عاجل/ القبض على شاب شوّه وجه عضو مجلس محلي بهذه الحهة    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    فيضانات تجتاح البرازيل وتخلّف 39 قتيلا وأكثر من 69 مفقود    الكشف عن موعد كلاسيكو الترجي و النجم الساحلي…التعيينات الكاملة لمباريات الجولة السابعة من مرحلة التتويج    هام/ التعليم الأساسي: موعد صرف مستحقات آخر دفعة من حاملي الإجازة    القبض على امرأة محكومة بالسجن 295 عاما!!    حالة الطقس اليوم السبت    دورة كتالونيا الإسبانية المفتوحة للتنس: المصرية ميار شريف، إلى الدورنصف النهائي    تونس تعول على مواردها الذاتية.. تراجع الاقتراض الخارجي بنحو الثلث    التوقعات الجوية لليوم    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    أوجيه ألياسيم يضرب موعدا مع روبليف بنهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    وفاة أحد أهم شعراء السعودية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    دولة أوروبية تتهم روسيا بشن هجمات إلكترونية خطيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه    توننداكس يرتفع بنسبة 0،21 بالمائة في إقفال الجمعة    اليوم العالمي لحرية الصحافة /اليونسكو: تعرض 70 بالمائة من الصحفيين البيئيين للاعتداءات خلال عملهم    اخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من المهاجرين الافارقة    تفكيك شبكة مختصة في ترويج المخدرات بجندوبة ..وحجز 41 صفيحة من مخدر "الزطلة"    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها (بودربالة)    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    سليم عبيدة ملحن وعازف جاز تونسي يتحدث بلغة الموسيقى عن مشاعره وعن تفاعله مع قضايا عصره    مركز النجمة الزهراء يطلق تظاهرة موسيقية جديدة بعنوان "رحلة المقام"    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    بوريل..امريكا فقدت مكانتها المهيمنة في العالم وأوروبا مهددة بالانقراض    تصنيف يويفا.. ريال مدريد ثالثا وبرشلونة خارج ال 10 الأوائل    إفتتاح مشروع سينما تدور    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    فتحي الحنشي: "الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية أصبحت أساسية لتونس"    فيلا وزير هتلر لمن يريد تملكها مجانا    منير بن رجيبة يترأس الوفد المشارك في اجتماع وزراء خارجية دول شمال أوروبا -إفريقيا    القصرين: تمتد على 2000 متر مربع: اكتشاف أول بؤرة ل«الحشرة القرمزية»    إنه زمن الإثارة والبُوزْ ليتحولّ النكرة إلى نجم …عدنان الشواشي    الاحتجاجات تمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    تالة: مهرجان الحصان البربري وأيام الاستثمار والتنمية    عاجل/ قضية "اللوبيينغ" المرفوعة ضد النهضة: آخر المستجدات..    حمام الأنف القبض على 04 شبان أعمارهما بين ال 16 و22 سنة مورطين في قتل شخص بواسطة سكين.    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    قرعة كأس تونس 2024.    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينتظر المساندة وليس التأنيب والجلد والتأليب
الاتحاد العام لطلبة تونس:
نشر في الشعب يوم 12 - 06 - 2010

ضمن متابعتي المنتظمة لشهادات الأستاذ منصور الشفّي حول تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل، بمؤامراته ومظالمه وانتصاراته وإنتكاساته ومتاهاته المتنوعة، إستحضرت ذاكرتي تلك المرحلة الذهبية الناهضة التي تميّزت بوقوف كل أطياف التونسيين والتونسيات مع المنظمة النقابية العمالية العتيدة، عند الشدائد القاسية التي عاشتها وتجرّعت علقمها خلال سنوات الجمر الحارقة وفترات المحاصرة والحصار ومحاولات التدجين والتذييل والتهميش والاقصاء والتغييب، وبوجه أخصّ مظلمة 26 جانفي 1978. فلقد كانت تلك المرحلة النيّرة ذهبية بالفعل، حيث لاقى الاتحاد العام التونسي للشغل تضامنا شعبيا وطنيا عارما منقطع النظير، ومساندة نقابية عربية وعالمية حازمة وفعّالة، ولم يتراخى أي طرف في مساندة العمال والنقابيين في محنتهم، ولم تتخلى أية قوّة نقابية أو شعبية أو حقوقية أو إعلامية أو سياسية عن المنظمة النقابية العمالية الوحيدة في بلادنا، ووقف الجميع الى جانبها في ملابسات شديدة الصعوبة والتعقيد والتشعّب وضمن مناخ حالة الطوارئ القصوى وحظر الجولان!!
