لقد تحدّثنا في توضيح إعلامي سابق عن إشكاليّة التهميش والتدمير التي مارستعا ومازالت تمارسها وزارة التعليم العالي على جامعة الزيتونة بمختلف مؤسساتها ومن ضمنها مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، ونتناول في هذا التوضيح أشكال التهميش والتدمير التي مارستعا ومازالت تمارسها وزارة التعليم العالي على مركز الدراسات الإسلاميّة بالقيروان بشكل خاصّ : ينظّم مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان الأمر عدد 578 الصادر سنة 1990 المؤرخ في 30 مارس 1990 ويضبط مهامه ومشمولاته وتنظيمه الإداري والمالي . تعرض هذا الأمر وما يزال يتعرّض إلى خروقات أدّت أو أوشكت أن تؤدي بهذه المؤسسة الجامعية إلى الخراب والدّمار. تلك الخروقات القانونية صدرت في مجملها عن وزارة التعليم العالي، وامتدت خلال عشرين سنة منذ أن نشأ المركز بصفته مؤسسة جامعية حتى يوم النّاس هذا . ويمكن أن نوجز مجموع تلك الخروقات فيما يلي على سبيل الذكر لا الحصر : 1- أشار الأمر 578 صراحة إلى ضرورة أن يشرف على تسيير المركز مدير من بين المدرّسين المختصين في العلوم الإسلامية الذين لهم رتبة أستاذ تعليم عال أو أستاذ محاضر، فوقع خرق هذا الفصل حين عيّن على رأس إدارة المركز ثلاث مديرين من كلية الآداب لا صلة لهم باختصاص العلوم الإسلامية ودراساتها العلمية والمنهجيّة، وفي نفس المرحلة وقع خرق نفس الفصل الذي ينصّ على أنّه يلزم أن يساعد مدير المركز كاتب عام من المدرسين المباشرين بالجامعة حيث لم يباشر إدارة المركز منذ تأسيسه أكثر من كاتب عام من أساتذة التعليم الثانوي من غير الاختصاص الذي يحتاجه البحث العلمي بالمؤسسة، ثم نقح هذا الأمر وسنذكر بعض ميزات هذا التنقيح لاحقا . 2- نصّ الأمر 578 صراحة إلى أنّه ينبغي أن يسيّر المركز، إضافة إلى المدير، مجلسٌ استشاريٌّ يشمل ممثلا عن الوزارة الأولى) الشؤون الدينية (وممثلا عن المجلس الإسلامي الأعلى وممثلا عن كل جامعة وممثلا عن المؤسسة الوطنية للبحث العلمي ومدرسين إثنين من بين الأساتذة المحاضرين المختصين في العلوم الإسلاميّة ولكن هذا المجلس الاستشاري لم يعين ولم ينعقد البتة . 3- يشير الأمر إلى أنّه ينبغي أن يجتمع المجلس كل ثلاثة أشهر على الأقل، والحقيقة أنّه لم يجتمع البتة ولو مرة واحدة خلال عشرين سنة الماضية منذ تأسيس المركز إلى يوم الناس هذا، فكان أن بقي المركز دون مجلس علمي يؤطر أعماله وينضد أنشطته العلمية والبحثية ، فكان ذلك سببا في تدمير الأنشطة البحثية التي صار مدير المركز غير المختص يتحكم فيها بمفرده بل ويشهد كافّة هيئة التدريس والبحث العلمي بالمركز أنّ معظم المديرين كانوا لا يعتنون بالأنشطة العلميّة ويوجهون المركز لخدمة مآربهم الشخصية ويوظفون القدرات المادية والإعلاميّة الثقافية لتلميع وجه الحكومة وخدمة التجمع الدستوري المنحل. وفي ظل غياب المجلس الاستشاري هيمنت جامعة القيروان على مركز الدراسات الإسلامية واستولت على ما يزيد عن ثلث بنايته واقتطعت نصيبا من خدمات خطوط الهاتف و الماء والكهرباء وجعلت من ذلك مقرّا لرئاسة جامعة القيروان سنين عددا وأدخلت في مقر المركز تعديلات أصبحنا في واقع مضايقتنا بها نعتقد أن مركز الدراسات الإسلامية سيغلق تماما وسيتحول إلى مقر لرئاسة جامعة القيروان . ثم وقع نقل مقر الجامعة فجأة ليعود وزير للتعليم العالي بعد ذلك إلى معاينة المساحة العقارية للمركز بغية الاستيلاء على مقسم منها لرئاسة الجامعة وأشياء أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها . 