوعية الثورية التي تنبأ بها ماركس من ذلك مثلا حركة الفاشية بايطاليا التي تعتبر نموذجا فريدا وجديدا في التاريخ فقد قامت الفئة الدنيا من الطبقة الوسطى... وبهذا أفسدت البروليتاريا تنبؤ ماركس لتخلفها عن روسيا في الثورية.
ومهما يكن في شأن، فإن هذه النظرية قد فشلت في توضيح امكان التنوع والتباين في عملية التنمية ذاتها فهناك أنماط مختلفة من التنمية والنظرية الصادقة يجب ان تعكس هذه الحقيقة بوضح وبعبارة اخرى يجب ان تسند نظرية التنمية الى اساس مقارنة وهذا ما نعتقده في معالجة ماركس للتنمية الرأسمالية الغربية، وذلك لأن تصور ماركس للعمليات التاريخية وتسليمه بأن هناك بناء اجتماعيا واقتصاديا يلائم كل فترة مقبلة، قد أديا الى فهم عملية التنمية في شكل عموميات تجديدية.
وهذا يعني ان الاتجاه الماركسي يتمثل في نسق مغلق لأنه حدد بطريقة تعسفية المستقبل مسقطا من اعتباره المتغيرات والتغيرات التي لا يمكن تحديدها في المجتمع والتي يمكن ان تكون جزءا من تحديد مستقبل المجتمع... فالتنمية ليست عملية تسيير بدرجة واحدة بالنسبة الى الزمان والمكان فقد تكون التنمية راكدة في مكان معين ومطردة في مكان آخر.
وهذا بأن التنمية ليست تنفيذا أو تطبيقا للقدرية أو الحتمية التي تعترض تسلسل وترابط الحوادث.
وبصفة عامة يمكن القول بأن ماركس قد أسس نموذجا نظريا تجديديا وحاول ان يطبقه على جميع المجتمعات الرأسمالية... ونحصر النموذج الماركسي في وجوب وصول طبقةالبروليتاريا الى الحكم باستخدام القوة باللجوء الى الثورة من جانب الدولة فأساس الدولة في النموذج الماركسي، المصالح الاقتصادية.
وبعد العرض السابق، يمكن لنا ان نقول ان الماركسية جسدت فكرة التنمية في التطور التاريخي وتعتقد انها لم تكن اكتشافا لعملية تحول المجتمعات بقدر ما كانت سلاحا أيديولوجيا يبرهن على حتمية انتهاء الرأسمالية... ولم يكن ماركس يريد الا شرح نظرية في التغيير الاجتماعي بفرض استخدامها أداةً للثورة العمالية.
تعتبر الماركسية الحديثة مظهرا من مظاهر السبعينات فقد اهتمت عملية التنمية بالدول النامية، وحاولت ان تلفت الانظار الى الاهتمام بما بين الدول النامية والمتقدمة من علاقات على المستوى العالمي ورأت الماركسية الحديثة ألا تقتصر في دراسة التنمية على البناء الاجتماعي للدول النامية فلقد بحث فوستر كارتر اFoster Carterب مدى تأكيد الماركسية الحديثة للحاجة الى دراسة العالم ككل بمعنى دراسته وحدةً متكاملةً ومدى تأثير ذلك على عملية التنمية اليوم فمن مميزات الماركسية الحديثة إدراكها وفهمها لحقيقة التنمية، ولعلاقة الدول النامية بالدول المتقدمة.
ويعتقد فوستر كارتر اFoster Carterب بأن ماركس كان غامضا في تفسير طبيعة الأثر الرأسمالي فالرأسماليّة تبدّت أوّل الأمر وكأنّها عملية سلب ونهب، وفي نفس الوقت تبدو وكأنها عملية ضرورية لتراكم رأس المال.
ولم يهتم ماركس بالنظر الى أبعاد تنمية الرأسمالية للمستعمرات كما لم يهتم بما اذا كانت التنمية في الدول النامية قد تبعث من البناء الاجتماعي كما هو الحال في المجتمعات الأوروبية أم أنها تنمية استوردت من الخارج.