... وبفضل صمود أبناء وبنات الطبقة العاملة وممثليها المناضلين النقابيين والقادة وتضحيات الجميع، اضافة الى جميع أشكال المساندة والتضامن الفعّال من جانب جميع المنظمات المدنية والحقوقية والأحزاب الوطنية، ومن ضمنها الاتحاد العام لطلبة تونس من موقعه كمنظمة نقابيةو طلابية مستقلة، وايضا بفضل مساندة المنظمات النقابية العربية والعالمية، توفّق الاتحاد العام التونسي للشغل في تجاوز مصاعبه وإجتياز محنته وقهر المناورات وإسقاط المظالم وإسدال الستائر الداكنة عن الكثير من الأقنعة والوجوه الملثمة، فأستعاد موقعه الطبيعي واسترجع إشعاعه الجدير به الى حدّ اليوم...
اتحاد الشغل واتحاد الطلبة: حركة نقابية واحدة:
ضمن باب إستقراء بعض فصول الماضي القريب، لو لاقى الاتحاد العام التونسي للشغل، التراخي أو التخلّي (أو حتى مجرّد التجاهل والتغاضي) خلال المظالم التي عاشها وإكتوت الطبقة العاملة والنقابيون البواسل بنيرانها الحارقة، لما كان لنا اليوم منظمة نقابية عمالية مستقلة شامخة، ترفع عاليا راية الحقوق والحريات، بعد ان ظلت طويلا معرضة للتذييل والتدجين في سبيل تغييبها وإنقراضها.
وبالرغم من أن المنظمة النقابية العمالية تمثل من حيث الجوهر التوأم الطبيعي للمنظمة النقابية الطلابية، والاثنتان معا تنتسبان معا للحركة النقابية الوطنية التونسية الواحدة ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فإن ماراطون المحاصرة والتضييق والمطاردة وكابوس الخنق والمحاكمات ومحاولات التهميش والاقصاء والتغييب التي ظلت المنظمة النقابية الطلابية تتعرض لها طيلة العقدين الاخيرين، لم تلاقي مع شديد الأسف الحدّ الأدنى الطبيعي من المساندة الفاعلة والتضامن الحازم من جانب منظمات المجتمع المدني ذات السيادة والأحزاب الوطنية، بل أن التوجه العام السائد داخل تلك الفضاءات ظل يراوح بين التردد المرتبك والتجاهل البارد والمناكفة الحسابية الجافة والتخلي الأخرس. في حين يعلم الجميع دون إستثناء حجم حملات التضامن المبدئي الحازم والمساندة الفعّالة غير المشروطة (بأشكال وصيغ مبتكرة متنوعة) التي نظمتها طيلة نصف قرن المنظمة النقابية الطلابية وقواعدها الجماهيرية وقياداتها المتعاقبة، للوقوف الميداني الفاعل الى جانب جميع تلك المنظمات والجمعيات والأحزاب الوطنية خلال جميع المحن والشدائد التي عاشتها الى حدّ اليوم... كما أن أرشيفات الذاكرة الوطنية الحيّة تبرهن تماما على تلك الحقائق الناطقة وتذكّر الجميع بأن المنظمة النقابية الطلابية ظلت على الدوام الحضن الدفئ الذي نشأت ضمنه وترعرت مئات من مناضلي ومناضلات المنظمات النقابية والحقوقية والثقافية والمهنية اليوم، بل والعشرات من قيادات الأحزاب الوطنية الحالية... أفلا يستحق الاتحاد العام لطلبة تونس الاعتراف بالجميل في درجته الدنيا لا غير، والتعامل معه بالمثل؟
فالمنظمة النقابية الطلابية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل وأية منظمة نقابية أخرى ليست سوى تنظيما نقابيا شرعيا وقانونيا يناضل مثل الجميع من أجل حقوق الطلبة، المادية والمعنوية والمدنية، ويناصر الحريات الدستورية ويساند القضايا العادلة للشعوب والأمم ويقف الى جانب حركات التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي، ويناهض الامبريالية والعولمة...