4- يقرر نفس الأمر سالف الذكر أنّه يُعدّ سنويا التقرير مالي لميزانية المركز، ويعرض على المجلس الاستشاري وتوجه نسخة منه إلى وزير التعليم العالي . وهذا لم يتم ولو مرّة واحدة خلال العشرين سنة الماضية ولا يعلم أحد من أعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي بالمركز كيف تُصرف الميزانية ولا فيم تُصرف ومما يلاحظ عرضا من التلاعب بميزانية هذا المركز ، قيام المديرين سنويا بتنظيم احتفالات 7 نوفمبر تصرف مستلزمات ذلك الاحتفال كلها من ميزانية المركز ولا تسأل عن تلك الوليمة التي يتسابق إليها التجمعيون من كل صوب وحدب ليشهدوا مغانم كثيرة وليأكلوا من زاد مركز الدراسات الإسلامية دون أن يذكروا اسم الله عليه . وفي الندوات العلميّة يأتي من التجمعيين عدد غفير من الأساتذة فيأكلون ويستمتعون ويبيتون في النزل على حساب ميزانية المركز وليس لأحدهم أية مشاركة فعلية في الندوة ، لا من الناحية العلمية ، ولا من الناحية التنظيميّة . 5- ينصّ الأمر 578 صراحة إلى أنّه من بين مهام المجلس الاستشاري للمؤسسة التعريف بنتائج الدراسات المنجزة ونشر البحوث وتعميمها وهذا ما لم يحدث على الوجه الذي ضبطه الأمر (578) مطلقا. بل إنّ النشاط العلمي للباحثين كان غالبا ما يقابل بالإهمال وعدم الاعتناء، وفي معظم الأحيان تنشر بعض المحاضرات التي تجمع في الندوات وتطبع في صفقة بين مدير المركز والمطبعة الرسمية . 6- خلال السنتين الاخيرتين تم تعيين مدير لمركز الدراسات الإسلاميّة وباشر تسيير المركز ونحن نعلم أنّ وضعيته تتعارض مع الأمر ( 578) من جهتين، فهو غير مختص في العلوم الإسلامية كما ينصّ الأمر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليس للمدير الجديد رتبة أستاذ تعليم عال ولا أستاذ محاضر كما ينصّ الامر( 578) وفي ذلك تعارض صارخ بين الأمر القانوني والشخص الذي عيّن لتسيير المركز. لقد ظننَّا أنّ الوزارة أخطأت في ذلك، فاكتشفنا أنّنَا أخطأنا في ظننا بالوزارة ، لأنها تعلم ذلك التعارض علم اليقين الشيء الذي جعلها تسند تسيير المؤسسة إلى ذلك الشخص دون أن تقع تسميته رسميّا في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وظل ذلك الشخص يسير المؤسسة ويتصرف في إدارتها وماليتها لمدة تزيد عن سنة دون تسمية، وفي نهاية المطاف عمدت الجهات المختصّة إلى تنقيح الأمر (578) بأمر آخر عدد 2641 لسنة 2009 مؤرخ في 14 سبتمبر 2009 تم بموجبه إلغاء أحكام الفصلين 3و5 من الأمر 578 لسنة 1990 . فوقع خفض سقف الدرجة العلمية لمدير المركز من أستاذ تعليم عال أو أستاذ محاضر إلى رتبة أستاذ مساعد فوافق شنّ طبقة . ولسائل أن يتساءل لماذا وقع ذلك وفي جامعة الزيتونة العشرات من أساتذة التعليم العالي والأساتذة المحاضرين؟ والجواب أنّ هذا التنقيح لم يكن وليد حاجة ملحة ولا ظروف قهريّة بل هو اختيار مقصود مدعوم بخرق القوانين ورتقها على مقاس كوادر التجمع الدستوري الديمقراطي، وهذا التصرف يكشف سوء وفحش ورداءة أسلوب التعيين الفوقي في المؤسسات الجامعية دون مراعاة الشروط والمتطلبات التي يقتضيها الجهاز العلمي والوظيفي للمؤسسة العلميّة ولا يحترم القانون المعتمد في تسييرها . 7- وقع تنقيح الفصل المتعلق بمدير المركز وعُدّل حسب مقياس يسميه العرب قديما (وافق شنّ طبقة) إلاّ أنّه لم يتساوق مع رتبة الكاتب العام التي يقرها الأمر نفسه، فوقع الحط من رتبة الكاتب العام إلى رتبة كاتب. فلم يرض بهذه الخطة أحد وبقي مركز الدراسات دون كاتب عام ولا كاتب سنة جامعية كاملة حتى رضي بها أحد الزملاء من التعليم الثانوي التقني جازاه الله خيرا . 8- رغم الخرروقات القانونية سالفة الذكر فقد تمّ الاحتفاظ بهذا القانون وهذا الأسلوب إلى الآن وبمقتضاه وقع إقصاء مركز الدراسات الإسلاميّة من المرسوم31، والمنشور (29/2011 بعد الثورة كيف ذلك ؟ رغم أنّ الأمر التأسيسي ينصّ صراحة أنّ مركز الدراسات الإسلامية مؤسسة جامعية تخضع إلى إشراف وزارة التعليم العالي وتابعة لجامعة الوسط. فقد أقصت وزارة التعليم العالي الحالية مركز الدراسات الإسلامية وهيئة التدريس والبحث العلمي فيه من التعريف الذي حدده المرسوم 31/2011 والتعريف الذي حدده المنشور 29/2011 لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بكل مشمولاتها الهيكلة الجامعية ووظائفها العلمية والإدارية وتم بسبب ذلك منع هيئة التدريس والبحث العلمي من الترشح والتصويت لمختلف الهيئات الجامعية ، وإمعانا منها في ذلك الإقصاء وذلك التهميش قابلت وزارة التعليم العالي عرائض الاحتجاج من قبل هيئة التدريس والبحث العلمي بالمركز بالتجاهل وواصلت منعهم من الانتخابات الجارية في الجامعة و الترشح لها، وهي ماضية اليوم في إبقاء دار لقمان على حالها حتى اضطر البعض منْ أعضاء هيئة التدريس إلى طلب النقلة إلى المعهد العالي للحضارة اللإسلامية رغبة في الإبقاء على صلته الوثيقة بالعمق الأكاديمي في الجامعة في مجاليْ التدريس والبحث العلمي معا . ولسائل أن يتساءل هنا هل يمكن لأيّ وزارة في العالم المعاصر تقدّر العلم، وتحترم القانون والمؤسسات أن تفعل هذه الأفعال المؤسسة الجامعيّة ؟ أليست هذه الممارسات وأمثالها هي رأس المعوّقات الحقيقيّة التي تحول دون أن تبلغ مؤسساتنا الجامعيّة شأو المؤسسات الجامعية العالمية الأخرى، وهذا الأمر تبدو نتائجه واضحة جليّة لكل ذي عين وعقل في عدم قدرة مؤسستنا الجامعيّة على أن تجد لنفسها موقعا ولو متأخّرا في سلّم الترتيب الجامعي العالمي ؟ لأنّه يراد لها أن تمضي الدهر كلّه تتخبط في المعوّقات والعراقيل الداخليّة بدل الإشعاع والتطوّر! وإزاء هذه الأحوال المتردية، وفي هذا الواقع الذي لم يشهد فيه مركز الدراسات الإسلامية أية انفراج أو أية محاولة لانقاذه من الوضعية القانونية والإدارية التي بلغت ما سبقت الإشارة إليه، فإنّ إطارات مركز الدراسات الإسلامية وأعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي فيه يستنكرون بشدّة إقصاء هيئة التدريس والبحث العلمي بالمركز من حقوقهم الجامعية التي جاء بها المرسوم 31 والمنشور 29 /2011 وهم يعتبرون أنّ إبقاء مؤسستهم وأنشطتهم العلمية ضمن القانون سالف الذكر بمجموع التراتيب التي نتجت عنه والممارسات التي حفت به، إنّ ذلك يعدّ تكريسا لنفس الممارسات السابقة بنفس المقاييس البغيضة. وإنّ أيّة مبادرة قادمة لتنقيح الأمر الأمر (578) و الأمر (2641) مرة أخرى لا بدّ أن يتضمن الجوانب الأساسية التالية : 1- سحب المرسوم 31/2011 والمرسوم 29/2011 على مركز الدراسات الإسلامية بوضفه مؤسسة جامعية حسب تعريف الفصل الأول من الأمر (578) وكذلك طبقا لتعريف المرسوم 31/2011 للمؤسسات الجامعية . 2- الغاء أمر التنقيح (2641) وما ترتب عنه من هدر لقيمة المؤسسة أكاديميّا، وحطّ لمستواها العلمي والإداري، ذلك أنه ينبغي ترفيع السقف العلمي بدل خفضه على الوجه الذي مرّ ذكره، واعتبار ذلك من أبسط الإجراءات التي تعيد إلى هذه المؤسسة الجامعية اعتبارها، ودعمها بإطار جامعي من الرتبة العالية التي تستحقها. 3- ارجاع مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان إلى الجامعة الأصلية المنبثق عنها، وهي جامعة الزيتونة، فذلك هو عمقه الأكاديمي المتجذّر فيه ولا مناص من ذلك ، وهو الوضع السليم الذي يحقق له التكامل العلمي المتين والتأطير الأكاديمي العميق دون سواه. 4- تشريك أعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي بمركز الدراسات الإسلامية بالقيروان عبر الاستشارة الموسعة في كل ما يتعلّق بالتغييرات التي تمسّ حقوقهم وأوضاع مؤسستهم والكف عن تغييبهم واعتماد القرارات الفوقية الموروثة عن العهد البائد البغيض . ونعتبر كل الإجراءات التي لا تلبي هذا الحد الأدنى من حقوق المؤسسة، وحقوق هيئة التدريس والبحث العلمي فيها من قبيل الإجراءات التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المرتكزات الدستورية، ونعني بذلك على وجه الدّقة غياب محكمة دستورية تحمي مؤسسات الدولة وكوادرها من الخروقات القانونية والاجراءات اللاقانونية ونعتقد أن توفر ذلك مستقبلا في ظل قضاء مستقل سيمكن من المحاسبة العادلة على وجه اليقين .