تنصيب احميدة التومي رئيسا للمجلس الجهوي بنابل    قبلي: السيطرة على حريق نشب بواحة المنشية    القلعة الصغرى.. الاحتفاظ ب 3 عناصر خطيرة جدا    سيدي بوزيد: تراجع عدد الأضاحي إلى 110 آلاف رأس    وزيرة التربية: تم صرف مستحقات كل المتعاقدين    الترجي يُحيل أصيل النملي على لجنة التأديب    الدولي التونسي ديلان برون يتوج بكأس سويسرا    المنتخب الوطني.. حصة تدريبية ثالثة ورباعي ينضم غدا إلى المجموعة    أنس جابر في ربع نهائي رولان غاروس للتنس    المراقبة الاقتصادية بولاية تونس تضبط برنامج عمل خصوصي خلال فصل الصيف    الليلة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 26 درجة    وفاة المخرج الشاب محمد أمين الزيادي    وزارة الأسرة: معاينة ممارسات مخالفة للقانون في بعض التظاهرات الاحتفالية ببعض مؤسسات الطفولة    وفاة المخرج محمد أمين الزيادي..#خبر_عاجل    الطبوبي من زغوان.. الاتحاد موجود وفاعل ويواصل دوره الوطني    المخرج التونسي الشاب محمد أمين الزيادي في ذمة الله    اعلام برياح قوية مثيرة للرمال والاتربة بالجنوب ليل الأحد ويوم الإثنين    وزارة التربية تمنع ارتداء الكوفية الفلسطينية على مجتازي امتحانات الباكالوريا    وزيرة التربية: لايمكن الحديث عن لوحات رقمية والمدارس تفتقر لمياه الشرب    في منتدى السي 0س 0س الغد …النادي وضع القدم الأولى على خارطة الطريق.    شركة اللحوم تشرع في بيع أضاحي العيد بداية من 8 جوان الجاري    ولاية تونس في المرتبة الأولى من حيث عدد حوادث المرور    كوريا الشمالية تُهدي جارتها الجنوبية 600 بالون نفايات    بنزرت: وفاة اب غرقا في شاطئ سيدي سالم وإنقاذ طفليه الصغيرين    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    هذه الدولة تعتمد أول لقاح للسرطان في العالم    بعد زيارة الصين: رئيس الدولة يعود الى تونس..    خلال زيارته المكتبة الكبرى لشركة "هواوي": رئيس الجمهورية يهدي المكتبة مؤلفات تونسية (صور)    أفضل الخطوط الجوية لسنة 2024    هزّة أرضية في المغرب    النادي الصفاقسي يطلق منتدى للتشاور مع احبائه ومسؤوليه السابقين    أحمدي نجاد يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في إيران    ايقاف 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بنيويورك    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    برنامج الغذاء من أجل التقدم 110 مليون دينار لدعم إنتاج التمور في تونس    انقسامات داخلية حادة تهز الاحتلال حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    العجز المسجل في الاموال الذاتية لشركة الفولاذ بلغ قرابة 339 مليون دينار خلال 2022..    أمطار الليلة بهذه المناطق..    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    وزارة الداخلية :بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة بين النادي الافريقي والترجي الرياضي    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    عاجل/ الإحتفاظ بشخص يهرّب المهاجرين الأفارقة من الكاف الى العاصمة    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَتَى يُقاضِي الاتّحاد مُنفذّيها؟
مظلمة 26 جانفي...: بقلم: مازري مرتضى الزغيدي
نشر في الشعب يوم 20 - 08 - 2011

لقد أتت أسرة تحريرة صحيفة «الشعب» عملاً جليلاً بجميع المقاييس، حينما خصّت نصف عددها الأخير لنشر العديد من الشهادات الحيّة والوقائع الصارخة المتعلقة بالمظلمة الكأداء الضخمة التي تعرّضت لها الطبقة العاملة التونسية من خلال منظمتها النقابية المجيدة، الاتحاد العام التونسي للشغل وقياداته ومناضليه ومناضلاته وكوادره النقابية الباسلة.
ويُعتبر إحياءُ الذاكرة النقابية والوطنية وإنعاشُها من طرف هيئة التحرير ورفع الحجاب عن تلك المظلمة، واجبا اعلاميا وأخلاقيا ساميا، وإنجازًا نقابيا وتوثيقيّا في منتهى الأهميّة، خصوصا بعد سنوات طويلة من الصّمت المدقع ومحاولة ردم التاريخ والتّصامت البارد الذي لازمته بعض الأطراف المعروفة، والتغاضي عن الجذور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتلك المظلمة الموصوفة المتعمّدة، وملابساتها وأطوارها وأساها ومآسيها وضحاياها الأبرار وشهدائها البواسل...
