هي دون شك الدورة الاستثنائية لشيخ مهرجاناتنا... مهرجان الصحراء الدولي.. وهي دون ريب الدورة «المضمضة» بعبير الثورة المحلاة بزفرات الجرحى ودم الشهيد انها الدورة الرابعة والاربعون لمهرجان الصحراء الدولي بدوز التي عاش على وقعها اهلنا على مشارف الصحراء رفقة ذويهم من شتى أرجاء الوطن الذين توافدوا على دوز بالالاف غير عابئين بوعْثاء السفر ولا بعد المسافة ولا طول السهر.. وهي ظروف «راعتْها» دوز وأهلوها فاكرموا الضيف وسقوْا العطش الي الفعل الثقافي الجاد واحتضنوا المواهب التي يتهدّدها الموت في المهد في ذاك الزمن الظالم فاضحت تحلم كالنخل بالزهر والتمر... مهرجان دوز في دورته الرابعة والاربعين اقترف فيها من الافعال جميلها ومن الحركات ابداعها ومن التعابير اصدقها وهي العناصر التي اثثت فقرات المهرجان الذي امتدّ من على خمسة ايام بعد ان احتجب اليوم السادس لاسباب تفهّمها الجميع ما عدى قناة الوطنية (1)!! ❊ سياسة وأصول لعلّ اكثر ما ميز هذه الدورة بعد او قبل برمجتها حضور السيد رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي للافتتاح وسط اجواء اقترن فيها الفرح بالضيق والخوف منه وعليه حيث لم يسبق للمهرجان وعلى امتداد تاريخه ان استقبل ضيفا بهذا الحجم وفي ظرف مثل هذا خاصة ان الزيارة لم تكن معلنة مما فاجأ الجميع وقيل لنا أن السيد المرزوقي ارادها كذلك حيث صرح لاحد القريبين منه بانه من الطبيعي ان يزور شخص بلدته واهله وذويه في اي وقت شاء بصرف النظر عن موقعه او حجمه لان الاعراف تقول ان لا عيْن تعلو على الحاجب. ❊ التحدي الثاني... هذا الهاجس الامني الذي أرّق المشرفين على المهرجان سرعان ما تبدّد بمجرد انتهاء زيارة رئيس الجمهورية لتتحول الانظار صوب اطباق المهرجان التي تنوعت بشكل فاجأ الزوار ورواد الفضاءات الثقافية حيث سجلنا تهافت الناس على «الصباحات» الشعرية التي عرفت نجاحا كبيرا جماهيريا ولم ترْقَ الي الانتظارات ادبيا مما حدا بلجنة التحكيم أن تحجب الجائزة الاولى لافضل شاعر وقصيد لعدم توفر المواصفات التي تفرض التتويج... هذا التعثر في القوافي قابله بزوع شمس سابعة على المهرجان وأعني «السينما» الوثاڈئقية اذا صحّ التعبير حيث صادف هذه الدورة من مهرجان دوز انطلاق مغامرة على الهامش سميت (J.D.D) أيام دوز الوثاڈئقية التي تصدرها عرض فيلم «شهيد الكرامة» لصالح الجدي الذي اكرم من خلاله شهيد الثورة اصيل دوز الدكتور المرحوم حاتم بالطاهر هذا الفيلم او الشريط الوثاڈڈئقي استقطب اهتمام الكثيرين مما اضطرّ هيئة المهرجان إلى برمجة عرضه ثانية في اجواء جدّ مؤثرة زادها درامية حضور عائلة الفقيد ممّا أسال الكثير من الحبر والقول والدموع وهي الاجواء التي لم تحجب الاعجاب بباقي المشاركات التي قد تكون لنا عودة اليها ضمن صفحاتنا الثقافية. ❊ ساعة ايقاع إلى جانب عرض الافتتاح والشعر والسينما والندوات التي تراوحت بين الادبي والعلمي وتوزعت على فضاءات عديدة. قلت الى جانب هذه المحطات انتظر الجميع العرض الفرجوي لفرقة جيل جيلالة المغربية التي لم تقنع ولم تؤدّي اي رسالة ولم تقدم اي ورقة لا من الماضي الجميل للفن الملتزم ولا لحاضر الاغنية البديلة في زمن الثورات العربية التي سحبت البساط من تحت اقدام بعض الفرق علي غرار جيل جيلالة التي لم يبق منها الا الايقاع «التخميري» الذي يؤسس للرقص دون غيره وقد كانت الفرصة مواتية حين دعينا إلى المؤتمر الصّحافي لهذه الفرقة لطرح اربعة اسئلة لم نظفر بجواب واحد كاف عنها: (1) ما ردكم على القول ان الربيع العربي هو خريف الفن الملتزم؟ (2) ما نظرة السلط الملكية لهذه الفرقة ومثيلاتها؟ (3) يغلب على انتاج جيل جيلالة والغيوان المثلث الدرامي للموسيقى (سيكا، راست، صبا) وهو ما يراه البعض شكلا من الاستقطاب العاطفي (4) هل من علاقة مع «الملتزمين» التونسيين (البحث الموسيقي، اولاد المناجم، اصحاب الكلمة، الحمائم البيض..)؟ والجواب كان لا.. يذكر ان عرض هذ الفرقة تواصل ساعة فقط تقريبا وهو ما اثار حفيظة الكثيرين الذين دفعوا مالا وقبضوا ريحا ورملا... ❊ اختتام متقدّم.. عرض الاختتام قدّم بيوم لاسباب تتجاوز المنظمين حيث سجل تخلف الامنيين والعسكر عن ساحة العرض مما خلق بعض الهواجس دعت الى تقليص مدة المهرجان من ستة إلى خمسة ايام كانت كافية لزرع نخلة اخرى في واحة دوز الابداع والتآلف والكرم المرزوقي الاصيل... ❊ «الشعب» على المنصّة شرف كبير نالته جريدة الشعب وذلك من خلال تكريمها امام اكثر من 35 الف متفرج وهو ما يستحق التنويه والتأكيد على أن لا شكر على واجب. ❊ مجموعة التضحية تلك هي التسمية التي اطلقت على هيئة الدورة 44 للمهرجان والتي حازت على رضى الجميع تقريبا حيث طغى على نشاطها الكثير من الاتزان والتعاون للاحاطة بضيوف المهرجان وتنفيذ برنامجه والتأسيس لعقلية ثقافية اخرى تتجاوز الجمل الهائج والسلوڤي الجائع.. وهو ما يصر عليه السيد ابراهيم بن عمر ورفقاؤه ومن بينهم الاستاذ الهادي عبد الحفيظ الذي حرص على انجاح مهمة الصحافة الوطنية والدولية لتكون صورة المهرجان وصورة تونس اكثر اشراقا..