كما أن كل أجيال الحركة الطلابية وجميع القيادات التي تعاقبت على إدارة الصراع النقابي منذ مؤتمر قربة والى حدّ إعتصام منوبة (أكتوبر 2009)، تعرف جيدا ومستوعبة تماما، أن ذلك الخطّ النقابي العام (من الحق الشرعي في المنحة والسكن الجامعي اللاّئق،، مرورا بمقتضيات الفصل الثامن من الدستور ومناصرة قضايا الحق والعدل والانعتاق، وصولا الى مقاومة الامبريالية والصهيونية والعولمة الرأسمالية الفتّاكة...) يمثل تحديدا ثابتة من ثوابت الحركة الطلابية ومرتكزات الاتحاد العام لطلبة تونس، بل إن ذلك الخطّ النقابي العام نفسه تسير على هديه ووفق مبادئه جميع الحركات النقابية المستقلة ذات السيادة (سواء العمالية منها أو الطلابية على حدّ السواء) في البلدان العربية وفي أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا: فخلال العامين الأخيرين، نزلت الاتحادات النقابية الطلابية في المغرب ومصر وموريطانيا ولبنان وسوريا والجزائر في مظاهرات عارمة وسط عواصم بلدانها ومدنها الداخلية تنديدا وتشهيرا بالحرب الصهيونية الأمريكية على قطاع غزة،. كما تظاهر اتحاد الطلبة بإسبانيا والاتحاد الوطني لطلبة فرنسا في قلب مدريد وباريس، تشهيرا بمجموعة الثمانية وهي الرمز السيء الصيت والسمعة للامبريالية العالمية والممثل الرسمي للعولمة والناطق باسمها: فجميع الاتحادات الطلابية ذات السيادة في أغلب بلدان العالم، تعيش عصرها من الأعماق، ومن الطبيعي للغاية ان تتفاعل تماما مع الأحداث الوطنية والعالمية، بل وتتبوّأ موقع الطليعة الشبابية المتقدمة، المناهضة للإستبداد الفردي أو الطبقي والرافضة للقمع والخنق وحالة الطوارئ ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية غير القابلة للتفريط في أي حال من الأحوال. وكل ذلك متجمعا ومترابطا هو المسار النقابي المتقدم الذي إختاره الاتحاد العام لطلبة تونس، ليس أمس أو اليوم، بل منذ إنطلاقته التأسيسية سنة 1952 (سنة إغتيال الشهيد الوطني والنقابي فرحات حشاد)، وهو نفس المسار إجمالا الذي يناضل على هديه ودربه الى اليوم وغدا وفي المستقبل مناضلو الاتحاد ومناضلاته وقواعده وكوادره وقياداته، مع هامش طبيعي متوقّع وعابر من الأخطاء والاخلالات هنا وهناك لا تسيء إطلاقا للأرضية الأساسية وللمبادئ وللثوابت وللمرتكزات الحيوية لأي تنظيم نقابي جماهيري متقدم...
اتحاد الطلبة: قلعة الثوابت والصمود والوفاء:
يمثّل الاتحاد العام لطلبة تونس ثاني أعرق منظمة نقابية وطنية حذو الاتحاد العام التونسي للشغل، ولأنه يحتلّ موقعا حيويا ومفصليا في الخارطة الوطنية (تأثيرا وتأثرا)، فلقد كان طيلة أكثر من نصف قرن شأنه شأن المنظمة النقابية العمالية معرضا لشتى أنواع المخاطر والمؤامرات والإنزلاقات والمظالم المحبوكة، فضلا على محاولات الخنق والتدجين والتذييل والتهميش والاقصاء والتصفية الموصوفة...
كما أن الاتحاد العام لطلبة تونس من موقعه كتنظيم نقابي جماهيري متقدم ظلّ منذ مؤتمر قربة 71 والى حدود إعتصام منوبة في أكتوبر 2009، يقاوم بإمكانياته المحدودة العديد من مظالم الخنق والتدجين والتجنيد والمحاكمات الماراطونية الدائمة التي ذهب ضحيتها المئات من طلبة القواعد ومناضليها النقابيين وقياداتها الوسطى والمركزية، فضلا على حملات التعنيف والاعتداءات الجسدية الموصوفة التي طالما تعرض لها طيلة العقدين الأخيرين مئات الطلبة والطالبات القاعديين والنقابيين أعضاء المكاتب الفدرالية واعضاء الهيئة الادارية والمكتب التنفيذي (بقياداته المتعاقبة) على أيدي أجهزة الحزب الحاكم وميليشياته والشعب المهنية المسماة »الطلبة الدستوريون« الذين ظلوا على الدوام لا يمثلون سوى شبكة جوسسة وإعتداء على عموم الطلبة، متحصنين بحماية رسمية دائمة.