ولابدّ من الاقرار بأنّ الملف الذي خصّصته صحيفة الشعب لمظلمة 26 جانفي 1978 والمجازر الرهيبة المجحفة التي راح ضحيّتها الأبرياء، قد أماط اللّثام عن احدى أعظم الملاحم البطولية التي خاضت غمارها الطبقة العاملة التونسية تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل وكوادره ومناضليه وقياداته.. فضلا عن أنّ الملف الغاية في الجودة النوعية والاتقان الاعلامي الماهر، قد كشف للعيان الحجم الحقيقي للمؤامرة الهدّامة المُبيّتة التي نسجت خيوط عنكبوتها مباشرة دوائر قيادة أركان الحزب الحاكم ووزراء حكومته القائمة آنذاك، ومغاوير ميليشياته المسلحة وأجهزته المخابراتية وشبكاته السرية والعلنية.
فالقراءة الجيّدة لكلّ مضامين ملف المظلمة بجميع تفاصيله وخفاياه الدقيقة، بما فيها شهادات وزراء تلك الحكومة واعترافات القائمين على الحزب الحاكم آنذاك (والاعتراف سيّدُ الأدلة!!)، تلك القراءة تُحيلُ الذاكرة النقابية والوطنية إلى استحضار المظلمة المجزرة الاستعمارية القديمة التي اقترفتها جحافل الاستعمار الفرنسي في مدينة صفاقس يوم 5 أوت 1947، وهي المجزرة الدموية التي أزهقت أرواح عشرات الأبرياء من العمّال والنقابيين بين شهداء وجرحى ومعتقلين، والتي أُصيب خلالها الزعيم النقابي الراحل الحبيب عاشور برصاصة في ساقه اليُسرى...
كما أنّ استقراء أطوار مظلمة 26 جانفي وفصولها وملابساتها وخفاياها، يُوحي بأنّ أوجه شبه عديدة جمعت بينها وبين المجازر الدمويّة المرعبة التي اقترفها غلاة الاستعمار الفرنسي القديم المباشر يومي 8 و9 أفريل 1938، في حقّ التونسيين المتظاهرين وقادة الحركة التحرّرية المطالبين بانتخاب برلمان وطني...
1 حتّى لا تذهب هَبَاءً دماءُ الأبرياء:
... والآن وقد انكشفت الحقائق الصارخة، وسقطت الأقنعة، وأجمعت الشهادات ذات المصادر المختلفة، وخرجت الاعترافات من أوكارها، وشهد شاهد من أهلها، وتجمّعت القرائن والبراهين والأدلة على أنّ مظلمة 26 جانفي بجميع الآمرين بها ومنفّذيها وفصولها وأطوارها وملاباساتها، لا يجوز نقابيا ووطنيا وأخلاقيا اعتبارها حدثا عاديا عابرًا،، بل هي بجميع المقاييس، مؤامرة عدوانية مسلحة مع سبق الاعداد والتعمّد والاصرار، اقترف منفّذوها والآمرون بها، جرائم الحق العام الجزائية التالية:
٭ الادّعاء الباطل بأنّ الاتحاد العام التونسي للشغل قد تنكّر لمقتضيات «الميثاق الاجتماعي» وأعدّ العُدّْةَ لإحلال الصّدام والفوضى في البلاد من أجل الاستيلاء على السلطة وقلب نظام بورڤيبة ونويرة، وعقد حلف سياسي مع النظام في ليبيا.
٭ إصدار تعليمات حزبية وأوامر حكومية علنية من شأنها التحريض على الاقتتال والاعتداء بالعنف المسلّح على منشآت ومحلاّت ومقرّات عموميّة رسميّة تابعة لمنظمة الاتحاد العام التونسي للشغل، وأيضا على أشخاص آدميّين من العمّال والموظفين والكوادر النقابية من أبناء الاتحاد...
٭ الاستيلاء بقوّة السّلاح (بنادق وسلاسل وسكاكين وقضبان حديدية) على مقرّات نقابية رسميّة ومحلات مأهولة ذات حصانة قانونيّة وبثّ الرعب والتّهديد الموصوف في نفوس أصحابها.
٭ فرض مناخ طوارئ إرهابي على الاتحاد وأبنائه وعلى عموم المواطنين من طرف رجال مسلّحين دون هوية رسمية يأتمرون بتعليمات حزبية وحكومية علنية (اعتراف مدير الحزب في صحيفة الشعب).
٭ القتل المتعمّد باستعمال ذخيرة أسلحة رسميّة للعشرات من التونسيين الآمنين الأبرياء في العاصمة وفي مدن وقرى مختلفة تقدر بعض الأوساط المطّلعة عددهم بنحو 200 مواطن شهيد (على لسان شهادة وزير الداخلية آنذاك في صحيفة الشعب صفحة 22)، في حين تحدّثت بعض المصادر الحقوقيّة (تونسية ودولية) عن رقم يقارب 470 ضحيّة بين رجال وأطفال ونساء...