ولقد كان ماركس واعيا بأن الرأسمالية تتغلغل في المجتمع وان عملية الإنماء تتجه أصلا الى خلق الثروة اWenterب والفقر اPovertyب يتصور ذلك في داخل المجتمعات فقط، ولكنه لم يتعرض لأشكال الاستقطاب العالمي بمعنى أن معالجة ماركس للرأسمالية استمرت على المستوى العالمي ويستطرد فوستر كارتر في تنقده لأفكار ماركس قائلا بأنه لا يمكن عمليا ان تكون الرؤية الرأسمالية المصاحبة للتقدم مخالفة لفكرة الرأسمالية الاستعمارية... فالرأسمالية هي علاقة غير متكافئة بين طرفين أحدهما بتمتع بعملية التنمية على حساب الآخر... ويستكمل فوستر كارتر نقده لماركس بقوله ان هذه الفكرة كانت غريبة على ماركس ولم يدركها... وعدم ادراك ماركس لهذه المقولة الخاصة مشمول الرأسمالية لعدم المساواة وعدم العدالة في العلاقة بين الطرفين... يرجع الى ان ماركس لم يعاصر انتشار الامبريالية التي أدت الى بلورة هذه الفكرة.
فالماركسية الحديثة تظاهرة أكاديمية لا تعني انها منحدرة من خط غير الماركسية التقليدية، فالتغير العالمي وزيادة التحليل الغربي التقليدي غير الملائم، أدى الى ظهور الماركسية الحديثة... ولقد كان بول باران اPaul Baranب أول مؤلف ماركسي يهتم بدراسة مشاكل التخلف فالمؤلفات الكلاسيكية عن الامبريالية لم تكن في حقيقة الأمر تعالج التخلف...
وفسر بول باران حتمية الثورة من اجل التنمية، بأن التطور وحده لا يكفي لإحداث عملية الإنماء، انه لابد من الثورة لتحقيق ذلك وذكر باران ان هناك اختلافا وصراعا عميقا بين الرأسمالية الغربية وتقدم الدول النامية وان تقدم الدول الغربية وتنمية مجتمعاتها كان على حساب الدول النامية... ولقد اتجهت الماركسية الحديثة الى نقد النظريات البرجوازية كما هاجم ايضا بيار جاليه اPierre Jolژeب مصطلح العالم الثالث لأنه يحمل ضمنيا معنى عزل عدة دول في وحدة مستعملة منفصلة على المستوى العالمي، كما هاجم رودس اRohodesب فكرة الانقسام الى مجتمع تقليدي ومجتمع حديث وأشار اBettelheimب الى ما يشوب استخدام فكرة التخلف من غموض ولبس... ويعبر فرانك ان مصطلح العالم الثالث تغييرا عن ثنائية المجتمع، وتعرض لتفسير جاك لامبرت اJacques Lambertب فلقد شرح لامبرت ثنائية كل من الاقتصاد البرازيلي والبناء الاجتماعي ويعنى الثنائية وجود نسقين في المجال الاقتصادي ووجود تنظيمين اجتماعيين وان كلا من النسقين والتنظيمين يختلفان في المستوى وفي أسلوب الحياة.