وفي نفس هذا المضمار، يعلم الجميع جيدا المعاناة المريرة الطويلة التي تجرّع كوابيسها وتهديداتها أبناء وبنات الجامعة التونسية عموما، ومناضلو الاتحاد العام لطلبة تونس وكوادره وقياداته على أيدي مجموعات ماء النار والسلاسل الحديدية والأسلحة البيضاء من طلبة التيار السلفي الذين تميزوا على الدوام بمعاداتهم الفطرية المتأصلة للنقابات وللعمل النقابي صلب الحركة الطلابية وصلب الحركة العمالية على حدّ السواء، فضلا على تميزهم بشنّ حملات الاعتداءات والتعنيف الجسدي والترهيب النفسي والتهديدات الموصوفة العلنية ضدّ الطلبة والطالبات عموما، وضدّ نقابيّي وكوادر ومناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس بدرجة أولى، ويعرف الجميع أرشيفاتهم المثقلة في هذا المضمار، تطبيقا حرفيّا لما دعاهم إليه أحد غلاة السلفية في بلادنا الى ما أسماه »الإنقضاض على الساحة الطلابية«، قائلا لهم في نص منشور بأن »... من بيده الجامعة، يملك مستقبل البلاد بين يديه...«!
فالاتحاد العام لطلبة تونس، بجميع أجياله ومناضليه وقياداته، قد ظلّ طيلة الأربعين سنة الأخيرة، يقارع مناخ الاستبداد والمحاصرة، ويقاوم بالصوت والقلم كل مؤامرات التدجين والتصفية، دفاعا شرعيا عن كيانه المستقل الفاعل وعن سيادته الذاتية المهددة على الدوام من طرف الحزب الحاكم بدرجة أولى، وتمسكا مبدئيا حازما بأرضيته النقابية المتقدمة وثوابته الحيّة المتجدّدة ومرتكزاته الحيوية في الاستقلالية المناضلة الفاعلة والتمثيلية النسبية الناجعة والوحدة الخلاّقة البنّاءة، بالتلازم الثابت مع العمق الجماهيري والاجتماعي والوطني والعالمي.
أما الإسطوانة القديمة المألوفة التي ظلت تروّج طيلة أربعين سنة بأن الاتحاد العام لطلبة تونس ليس سوى »مخبرا للصراعات الايديولوجية« وايضا »بؤرة للتمرّد والثورة« بل و »منظمة متطرفين«... (الى آخر مفردات قاموس مدير الحزب الأسبق الشهير)... فهي بالضبط الخطاب المتجني الدقيق لجميع الذين كانوا ومازالوا سببا أساسيا في تراجع موقع المنظمة النقابية الطلابية وإنحباس إشعاعها النقابي وإنحسار تأطيرها وتعبئتها الجماهيرية... أفلا يكفي الاتحاد العام لطلبة تونس (قواعد ومناضلين وقيادات) أن يكون الضحية المباشرة الأولى للمحاصرة العامة الهادفة الى تهميشه وتصفيته بأياد رسمية ضالعة وأصوات غير رسمية متواطئة، حتى تنخرط بعض وجوه المعارضة العتيقة التي تبدو قد تعبت وشاخت، في حملة هستيرية غير طبيعية من التأنيب والجلد والتأليب الموصوف والتحريض السلبي العلني ضد ما أسموه »الإنحراف« المزعوم داخل المنظمة النقابية الطلابية، والدعوة الديماغوجية للعودة الى ما أسموه جزافا »الجوهر« ورفع يافطة المخاتلة المسماة »النقد الذاتي« المغلوط، الذي لا يهدف إطلاقا الى تعزيز مكانة المنظمة في الخارطة الوطنية وتدعيم ثوابتها النقابية المتقدمة وتدعيم مضمونها الاجتماعي الخلاّق وتثبيت عمقها الوطني الجدلي المتفاعل والفاعل وأفقها العالمي، بل غايته الوحيدة تنحصر في نهاية التحليل في تحويل الاتحاد العام لطلبة تونس ذو النصف قرن من التاريخ المجيد والانجازات والتضحيات الجسيمة والسجون والدموع والدماء الى ما يشبه قليلا أو كثيرا »نقابة أساسية« ضيّقة الأوكسيجين ومحددوة الأفق ومكبلة اليدين واللسان... فليس كل نقد ذاتي يمثل إنجازا بناءا بصورة إطلاقية، فكم من نقد ذاتي حصل في المنظمات أو الأحزاب أو الدول القائمة ولم يكن سوى مرادفا للتراجع عن الثوابت أو تحريفا للتعاليم والمبادئ أو تفريطا متعمدا في كيانات منظمات بكاملها أو أحزابا قائمة أو حتى دول بكامل أركانها ومؤسساتها: فشعار »النقد الذاتي« و »عودة الجوهر« (وكأن الجوهر قد غرق في البحر!!) يمثّل دوما شعارا فضفاضا غائما وسلاحا ذو حدّين!!