٭ تعريض حياة النقابيين وغيرهم للخطر عبر هجمة الاعتقالات الهستيرية الجماعية والعشوائية دون إذن قضائي للمئات منهم وحجب أخبارهم عن أهاليهم وذويهم، والزجّ بهم في غياهب السجون دون صدور بطاقات إيداع بشأنهم.
٭ الاعتداءات الجسدية والمعنوية الموغلة في العنف والتنكيل على عشرات النقابيين من الجيل الثاني والثالث وتعرّضهم لجريمة التّعذيب الشّديد في محلاّت الايقاف المختلفة ومكاتب الاستنطاق.
٭ التعذيب الناتج عنه الموت في حقّ المناضلين النقابيين الشهيدين حسين الكوكي وسعيد ڤاڤي، وهي جريمة جزائية أثبتتها شهادات الأطبّاء، ومنهم الدكتور جغام.
والآن وبعد مرور ثلاثة عقود على مظلمة 26 جانفي ومجازرها الرهيبة ومآسيها المرعبة، فإنّه يجوز للطبقة العاملة التونسية ومنظّمتها النقابية المجيدة ومناضليها وقادتها ولكلّ القوى المدنية والوطنية المستقلّة ان تعتبر بصفة شرعية أنّ أطوار تلك المظلمة تتضمّن فعلا عناصر الادانة القانونيّة الكافية لمقاضاة منفّذيها والآمِرِين بها (أحياء وأمواتًا على حدّ السواء)،، أمام القضاء التونسي أو أمام هيئات قضائية دولية أو أمام أيّة لجنة قضائية دولية من لجان ومجالس الدفاع عن حقوق الانسان ورفع المظالم عن الضّحايا.
2 الجريمة لا تنتفي بالتّقادم:
في اطار القيمة التوثيقية لملف مظلمة 26 جانفي الذي نشرته صحيفة الشعب، تظلّ شهادة الأخ عبد المجيد الصحراوي ذات إنارة استثنائية، حيث صرّح قائلا: (... تمّت إحالتنا إلى سجن 9 أفريل بتونس العاصمة، حيث تعرّفت على الزعيم الحبيب عاشور مباشرة، وأذكر أنّه قال لي حرفيّا: «الحمد للّه لم نكن وحدنا في هذه المرّة.. إنّ الشباب والرأي العام الوطني والدولي معنا خلافا لأزمة 1965... وستثبت الأيّام براءتنا وسنعود قريبا إلى اتحادنا، وسيُحاكم المجرمون الحقيقيّون يوْمًا»..).
فأبرز ما يلفت الاهتمام ويتطلّب التأمّل ضمن هذه الشهادة هو أنّ قيادة الاتحاد المعتقلة آنذاك كانت فعلا مسكونة بهاجسٍ إيجابي للغاية، يتضمّن شعورًا عارمًا بالمظلمة الجائرة ومجازرها ومآسياها ومعرفة جيّدة مفصّلة بالآمرين بها وبمنفّذيها،، ورغبة جامحة حقيقية في رؤية هؤلاء المجرمين الحقيقيين ماثلين أمام القضاء العاجل، من أجل رفع المظلمة وانعكاساتها وآثارها ومعاقبة النّاسجين لخيوطها العنكبوتية وإنصاف الضّحايا والاعتذار لهم أمام القضاء العلني والتعويض لهم عن المؤامرة الضخمة التي تعرّضوا لها...
... وحين يعلم الجميع أنّ المنظومة التشريعية والمدوّنة القانونيّة تُجيزان لأي مواطن مفرد تعرّض لمظلمة ما، مقاضاة رئيس بلدية، أو مدير بنك، أو مدير معهد، أو رئيس مركز أمن، أو عميد كلية، أو سفيرًا أو وزيرًا، فمن باب أولى وأحرى،، أن تقاضي منظمة نقابية في حجم وعراقة الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم أو غدًا جميع الآمرين بالمظلمة الدموية دون استثناء ومنفّذيها وأدواتها وأطرافها مهما كان موقعهم.. وبما أنّ للضحايا والشهداء حقّ شرعي مقدّس على الاتحاد وعلى الوطن، فإنّ القوانين والتشريعات والأعراف الدولية الضامنة لحقوق الانسان وإنصافه ورفع المظالم الفردية والجماعية، تفتح الطريق تمامًا أمام قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ومناضليه وكوادره الوطنية للتظلّم أمام القضاء من المؤامرة الدموية التي تعرّضت لها نساء ورجال الطبقة العاملة التونسية وقياداتها النقابية الباسلة على أيدي المجرمين الحقيقيين (مثلما أسماهم الزعيم الراحل الحبيب عاشور).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.