أقرّ أنّني لم اكتب كلمة واحدة بعد الثوة ثورتنا العظيمة التي فجّرت الغضب العربي المتأصل ضدّ حكامه الفاسدين وأشعلت ملحمة الثورة العربية بدءا بتونس واتّجاها إلى ليبيا ومصر وسوريا اليمن والبحرين. ثورة كنست انظمة الفساد والاستبداد وأكدت اننا امّة لوجهنّم صُبّت على رأسها واقفةٌ وثوّار يردّدون وينشدون مع الزعيم البريطاني تشرشل عندما كان يقاوم العدوان النّازي: »علينا ان نقاتل بكلّ ما في أيدينا وبالاغاني«. باختصار شديد نقول انّ المخلوع الهارب داس الازهار لكنّه لم يفلح في تأجيل الربيع او استيعاب مقولة »وتلك أيّام نداولها بين الناس«. ❊ النّدوة الأدبية: احتفالا بمئوية الكاتب الفذّ محمود المسعدي نظّمت دار الثقافة بقرنبالية أمسية ادبية نشّطها الاستاذ الشاعر صابر العبسي افتتحت بمعرض يؤرخ أهمّ مسيرته الزاخرة نقابة وسياسة وفكرا. ثم ّ تلا ذلك ندوة فكرية تقطع مع السائد من مقولات طحنت المسعدي طحنا حتى كادت تفقده نكهته وعمقه وفنّه منذ خمسين عاما. ندوة يمكن تلخيصها في المداخلتين التاليتين: 1) حضور الأدب التونسي في فكر المسعدي من خلال كتاب »تأصيل الكيان«: بحث الاستاذ مجدي بن عيسى بحثا علميا في المسألة متسائلا هل يمكن الحديث عن أدب تونسيّ؟ هل في انتاجنا التونسي ما يثبت انّه تونسيّ؟ يجيب الباحث اعتمادا على مواقف المسعدي الذي يرى أنّ القوميّة في الادب ضرب من الحمق اي أيّ المسعدي يبدو رافضا لوجود الادب التونسي على المستوى الابداع والتّنْظير. ورفضه لمبدأ الادب القوميّ رفض للانكفاء على الذات وهذا يتعارض مع تصوّراته للادب كمرآة لمعاناة الانسان في كل مكان ومعبّر عن المشترك الانسانيّ. المسعدي اذا لا يرفض الحديث عن النذاتية في الابداع الادبي بل يؤمن بان الاصالة تحرير لروح العبقرية الكامنة في التراث ولكنّه يؤمن بالانفتاح على الاداب الغربية المسعدي يروم اعادة انتاج عبقرية الادب العربي لا استنساخه لا ينكر الاخذ بل ينكر الاقتصار على الاخذ. صاحب تأصيل كيان »يقطع مع انغلاق لا يليق برحابة الثقافة العربيّة. 2) شعرية البلاغة في أدب المسعدي (الأستاذ مصطفى القلعي): تناول الناقد المسألة بالعودة الى أيام عمران وتأمّلات اخرى »آخر مؤلفات المسعدي« المقال بحث عن منافذ جديدة لادب الكاتب الذي يصمه القلعي ب »العلم المجهول« ويشير الى أنّ تلقي ادب المسعدي فيه عسر كبير ممّ قلّص من أهميّته في تاريخ الثقافة العربية ويرجع الناقد الامر الى الممارسة البلاغيّة في كتابة المسعدي (السدّ، مولد النسيان، حدّث ابو هريرة قال، من أيام عمران) مؤكّدا ان الشعرية في سرده وأثر البيان العربيّ القديم فيه سبب بعض اغماضه من تلك القوانين الشعرية المستلّة من روح البلاغة العربية ومن الفلسفة الغربية يستعرض ثلاثة: المزج والتّعصير والاغماض المزج يتجلّى في البلاغة والبيان اللغوي في سرده الساحر الذي يستوحي لغة القرآن ويستدعي الفلسفة الغربيّة (الوجودية والعبث) وقضايا وافدة ومعاصرة. التعصير يبدو في الشخصيات الورقية المأخوذة من التّراث العربيّ القديم (عمران، أبو هريرة، غيلان) وصنع منها كائنات تبني وتفكّر تفكيرا معاصرا وتعيش تجارب الوجود الانسانيّ، اما الاغماض فمردّه البيان وقيامه على الصّورة الشعرية ويستحضر التشبيه التمثيلي الذي اعتمده المسعدي 18 مرّة في كتابه »من ايام عمران هذه الشعرية تنطلق من الواقع وتبتعد عنه كثيرا مما يؤول الى اغراب المعنى. الاستاذان مجدي بن عيسى ومصطفى القلعي اثارا قضايا جديدة تتّصل بأديبنا محود المسعدي الذي زاوج بين المعرفة العميقة للتّراث العربيّ ونهله مباشرة من ينابيع الفكر الغربيّ والانسانيّ.