قال الله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (صدق الله العظيم ). أتوجه بخطابي هذا إلى الإخوة النقابيين كافة المتحملين منهم المسؤولية النقابية أو الذين أبعدوا عنها بطريقة أو أخرى في جميع القطاعات والجهات والمتعاطفين مع الحركة العمالية التونسية. لأحدثهم بكل لطف ودون غرور لأني لا أدعي الكمال في ذلك بل أعتبر نفسي مناضلاً نقابيّا في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل عشت كل مراحل نضاله من بداية السبعينات إلى الآن تقلدت فيه المسؤولية النقابية على المستوى الجهوي والقطاعي والوطني والعربي وحصلت لي خلالها تجربة متواضعة أعتز بها . لهذا رأيت من واجبي النقابي والأخلاقي أن أطلعهم بما يخالج فكري وما أراه صوابا وضروريا خاصة بعد الثورة المباركة لإرساء وحدة نقابية تونسية صلبة وصالحة ودائمة يجد فيها الجميع ضالته دون مساس بمصالح الشغالين الذين ينتظرون منا تحقيق الرفاهة والعدالة والكرامة لكل التونسيين, في ظلّ ما تشهده البلاد من تنوع بحرية التنظيم السياسي باعتبار الكل يسعى بالطريقة التي يراها مجديَة تحقق له أهدافه المعلنة منها والسرية وما خلفه الضجيج الذي أحدثه كثرة الأحزاب وتناثرها والتي تجاوز عددها المائة وسبعة أحزاب بما أثر سلبا على ثقة المواطن بالأحزاب والسياسيين. لنجنّب النقابيين صراع المواقع الذي ذهب إليه السياسيون حماية للحركة النقابية التونسية من داء الانقسام بأيدي النقابيين تحت أي عنوان أو مسمى لمنافسة المنظمات الجديدة للاتحاد العام التونسي للشغل في إطار ما يسمى بالتعددية النقابية، مع احترامي لكل من يخالفني الرأي في ذلك. لأشير إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي وحّد المنظمات النقابية في الشمال والجنوب في عهد الاستعمار الفرنسي ليكوّن قوة مواجهة نضالية لمحاربة الاستعمار ليحقق الاستقلال وبناء الدولة لا يمكن أن يتحوّل أبناؤه بعد ثورة 14 جانفي 2011 إلى أداة لتقسيم الشغالين خدمة لغايات وأهداف ومخططات الأطراف التي تكن العداء للنقابات العمالية ليستفردوا ويستولوا على ثروة البلاد ويحققوا ثرواتهم باستغلال جهد وعرق العمال بمقابل زهيد ويضربوا الاستقرار في الشغل ويكرسوا سياسة الخوف بعد أن يغرقوا النقابيين في الصراعات والمواجهات بين بعضهم عملا بالمثل «فرّق تسدّ». هذا الحديث سقته تمهيدا لما أقصده بعدما اطلعت على بعض الأفكار والردود بأقلام النقابيين وغيرهم وخاصة ما صدر بجريدة الصباح الأسبوعي الصفحة 9 ليوم 8 أوت 2011 من تصريحات الفرقاء القادة النقابيين حول الوحدة النقابية والتعددية التي ساقها الصّحافي الأخ عبد الوهاب بن الحاج علي الذي وضع قلمه على الداء الحقيقي للفتنة النقابية وتماشى تخوّفه مع ما كتبته في المقال الصادر بجريد الشعب العدد 1116 بتاريخ 05 مارس 2011 حول التعددية النقابية والذي حذرت فيه بخطورة تقسيم الحركة النقابية وحتى لا أكرر ما ذكرته في المقال المشار إليه أنطلق فقط من تصريحات الإخوة المنصف الزاهي عن الاتحاد العام التونسي للشغل وإسماعيل السحباني عن اتحاد عمال تونس وحبيب قيزة عن الجامعة العامة التونسية للشغل. حيث دعا الأخ الزاهي الإخوة المنشقين عن الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الترشح للمؤتمر القادم للاتحاد المذكور دون عائق بعد قرار الهيئة الإدارية الوطنية بتاريخ 14 جانفي 2011 القاضي برفع العقاب عن كل النقابيين والسماح لهم بالعودة إلى ممارسة العمل النقابي والترشح حسب الشروط المنصوص عليها بالنظام الداخلي مشيرا إلى خطورة التعددية التي تهدف إلى إضعاف الاتحاد من الداخل بأموال من بعض الأعراف كوسيلة لخلق الفتنة والانشقاق داخل صفوف النقابيين . أما الأخ السحباني الذي لم يتعرض إلى طلب الأخ الزاهي وكذلك فعل الأخ قيزة وانحصر تعليقهما في المسائل الجانبية المتعلقة بالمفاوضات الاجتماعية والخصم المباشر محتجين على الحكومة الانتقالية لعدم تشرك منظمتيهما في المفاوضات المشار إليها و دافع كل واحد عن منظمته في إطار التعددية والتنوّع ويستشف من كلامهما عدم تجاوب مع الدعوة إلى الوحدة النقابية درءا للفتنة. وشاهدنا يوم الأربعاء فبل الماضي إضراب عمال شركة نقل تونس الذي دعا إليه إتحاد عمال تونس وما تمناه المحرضون من الأطراف الأخرى بكلمة «خلّي ياكلو بعضهم» بالانقسام الذي حصل بين عمال الشركة ونقاباتهم الشيء الذي اعتبره البعض الآخر حرب النقابات وما انجر عنه من شلل العاصمة وتعطيل مصالح العمال والشغالين في القطاعات الأخرى في يوم حار وهم صائمون وما نتج عنه من ردود فعل من قِبَلِ المواطنين كادت ترجع البلاد إلى المربع الأول في الانفلات الأمني والفوضى لولا تدخل العقلاء من أبناء الشركة والمخلصين من أبناء تونس . وكنت أتمنى أن لا يكون انقسام الشغالين بيد أبناء الاتحاد الذين اجتهدوا ببعث منظمات نقابية منافسة لمنظمتهم الأم الاتحاد العام التونسي للشغل نتيجة ما تعرضوا إليه من إقصاء حسب رأيهم من قِبَلِ القيادة الحالية وما يعتبرونه رد فعل مشروع بالطريقة التي يراها كل طرف ضرورية تماشيا مع الظرف وحتى لا أغوص في هذا الموضوع واشكالياته أطالب بالمصارحة والمكاشفة للمصالحة لبناء وحدة نقابية تونسية صالحة ودائمة تجعل الاتحاد العام التونسي للشغل الوحيد الجامع لكل النقابات العمالية بالفكر والساعد يمثلهم وينسّق ويرسم التوجهات العامة لعمل النقابات القطاعية والاتحادات الجهوية ولو أدى الأمر إلى تحويل الاتحاد إلى كنفيدرالية تحت اسم الاتحاد العام للنقابات التونسية للشغل بجمع كل المنظمات النقابية لتجد حظها في اتخاذ القرارات النقابية بعيدة عن المركزية المشطّة ونجنّب بذلك الحركة العمالية الانقسام والتشتت الذي لا يخدم مصالحهم مهما كانت الأسباب والإغراءات وحجم التمويلات المالية وغيرها . وندعو إلى استغلال فرصة الحراك النقابي استعدادا لعقد مؤتمر المنظمة الأم في ديسمبر القادم للحوار في هذا الشأن بعيدا عن المحاصصة الجهوية الذي غالبا ما طغت على نتائج المؤتمرات السابقة وبعيدا عن الاستغلال السياسي بمنع الجمع بين المسؤولية السياسية والمسؤولية النقابية. والنقابيون الذين اختاروا العمل السياسي في ظلّ التعددية نشكرهم على نشاطهم داخل المنظمة وندعوهم الآن إلى ترك النقابيين يؤسسون لمنظمتهم بعيدا عن التجاذب السياسي على أن يبقوا متعاطفين معنا ونساندهم في برامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تخدم مصلحة الشغالين . فالحركة العمالية تكون موحّدة أو يذهب ريحها ولنا في تجارب فرنسا والمغرب دليل على ذلك ونحن في تونس نتذكر تجربة المرحوم الحبيب عاشور الذي حاول بعث نقابة مستقلة في بداية الستينات سرعان ما تراجع عن فكرته بعدما تأكد من فشلها لأنها ستقسّم العمال وكذلك تجربة مجموعة السبعة من المكتب التنفيذي المستقيلين عن الحبيب عاشور بقيادة المرحوم عبد العزيز بوراوي الذين بعثوا الاتحاد الوطني في بداية الثمانيات بتدعيم من حكومة مزالي وكيف رفضه العمال وتعاملوا معه بوعي وواجهناه كنقابيين جميعا بصلابة بمن فيهم الأخوان السحباني وقيزة ومن معهم من المناضلين النقابيين المتحملين المسؤولية في منظمتهما الجديدتين مما اضطر الاتحاد الوطني إلى إعادة دمجه مع القيادة المنصّبة في صلب الاتحاد بعد الاستيلاء عليه من طرف الشرفاء سنة 1985 واضمحل نهائيا سنة 1988 في مؤتمر سوسة. وأدعو في ختام هذا الخطاب إلى دراسة الوضع النقابي بروية وعقلانية بعيدا عن التشنج والمزايدة لتجاوز هذه المحنة التي صنعها أبناؤها بكل أسف والله الموفق .