سؤال كان قد سأله عمر بن الخطاب زمن المجاعة، من سرق من؟ وهو سؤال حول الفاعل والمفعول به، لذلك نعيد السؤال: من سينتخب من؟ وهل الشعب التونسي قادر على الاختيار ومناقشته وهو المعروف بالمبايعة والتزكية دون نقاش أو ابداء رأي (الإمعة)!؟ هل يعرف الشعب تاريخ وثقافة ونضال المرشحين للرئاسة وكذلك ميولاتهم وسياساتهم وأهدافهم وقدرتهم على القيادة؟ لا أظن ذلك! فهذا الشعب كان مكبلا مدجنا مأمورا، خادما لبورقيبة وبن علي، وهما بدورهما كانا خادمين للاستعمار...، لكن هذا الشعب له مثقفون واعون مدركون ثوريون. لذلك وجب على عامة الشعب ان يتركوا أو ينسحبوا من الانتخاب ليفسحوا المجال للمثقفين لانهم جديرون بالاختيار ومعرفة من يصلح او لا يصلح للرئاسة..، فالمثقفون الثوريون هم أقوى سلطة في العالم. فهم يمثلون سلطة المعرفة فلا سلطان عليهم، فهم من أوجد انسانية الانسان، التسامح، الحرية، العدل، الرفاه، الدواء... والسلاح النووي، فاعطوا القوس باريها وكفى استهتار وتسلطا وشعوذة! الانتخابات على الأبواب لقد كثر الحديث هذه الايام حول الانتخابات والكثير من التونسيين لا يعرفون من ابتكرها ومن له الحق ومن ليس له الحق في الانتخاب! غير ان 90% بالمئة منهم كانوا ينتخبون بورقيبة وبن علي وذلك بمقابل و 80% من هؤلاء المنتخبين لا ثقافة لهم، لا يعرفون الغث من السمين وفوق ذلك ينتخبون ويختارون من يصلح! فأنا واحد من البقية الباقية، وهم المثقفون،لم تصلني يوما بطاقة ناخب، لم أشارك في اي انتخابات سواءً كانت انتخابات بلدية أو تشريعية أو رئاسية؟ هكذا كانت سياسة بورقيبة وبن علي، ان كانت لهما سياسة، عرجاء، عمياء خاطئة، حيث كان ابطالها من الاميين وشبه المثقفين.. وكما رأيتم ما خلفته هذه السياسة من دمار وظلم واستهتار وقتل وتشريد... لذلك أرى انه لابد من اصدار قانون يحرم الجهلة من الانتخاب ويحصر هذه اللعبة (اي الانتخابات) بين المثقفين من معلمين، اساتذة، اطباء، مهندسين، صحافيين...، نحن شعب من شعوب العالم الثالث التي تعيش في تخلف وفوضى والخطأ اصبح مشاعا، لذلك علينا جعل حد لمثل هذه الاخطاء، كي نتقدم ونلتحق بركب الحضارة، وفي هذه الصدد يقول باسكال الحقيقة ما قبل جبال البرني خطأ ما بعدها: أي ان العلم والتقدم والحرية والتسامح... لا توجد الا في اوروبا، هكذا صاغها باسكال واطلق حكما قيميا وجوديا! اعرف تاريخ اليونان لتعرف معنى الانتخاب والديمقراطية وقدرة الانسان تاريخ اليونان عريق وغني عن التعريف، فلقد ولد به عدة فلاسفة منهم طاليس الماليطي، القائل: إن الماء هو العنصر الوحيد المكوّن للحياة وأمبد يفليكس القائل: بأن العناصر المكونة للحياة هي اربعة، الماء، الهواء، النار، والتراب، وكذلك أنجب اليونان أبقراط، أب الطب، وسقراط أستاذ أفلاطون، وأرسطو صاحب المنطق الرياضي وأب الفلسفة، الذي قطع مع العلوم والمعارف السابقة (المقاطعة الابستمولوجية) وبنى أسس الفلسفة والرياضيات والمنطق. إن المجتمع اليوياني كان يربي وينتج الانسان المعقلن الذي لا يؤمن الا بالحكمة، وفي هذا السياق يقول اLobrotب ان المجتمع صنعة التربية. ويقول اDurkheimب عالم الاجتماع الفرنسي: ليس الانسان الذي تريد التربية ان تحققه فينا هو الانسان كما خلقته الطبيعة، وانما هو الانسان كما يريده المجتمع، وكما لا يخفى على أحد، ان الانتخاب والديمقراطية وُلدتا في اليونان وقد أوجدهما الصراع المتواصل بين المفكرين والتجار واصحاب السلطة فمتى انتهى هذا الصراع، مات الفكر والتقدم...، الا ان العبيد والنساء كانوا محرومين من خوض اي صراع فكري او انتخابي..! في حين ان المجتمعات الشرقية كانت وما زالت مجتمعات متخلفة بسبب احتقارها للعقل والتفكير الانساني، تركيزها على المَا ورائيات والاحكام الاوتوقراطية الاستبدادية فبقيت في الدرك الأسفل، وبقيت الانتخابات والديمقراطية مدرسة خالدة وهدية ثمينة من اليونان الى العالم. فهل من طريقة جديدة للانتخاب في تونس؟ الطريقة الجديدة هي مجرد اقتراح وفي الوقت نفسه هدية للمثقفين لانهم هم الذين يجيدون اللعبة ويدركون معنى السياسة والدهاء والمنفعة والاستغلال والعلم والجهل وما ينجر عنه من مهالك ومزالق، فالمثقفون هم صانعو مستقبل الطفل والراشد والكهل والبلاد والاجيال القادمة لذلك، هم الذين يستحقون خوض الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية، لقد انتهى عهد الظلم والغطرسة والتزوير والرشوة وتأليب الجاهل وتأليب المرأة على الرجل او المتعلم على المعلم... اما البقية المتبقية من الشعب عمال وحرفيين... فلهم الحق في العمل والعيش الكريم وامتلاك الاراضي والرخص... وعلى رأسهم الفلاح لانه هو المنتج الحقيقي لذلك وجب تشجيعه بالقروض والمعدات والاسمدة والمحروقات بأسعار رمزية، وهكذا يؤسس المثقفون للمجتمع المدني الذي من خلاله يمكن مقاومة التسلط التشريعي والقضائي والاداري... كما يؤسسون لسلطة المعرفة وهي أقوى سلطة في الوجود. وعندما تقضي المدارس على الجهل والتخلف ويصبح المجتمع واعيا، متحضرا، متسامحا...، حتما سيبدع في كل المجالات. خاتمة إذا نال اقتراحي الاعجاب والتقدير، فواصلوا ايها السادة المثقفون الكتابة عنه وعن سلطة المعرفة، معرّفين بالانتخابات «العَبْدُولِية».