... وبالمناسبة، فبالله أين كانت هذه الأصوات وأين إختفت هذه الوجوه خلال عامين كاملين مريرين من الهجوم أرض أرض على المنظمة النقابية الطلابية وقواعدها ومناضليها وكوادرها وقياداتها الوسطى، من الخنق والمحاصرة والمطاردة مرورا بالملاحقة والمراقبة وصولا الى الاعتقال والطرد من الجامعة والمحاكمات والسجون؟
فباستثناء الثرثرة الإنشائية القديمة في المقاهي والحاناة والنزل من أجل حفظ ماء الوجه، فإن الغالبية العريضة من تلك الوجوه والأصوات قد إكتفت بالصمت البارد المُوحي بالتهميش المبطن والاستخفاف غير المعلن، ولم يكتبوا ولو حرفا واحدا ولن ينظموا ولو عريضة واحدة أو تظاهرة واحدة تضامنا مع الطلبة النقابيين المعتقلين في ثلاثة سجون، ودفاعا عن الاتحاد العام لطلبة تونس، الذين يزعمون اليوم »حمايته من الانحراف« (وكأنه طفل مراهق في حالة تشرّد!!) بدل التضامن معه وحمايته من القمع والمنع!
... بل الأنكى من ذلك، أن بعض هذه الأصوات أقدمت خلال إعتقالات أكتوبر 2009 على إصدار بيانات موقّعة تندد بما أسموه »مجموعات العنف« والقصد بذلك طلبة الاتحاد المعتقلين داخل السجون!!
في حين يعلم الجميع، بما فيها محاضر أبحاث المحكمة ومرافعات محامي هيئة الدفاع عن طلبة الاتحاد وأهاليهم وأصدقاؤهم. أن الموقوفين هم حصريا الذين تعرضوا للعنف الجسدي والاهانة النفسية والتنكيل المعنوي بسبب ممارسة حقهم الشرعي في العمل النقابي... أما خاصية تلك البيانات المنددة بما أسمتهم »مجموعات العنف«، فهي أنها تذكّر من قرأها أو علم بها، ببيانات الاستياء والتنديد المألوفة التي طالما أصدرتها قيادة حركة فتح، ضد صواريخ المقاومة الوطنية الفلسطينية وضد كل طفل فلسطيني يرشق جنديا صهيونيا بالحجارة!!
... ولكن، رغم موجة الصمت والتعتيم الاعلامي وعقلية الخوف على الكراسي والمناصب الواهية ومواقف التخاذل والتخلي وحتى التشفّي تجاه إعتقالات ومحاكمات مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس (أكتوبر 2009 مارس 2010)، فإن نخبة متقدمة من القوى والأوساط الحقوقية والاعلامية الوطنية تضامنت مع الاتحاد، على غرار الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب ومحامو رابطة حقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين وصحيفتا »الشعب« و »الموقف«.