ويستطرد فرانك في شرح فكرة الثنائية فيقول بأن هذه الفكرة قد حازت قبول الدراسين البرجوازيين في المجتمعات النامية في كل من افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية فلقد عبر هؤلاء على تفسير المجتمعات النامية من حيث انقسام المجتمع الى قطاعين قطاع مر بعملية التحديث ويتسم بسمات النسق الرأسمالي وقطاع آخر مازال تحت سيطرة النظام الاقطاعي القديم، وبالنظر الى المجتمع الثنائي نجد ان الغالبية العظمى تقطن في القطاع التقليدي القديم، والأقلية هي التي تسكن في القطاع الحديث، ويعتقد فرانك بأن الاستراتيجية السياسية عادة ما ترتبط بهذا التفسير عن التنمية والتخلف، إن الاعتقاد في هذا التفسير يكون لصالح البرجوازية التي ترغب في الاخذ بأسلوب التحديث في القطاعات التقليدية بالمجتمعات النامية لديها في السوق العالمية... وتفترض النظريات البرجوازية ان التنمية ما هي الا عملية تطور من دول تقليدية متخلفة الى دول متقدمة، وانه لابد من اتصال هذه المجتمعات المتخلفة بالمجتمعات الصناعية الرأسمالية ولهذا افترضت هذه النظرية ان التنمية اصبحت موضوعا يتمركز البحث فيه حول كيفية تحديث الدول النامية والوصول بها الى مستوى الدول المتقدمة وهذا يعني ان هذه النظرية لا تدرك ان تخلف الدول النامية اليوم وتاريخها يرجع الى عملية تنمية الدول المتقدمة كما ان هذه النظرية لا تدرك ايضا ان الدول النامية مازالت متخلفة بسبب مساهمتها في عملية انماء العواصم الرأسمالية المتروبولية كما انها تجهل ان وضع الدول النامية لا يمكن مقارنته بالمجتمعات الاوروبية قبل التصنيع وتتبلور افكار ومقولات الماركسية الحديثة في عملية انماء الدول النامية في الطبقة : تعتقد الماركسية الحديثة ان الطبقات ذات طبيعة معتمدة، وانها تعتبر عاملا من عوامل التغير الاجتماعي وان الاختلاف في نماذج الانتاج يؤدي الى خلف حالة من التناقض داخل الطبقة الواحدة، كما يؤدي الى تناقضات بين الطبقات ولهذا فان التحليل الطبقي يجب ان يكون تاريخيا وان يتم من خلال تراكم العلاقات الطبقية وهذا يستلزم معالجة تراكم معين يختلف من دول نامية الى أخرى... وأعطت الماركسية الحديثة لطبقة البرجوازية الصغيرة دورا مهما في عملية الثورة لما بينها وبين الطبقة العاملة من تشابه في المعاناة في البناء الاجتماعي الاستعماري، ويعتقد فوستر كارتر أن دور طبقة البروليتاريا في العالم النامي يشوبه الضعف والغموض لقلة عدد عمال الصناعة، وذلك لأن الاستعمار الرأسمالي لم ينتشر في الصناعات الا ما يلائم سياسته الاقتصادية ومع ذلك يعتقد ان هذه الطبقة لا يمكن استبعادها في عملية الثورة ويؤكد ان دورها يظهر عفويا وبطريقة تلقائية في العمليات الثورية في الدول النامية... ولقد اهتمت الماركسية الحديثة بفئة الفلاحين واصبح احدى الخصائص المميزة لها، ولقد بدا ألافي اAlaviب سنة 1965 بتحليل هذه الفئة تاريخيا في حين ان الماركسية التقليدية لم تهتم بفئة الفلاحين...
وذلك الاهتمام ماركس بمجال الصناعة وبالرأسمالية الصناعية التي أقتحمت العالم، لاعقتاده بأن عمال الزراعة سيمثلون فئة من مجموع المجال ككل... ولم يثبت التاريخ ما كانت تقول به الماركسية التقليدية فلقد رأى ماو اMAOب أن فئة الفلاحين عمليا اكثر كفاءة في القيام بالعمليات الثورية من جروليتاريا المناطق الحضرية، ومن هنا يدرك ان معظم المناقشات التي تدور حول الطبقات تتناول ايضا دراسة عملية الثورة، وتعرفها كظاهرة دينامية تتسم بالتغير استجابة للأحداث والظروف.
الاقتصاد : ملكية وسائل الانتاج
يعتبر أساس التصنيف الطبقي ولذلك اهتم ماركس والماركسيون في هذه بدراسة الأوضاع الاقتصادية، وللماركسية الحديثة منظورها الاقتصادي الخاص بها في دراستها لاتجاهات رأس المال في العواصم »المتروبولية« والتوابع »الدول النامية« وسوف تتعرض لهذه القضية بالتفصيل عند تحليل قضايا وأفكار فرانك في هذا الخصوص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.