مفاصل الحالة الراهنة... وبدائل التجاوز:
إن جميع الأطراف الطلابية والنقابية والحقوقية والسياسية الوطنية، على يقين تام في قرارة نفسها وتعتقد علنا أو في الخفاء بأن المفصل الأساسي للحالة الراهنة التي يعيشها الاتحاد العام لطلبة تونس وتئن من أوجاعها الحركة الطلابية الرائدة، يكمن بصورة رئيسية في واقع المنع والخنق الرسمي للحق النقابي وللحريات الاساسية، الى مدى رهيب لم يسبق له مثيل حتى في سنوات الجمر، جعل من فصائل القوى النقابية والحقوقية والديمقراطية تفقد أبسط حقوقها، حتى حرمة المسكن والتنقل والسلامة البدنية والمراسلات البريدية والهاتفية.
وبما أن الاتحاد العام لطلبة تونس يمثّل بجميع المقاييس وفي كل الأحوال القارة والطارئة، فصيلا عضويا متقدما من تلك القوى الوطنية، فلقد نال النصيب الأوفر على الإطلاق من حملات الخنق والملاحقة والمطاردة والحصار، إضافة الى نوعية مصاعبه الذاتية وأوضاعه الداخلية، الأمر الذي جعله يواجه معاناة مزدوجة مريرة، صنعت منه دون ارادته ضحية مزدوجة على الدوام!
ويعرف الجميع أن الضحية مهما كان نوعها لا تنتظر التأنيب الاضافي والجلد المتجني، بل هي في حاجة ماسة حيوية الى الرأفة والاحتضان وتضميد الجراح والمساندة والتضامن الفاعل،،، خصوصا وأن مصاعب الاتحاد العام لطلبة تونس ومتاعبه المتنوعة ومعاناته المزمنة، قد ولدها مباشرة مناخ التضييق والحصار والمصادرة، أكثر مما نتج عن إخلالات وأخطاء طبيعية ومتوقعة أو تقديرات غير صائبة ضمن أرضيته النقابية العامة... ولقد أصاب أمين عام المنظمة الطلابية الى حدّ بعيد، حينما صرخ قائلا:
»... مكنوا الاتحاد من حقوقه أولا... والمؤتمر الموحّد حقّنا... وإستقلالية المنظمة الطلابية مكسب سنحافظ عليه...« وهو ما يمثل تعبيرا عن زفرة عميقة من أعماق كيان مضطهد أرهقه الحصار والخنق والعدوان...
كما أنه آن الأوان، أمام أصحاب الرؤى المثالية الهيڤلية، أن يستوعبوا نهائيا أن طالب اليوم ليس طالب الأمس بفعل طغيان إيديولوجية العولمة الرأسمالية وعقليات الخوف والإستكانة ونفسيات الهزيمة والتشاؤم وإستفحال الفساد والإنحراف!
ولكن، رغم الأنواء والأهوال، فإن الاتحاد العام لطلبة تونس قادر تماما على صياغة بدائل التجاوز التي تعيد للحركة الطلابية توهجها الخلاّق وتوجهاتها النقابية الجماهيرية ومجدها الوطني الأصيل وموقعها الفاعل ضمن الخارطة الاجتماعية، وذلك عبر:
1 التمسك الدائم بالثوابت الاساسية للاتحاد
2 الإنصهار الجدلي الخلاّق ضمن مفاصل الحركة الاجتماعية.
3 التدرّب على مكابدة مصاعب الطالب التونسي، والتفاني في خدمة مصالحه والدفاع عن حقوقه.
4 إبتكار ديناميكية تآلفية مناضلة بين مكوّنات المنظمة تيسّر إنعقاد أشغال المؤتمر الموحّد، وإنبثاق هياكل وقيادات قاعدية ووسطى ومركزية منتخبة وممثلة لعموم الطلبة.
5) التمسّك الشديد بالطبيعة النقابية الجماهيرية المتقدمة للمنظمة الطلابية، دون أن تشكل بأية صورة من الصور، قاطرة سياسية لهذا الطرف أو ذاك، مع فتح نوافذ التواصل النضالي مع جميع القوى النقابية والحقوقية والسياسية الوطنية، واعتبارها دون تفاضل صديقة للاتحاد وللحركة.
6) تكفّل المكاتب الفدرالية والفدراليات بتأسيس منظومة من النوادي الثقافية الطلابية (أدب فلسفة تاريخ مسرح سينما موسيقى فن تشكيلي...) وتنظيم محاضرات ورحلات للطلبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.